الأرصاد الجوية تنذر من جديد.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة بالمغرب    الاتحاد الأوروبي يحذر من رسوم ترامب.. ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد العالمي    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    أخبار الساحة    الدوري الاحترافي يستأنف نشاطه    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    مصالح مديرية الضرائب تضع حسابات مقاولات "العجز المزمن" تحت المجهر    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    ولي عهد السعودية يستقبل الرئيس الشرع    الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين تحتج ضد تجاهل الزيادة في المعاشات    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    تحولات "فن الحرب"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدبير الإختلاف: الفقه المغيب
نشر في هسبريس يوم 09 - 05 - 2012

ما مدى قبول التنظيمات الإسلامية بالمعارضة والرأي المخالف داخلها؟ وهل الفكر الإسلامي بطبيعته "فكر إقصائي" "أحادي" لا يقبل الاختلاف ولا التعددية ولا المعارضة؟ أم أن الإسلاميين لم يبلغوا مرحلة من النضج تمكنهم من تدبير خلافاتهم بشكل أكثر ديمقراطية؟ وهل مبدأ الشورى كما نص عليه القرآن الكريم وسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يتم تطويره سياسيا وتنظيميا عبر التاريخ، فصار آلية عاجزة عن تدبير الاختلاف، لأنه "آلية أخلاقية" وليست إجرائية، حتى إن كثيرا من الإسلاميين يناقشون هل الشورى ملزمة أم معلمة؟
أسئلة بدأت تطرح نفسها بإلحاح الآن، بعد أن أوصل الربيع العربي مجموعة من الإسلاميين إلى الحكم أو كاد، خاصة مع تجربتي مصر وتونس، وهو حدث يمثل مناسبة تاريخية لأبناء الحركة الإسلامية وأيضا للباحثين والمهتمين بمساراتها للرصد والبحث، وفرصة كبرى لتعميق النظر، وفتح نقاش فكري وشرعي وتنظيمي جدي بخصوص قضية الشورى داخل التنظيمات الإسلامية، وأيضا في علاقتها مع المجتمع وسائر الخصوم والشركاء السياسيين فكرا وممارسة، فالبحث عن الأسباب في نظرنا هو المفتاح الأمثل للفهم، فمتى لم ندرك طبيعة تكوين العقل المسلم؟ وكيف تشكل وعيه وطريقة إدراكه لقضايا الاختلاف عامة -وإدارة الشأن العام خاصة- لا يمكن أن يواجه الإسلاميون تحديات المستقبل وأسئلته؟ والأسباب في نظرنا متعددة ومتداخلة نجملها إجمالا في ثلاث قضايا كبرى:
عدم وجود تراث وتراكم سياسيين كافيين.
لما جاء الإسلام وجد إنسانا عربيا قبليا، لا يقبل ولا يجرؤ على الاختلاف مع ثوابت القبيلة، متعصبا شديد التعصب لتقاليدها ورموزها وتراثها وأساطيرها، وكان الشعار الذي شهد به القرآن "حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا". وكل خروج أو محاولة للتمرد ترمي به إلى دائرة المنبوذين الصعاليك. حتى قال شاعرهم دريد بن الصمة معبرا عن الوضع:
وهل أنا إلا من غزية، إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد
حاول الإسلام من خلال التربية المضادة نسف هذه العصبية القبلية عقديا، وإن استثمرها اجتماعيا داخل نسق عقدي وديني آخر، لكن النظام الإسلامي خاصة في شقه السياسي لم يقدر له أن يعمر طويلا حيث سرعان ما انتصرت العصبية من جديد لتحل محل النظام الشوري الذي أقامه الإسلام غير أنه تميز بأمرين:
1- قصر مدة الممارسة: ففترة دولة النبوة والخلافة الراشدة كما هو معروف تاريخيا هي أربعين سنة وهي مدة غير كافية لترسيخ قيمة تدبير الاختلاف سيما وأن هذا الاختلاف كان يحتوى ويوجه من طرف الوحي بسرعة. مقارنة مثلا مع الديمقراطية الغربية التي عمرها أكثر من ثلاثمائة سنة يضاف إليها ميراث روماني ويوناني كبير، ومع هذا تعاني من أزمات طارئة، وما أربعون سنة التي هي كل مدة النظام السياسي الإسلامي في تاريخ المجتمعات إلا كلمحة بصر أو هي أقل.
