لا حديث في المغرب مؤخرا سوى عن دفتر التحملات بين وزارة الاتصال وقنوات القطب العمومي، فقد تحول النقاش من نقاش سري بين وزارة الداخلية والقائمين على هذه القنوات في عهد البصري، إلى نقاش ناري صار الجميع يعلم به، لدرجة انه حتى المواطن البسيط الأمي اختلط عليه كل شيء ولم يعد يميز بين دفتر التحملات ودفتر الحالة المدنية.. مصطفى الخلفي يتحدث عن دفتر تحملات يواكب التغيير الذي يشهده المغرب والذي عليه أن يمس جميع المجالات بما فيها الميدان الإعلامي، والعرايشي والشيخ وسيطايل يتحدثون عن كون هذا الدفتر يمس "التعددية" و"الحداثة" التي تميزت بها القناة الثانية، غير أنه بنظرة متأملة لواقع القناة الثانية، يجعلنا ندرك كم الخلفي مصيب في ضرورة التغيير بهذه القناة، وكم هو مضحك موقف هؤلاء المدراء الذين ربما يعنون بالتعددية تعددية المسلسلات المدبلجة، وبالحداثة حداثة برامج تافهة كاستوديو دوزيم.. الإعلام العمومي ليس تابعا لأحد (أقول عمومي تجاوزا لأننا لم نصل بعد في المغرب لشيء إسمه إعلاما عموميا)، إنه تابع للمغاربة ويمول من جيوبهم، ومن حق حكومة منتخبة أن تحدد خطوطا عريضة لكيفية اشتغاله، لأن العرايشي وسيطايل والشيخ، من المفروض أن يمتثلوا لقرار هذه الحكومة، التي هي الأخرى امتثلت لقرار الشعب بانتخابها، وما هذا الجدل الذي أثاره هؤلاء إلا دليلا واضحا على أن المخزن الإعلامي بالمغرب قوي للغاية ومن الصعب محاربته، خاصة إن بقي الخلفي مصرا على رأيه في أن المهم هو تغيير الأفكار وليس الأشخاص، لأنه من يعارض قرار الخلفي حاليا هم أشخاص لا ينتمون لأي فكر سوى فكر استنزاف أموال الشعب بأي طريقة.. من حق الخلفي مصادرة ألعاب القمار من الظهور على الشاشة، فرغم أنها لا تزال تشكل نسبة مهمة من الاقتصاد الوطني، إلا أن أخف الضرر حجبها من قنواتنا، لذلك لا ينفع هنا انتقاد الخلفي بأن يطالب بحذفها من الاقتصاد، فالأمر هنا أولا خارج اختصاصه، وثانيا منافي لقواعد الديمقراطية ما دامت شريحة مهمة من المغاربة مهتمة بهذه الألعاب. أما بخصوص فرض الأذان على القناة الثانية، فمع قليل من التفكير، سندرك أن الإعلام العمومي الذي تنتمي إليه القناة الثانية، مطالب ببثه، لاعتبار وحيد وهو أن دين المغرب في الدستور هو الإسلام، وعلى القنوات التي تمول من أموال الشعب أن تؤدي خدمة التذكير بمواقيت الصلاة، ويمكن للقنوات الخاصة التي لم نصل إليها بعد، أن تمتنع عن بث الأذان، ما دام ليس لها نفس الدور الذي يلعبه الإعلام العمومي من توجهه للجميع وقيامه بدور توجيهي وتربوي يحترم اختيارات الأغلبية.. نفس الأمر يتعلق باللغة الفرنسية، فحضورها القوي داخل إعلامنا يجب أن يتم التقصير منه، بحيث تعطى الأولوية للغات الوطنية، ولهذا فأنا أعتقد جازما أنها هي النقطة التي أثارت سخط دينصورات القطب العمومي المتجمد، لأن حزب فرنسا الذي يتمتع بامتيازات اقتصادية مهمة، و الذي يتحكم بكثير من شركات الإنتاج، و الذي يهيمن على الوصلات الإشهارية، لن يقف ساكتا أمام إصلاحات الخلفي، لأن الحد من اللغة الفرنسية في إعلامنا يعتبر حدا من قدراتهم وأرباحهم، فرغم أن دفتر التحملات أشار بوضوح إلى حضور اللغات الأجنبية في الإعلام العمومي من 20 إلى 25 في المائة، إلا أن هؤلاء يريدون لهذه النسبة أن تستعمر ساعات الذروة كي يتم تصريف أفكارهم ومعتقداتهم التجارية. غير أنه في رأيي لا يجب أن يتمحور النقاش حول هذه النقاط، فعلى الخلفي إن أراد تحقيق الإصلاح المنشود، أن يبادر بالنقاش حول طول النشرات الإخبارية في إعلامنا لدرجة أن رئيس التحرير نفسه لا يدري متى ستنتهي تلك النشرة، وعليه أن يتحدث عن مضمون هذه النشرات التي تمتلئ بالكلام المنمق والمنافق الذي يظهر أن المغرب هو أفضل دول العالم في حين ينخرنا الفشل من كل حدب وصوب، وعليه أن يتحدث عن البرامج الحوارية التي يجب أن تستضيف جميع الآراء حتى ولو كان رأي العدل والإحسان أو النهج الديمقراطي، لأن هؤلاء مغاربة ومن حقهم أن يعبروا عن آرائهم في الإعلام العمومي، وعليه أن يطالب بالتحقيق في أموال المركز السينمائي المغربي الذي لا يشجع في كثير من الأحيان سوى الأفلام التافهة والمهرجانات الفارغة.. لذلك، اللهم وصاية وزير اتصال نرى فيه الرغبة لإصلاح واقع قنواتنا التي لم يعد يشاهدها إلا من يريد الشماتة فيها أو من لا يزال يصدق أخبارها، أو وصاية أشخاص جعلوا من قنواتنا خزانا لتكديس ثرواتهم، وإن لم يعجب الأمر هؤلاء، فلم لا يدلون باستقالتهم، ويتركون الرجل يعمل إن لم ترق لهم قراراته، أم أن الأمر اختلط عليهم فاعتقدوا أن هذه القنوات تدخل في دائرة أملاكهم؟ لذلك، نصيحة لك يا وزير الاتصال، غيٍِِِِِر الأشخاص، وستجد بعدها الطريق معبدة لتغيير الأفكار.. [email protected] http://www.facebook.com/ismailoazzam