2- تعدد التجارب وتنوعها: يضاف إلى قصر المدة تعدد وتنوع أشكال اختيار النظام السياسي، وهو تنوع لم يستثمر بشكل إيجابي، فطريقة اختيار أبي بكر للخلافة وتولي أمر المسلمين ليست هي نفسها في اختيار عمر وليست هي نفسها في اختيار عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا، فهذه المرحلة وإن قدمت نماذج مختلفة فهي لم تتح إمكانية إرساء دعائم النظام، حيث سرعان ما طواها النسيان بعد الفتنة الكبرى، لتسود قيم قرون من الاستبداد السياسي، لأن المبدأ والفكرة مهما كانت جدارتها وأهليتها لا بد لها من تراكم واقعي في تاريخ المجتمعات لتترسخ كقيمة وسلوك.
الفهم الخاطئ لوظيفة المعارضة.
للأسف فسر دائما في تاريخنا الاختلاف مع السلطة القائمة أو معارضتها كعنصر سلبي، هدفه تقويض السلطة وليس إثراء وإغناء لها، وهذا تفسير طبيعي نظرا لكون أغلب التجارب السياسية في التاريخ الإسلامي غير شرعية بالمعنى الديني وبالمعنى السياسي، حيث تفتقد المشروعية (الأخلاقية والدستورية) لمخالفتها مبدأ الشورى وإرادة الشعب. وللأسف حتى النصوص من القرآن والسنة النبوية فسرت وفق هذا الاتجاه، حيث تم اعتبار معارضة السلطة القائمة (النظام الحاكم) معارضة للأمة وللجماعة، التي يعتبر من خرج عنها وعن إجماعها "محاربا" أو "خارجيا"، وهي مفاهيم تحتاج في نظرنا إلى مزيد من التدقيق والمراجعة، فشتان بين
*الأمة التي مالكة السيادة وهي جماعة المؤمنين، التي يعبر عن إرادتها دستور جامع يحفظ مبادئها وثوابتها وهويتها، متفق على نصوصه ومواده ويحظى بإجماع الأمة.
*وبين "سلطة أو حكومة" مهمتها تنفيذية بالأساس تبدأ وتنتهي مهمتها بتعاقد (هو عقد مبايعة) محدود الصلاحية والاختصاص والمدة ومشروط بالأهلية والعدالة وهو المقصود في قوله تعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوليه ما تولى". فالقبول بالمعارضة في حدود المبادئ الكبرى وعدم حمل السلاح أو الخيانة للأمة وثوابتها، لا يعتبر خروجا ولا حرابة. فالخروج عن الشرعية أو عن الأمة أو عن الإجماع أو عن الثوابت أو عن مبادئ الثورة، كلها اتهامات لتصفية الحسابات مع المخالفين وكلها مقولات تخفي في طياتها نزعة استبدادية، وضيقا بالتعددية السياسية والرأي المخالف.فعدم قدرة النظام القائم أو الدولة أو الجماعة أو الحركة على استيعاب لبعض المخالفين لا عيني أنه مخطئ وهي على صواب، بل نحن أمام حقين أو حسن وأحسن، ولنا في أبي ذر الغفاري رضي الله عنه سابقة من السوابق التاريخية. قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة، وأصابه بها قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم فقولوا:هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه . فلما مات فعلا ذلك به . ثم وضعاه على قارعة الطريق ؛ وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار، فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام. فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه .
قال : فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمشي وحدك وتموت وحدك ، وتبعث وحدك . ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك.
ينبغي على الأمة في دستورها أن تفسح مساحات كبيرة للحرية، بل وأن تنصص على عدم وجود الحزب الوحيد، وتقرر مبدأ التعددية حتى داخل النسق السياسي الإسلامي الواحد، كما كانت جماعة المؤمنين الأولى على عهد القائد الإمام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي استوعب بحكمته السياسية المؤيدة بالوحي كافة الأطياف والآراء، في واقع مطبوع ب"عصبية شديدة" وتعدد في القيادات ومراكز القوى التي يمثلها "رؤساء القبائل" وسادة القوم.ف"أمر الأمة اليوم بين أيدي حكام الجبر. وهؤلاء يحكمون استبدادا وتعسفا وظلما وأثرة. فلا يمكن أن يحل جند الله مشاكل الأمة في الحكم والاقتصاد وسائر الميادين بإحلال استبداد مكان وظلم مكان ظلم. فمن بدء تنظيم الدعوة، يجب أن يكون الأمر شورى بين المؤمنين، طاعة لله عز وجل، واستعدادا ليوم يتسلم فيه المؤمنون مقاليد الحكم، ويتحدون الجاهلين الذين يحملون شعار الديمقراطية بما تحمله هذه الكلمة الجوفاء من معاني النبل والعدل في خيال الناس. الحضارة الأخوية ومجتمع الرحمة المنشودان عمادها على صعيد القلب حب الله ورسوله والمؤمنين، وعمادهما على صعيد الفكر والفهم والرأي والسياسة الشورى."......
الانكفاء على الذات
عاش المسلمون قرونا متعاقبة من الاستبداد السياسي متقوقعين على أنفسهم، فرسخت أجواء الانكفاء على الذات لدى المسلمين بديهية الإيمان بامتلاك الحقائق المطلقة أو "الحق المحض"، وأحد أهم أسباب هذه العاهة المستديمة التي تعاني منها أغلب التجارب الإسلامية هو عدم القدرة على التمييز بين مجالات الحياة المختلفة، فمجال السياسة وتدبير شؤون المجتمعات ليس هو مجال العقائد والعبادات –لا ندعو إلى الأليكة- لأن مسألة الإيمان المطلق إذا كانت متعينة في مجال العقائد والعبادات ومطلوبة، فإنها في مجال "أمور دنياكم" تظل نسبية قابلة للاختلاف والتأويل وهي مساحة شاسعة لتغليب مصلحة أو ترجيح أخرى. فمن أهم الأسباب التي شلت قدرة الإسلاميين على تدبير الاختلاف وقبول المعارضة، هي تجدر الاستبداد عبر قرون من الزمان، أدمن فيها الأمة الرأي الواحد والمذهب الواحد والفكر الواحد، لذا تلزم سنين من الانفتاح، وتلزم تربية مضادة تقطع مع تراث الاستبداد، وتقتلع ما رسخته قرون الاستبداد.
فقبول الاختلاف إن لم يكن قناعة نابعة من إيمان حقيقي متجذر في القلب والروح، عن طريق تربية روحية وأخلاقية وتنظيمية، يظل مجرد شعارات تسقط عند أول امتحان وتنفضح في أول محك. لذلك فمن أولى أولويات الحركة الإسلامية إحياء فريضة الشورى وتعلم شروطها وأركانها، ومستحباتها ومكروهاتها وآدابها في سياقها التعبدي والتربوي والتنظيمي. فالشورى عبادة مفروضة كالصلاة والزكاة لقوله تعالى:"والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" ونقف مع توجيهات جامعة لأحد حكماء الدعوة الإسلامية ذ عبد السلام ياسين في كتابه المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا يتحدث فيه عن الشورى وموضوعها ومجال تطبيقها وحدودها وضوابطها ومزالقها وتفاصيلها:" فنحن مع غياب النبوة والعصمة أحوج أن يفهم كل منا، داخل التنظيم لم وكيف ومتى وماذا عن تشاور وتراض، لئلا يكون إمعة تابعا. والإمعة التابع لا غناء فيه للجهاد. بل الغناء لمن يلتزم بمهمات ينفذها بصدق ونصيحة ولو كان مخالفا لرأي الجماعة وقيادتها. بعد أن شارك في الشورى من مكانه في التنظيم، وعلى مستوى مهمته.
....الضابط العام في المشورات هو أن تكون دينا أي نصيحة لله. ولرسوله وللمؤمنين. وعلى كل مؤمن أن يوطن نفسه لينتقد بصراحة وحزم، وأن يوطنها على تقبل النقد، وأن يوطنها على السكوت والاعتراف بالخطأ، وأن يعودها داخل المجلس وخارجه أن تحاسب وتؤدب. وأن يكون هينا لينا ذليلا -أي سهلا- على إخوته إن نصحوه. ويقول كلمة الحق كما يراها في غير عنف لكن بصدق لا يخاف في الله لومة لائم. المشورة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لكن المشورة النافعة هي التي تنتهي فكريا وعاطفيا بعد التصويت واتخاذ القرار، فينصرف كل إلى مهمته. لا التي تترك أصداء الغل والحزازات، نعوذ بالله......إذا كان نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واضحا في الأذهان مقبولا في النفوس قطعي الدلالة عند كل أفراد الجماعة فلا مجال للتشاور. ....موضوع الشورى عند الجماعة المنظمة الجادة لا ينبغي مطلقا أن يستهدف الخلافات الفقهية الجزئية.....إنما التشاور في الأعمال الجهادية وفي الكليات الإيمانية التي تتفاوت فيها معرفة المؤمنين بالنقول، وكفاءاتهم في العقول، وإرادتهم التنفيذية. ولكثرة دواعي الاختلاف وأسبابه، لا سيما والمؤمنون مضطهدون مهددون، والأرض السياسية والاجتماعية التي يتحركون عليها ملغومة، فإن الشورى المفتوحة لمناقشة بلا حدود تصير جدلا عقيما. لهذا نرى من يرى في هذه النقطة المهمة في حياة المسلمين أن الحسم والترجيح يجب أن يكون لأمير المجلس إن كان للمجلس حق التقدير، ولأمير القطر على كل حال، بقطع النظر عن الأقلية والأغلبية. مالم تبلغ الأغلبية ثلثي الأعضاء فيحق على الأمير أن يتبع...... نعم هنالك أسرار لازمة في كل تنظيم لا مجال لبثها ونشرها.
لكن المطلوب إلى كل عضو في الجماعة أن يهتم بأمر المسلمين وبأمر جماعته ويشارك ويقترح، وينتقده من موقعه وخبرته واختصاصه وعمومه. أمرنا ألا نكون إمعة، فينبغي أن نربي في المؤمن القدرة على الصدع برأيه. في المؤتمرات العامة ومجالس شورى التنظيم يطلب إلى القادرين على الحضور الملاحظة والاستفادة".
المضيقون على المعارضين –حتى بحسن نية أحيانا- لا يدركون أن النتيجة الحتمية لعدم وجود معارضة بالمعنى السياسي أو الرأي المخالف بالمعنى الفقهي والفكري، هي إغلاق باب الاجتهاد ومصادرة حق الناس في حرية الرأي، وفي حرية التفكير والإبداع، التي نصت عليها كل الشرائع والأديان. وتكرار كارثي لتاريخ الاستبداد الذي خيم على الأمة طيلة قرون وتعطيل لمشروع الاستخلاف. وهنا نرى أن الضمانات الدستورية والمؤسساتية فقط -وإن كنا نراها ضرورية وواجبة- لا تجدي في حفظ هذا الحق، فمثلا ورغم الضمانات القانونية والسياسية والدستورية لم ينجح النظام الإيراني في تدبير الاختلاف داخل النسق الإسلامي نفسه بمؤسساته وتشريعاته وضاق ذرعا بمعارضة وليدة تتشكل، لأن المؤسسات صارت أدوات للدولة لا آليات في يد الشعب يفرض اختياراته وسلطته من خلالها.
خلاصات نراها مهمة:
حين نعيد الاستماع مرة أخرى إلى رجل من كبار مفكري وحكماء الحركة الإسلامية في العصر الحديث الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه القيم "العدل: الإسلاميون والحكم" نجده يتحدث عن المعارضة باعتبارها واجبا أخلاقيا ومعطى واقعيا، ويرى أن عدم القبول بالاختلاف عند الإسلاميين مظهر من مظاهر التخلف ومثالية خرقاء حالمة "يسود لدى الإسلاميين في الجملة التصور الإجماعي التواق إلى وحدة لاَ يُسمَعُ فيها همسٌ مخالِف. وهو تصوُّرٌ تخلفي مما تركته قرون السكوت تحت طائلة السيف من بصمات في نفوسنا. فتحت السيف لا يكون إلا إجماع الموافقة" كما يقول حفظه الله تعالى: "ينبغي أن نقبل الواقع الطبيعيَّ بصدر رحب، واقعِ وجود الخلاف عند الإسلاميين، وأن نعالجه المعالجة البناءة، وأن نَفْسَح المجال للرأي والرأي المخالAف. ويتوقف نجاحنا في الدعوة والدولة على قدرتنا وحكمتنا في تصريف الخلاف من خلال قنوات معارضة صادقة غير منافقة"
يتحصل لدينا مما سبق خلاصات، نراها ضرورية للحركة الإسلامية الفتية، لتعصم نفسها من الانزلاق إلى ديكتاتورية دينية جديدة:
1. الإيمان بالحرية وبالاختلاف والتنوع والتعدد أصل وعقيدة يوجهان الممارسة. والشورى مرحلة تمهد للقرار. ينبغي أن يُتفاوَض فيه حتى يحصل الإجماع أو شبهه.
2. الاختلاف سنة كونية وضرورة واقعية ينبغي الإيمان بها.
3. فقه تدبير الاختلاف قضية مصيرية وتحد استراتيجي للإسلاميين عليهم أن يكسبوه.
4. لتدبير الاختلاف طرق وتقنيات وشكليات ينبغي أن تتعلم وتتقن.
5. ما تقترحه الديمقراطية الغربية من آليات لتدبير الاختلاف وتنظيمه إرث بشري يستفاد منه ويطور.
6. على الأفراد أن يحرسوا حريتهم وقرارهم باليقظة التامة، وأن لا يسلموها للمؤسسات أو الأشخاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.