«إذا كان بَيِّنًا أنّ شيئًا ما مُماثلٌ لنفسه وليس لأيِّ شيء آخر، فإنّه يَصعُب في الغالب أنْ يُحدَّد إذا كان الأمر يَتعلّق بشيء واحد هو نفسه أو بشيئين مُتميِّزين.» (رُوبير نادو، المعجم التقني والتحليلي للإپستمولوجيا) «[...] تَتمثّل العُنصريّة، كأصل لكل حِقْد، في أن يُخلَط، بالضبط، بين الهُويّة (من أنتَ...) وأحد أنواع الانتماء (أصل مَحليّ، أُسريّ، جنسيّ، قَبَليّ، قوميّ/وطنيّ، دينيّ أو غيره): إنّكَ لا تكون إلا من حيث تأتي. كَلّا، إنّي مَن أنا إيّاه، وهذا كل شيء. وفقط حينما أَمُوت، سيُمكنُكم أن تُحْصُوا العدد الكبير لانتماءاتي التي سيقول تقاطعُها أصالةَ جُثماني.» (مِشّيل سِّير، تأنُّس، الأصل الفرنسي، ص. 224) يَهْوَى الإنسانُ "ٱلخُلود" إلى حدِّ أنّه يَنقاد إلى نسيانِ أنّ ما له من "ٱلوُجود" في هذا العالَم ليس حقيقيًّا إلى الدّرجةِ التي يَصِحّ معها أنْ يُعَدّ وُجودًا ذاتيًّا وجوهريًّا تُلازِمه "ٱلوحدة" و"ٱلثبات". ولهذا، فإنّ هناك ميلا شائعا إلى تحديد "ٱلهُويّة" (identity/identité) كوحدةٍ وثباتٍ، بحيث إنّ كل شيء - بمُقتضى أنّ له "هُويّةً"- يُتصوَّر كما لو كان "واحدًا" و"ثابتًا" في جوهره وكما لو كان يستمر كذلك على ٱمتداد وُجوده. لكنّ الواقع المُدرَك من قِبَل الجميع يُؤكِّد بالنِّسبة إلى كل "شيء" أو "شخص" أنّ ما يُقوِّمه من "صفاتٍ ذاتيّة" إنما هو موضوعٌ للتّغيُّر والتّبدُّل على النّحو الذي يَجعلُه مُتعدِّدًا ومُتغايِرًا باستمرار، ممّا يَقتضي أنّ "ٱلهُويّة" لا تبدو واضحةً ومحسومةً إلا بما هي بَداهةٌ زائفةٌ! ولذلك، فإنّ من لا يُريد تحديد "ٱلهُويّة" إلا كوحدة وثبات جَوهريَّيْن مُطالَبٌ بتعيين ذلك العُنصر المُقوِّم للهُويّة الذي لا يَتغيّر ولا يَتعدّد أبدا. فما هو بالضبط هذا "ٱلعُنصر ٱلمُقوِّم" لما يُسمّى "ٱلهُويّة ٱلذاتيّة/ٱلفرديّة/ٱلشخصيّة" و، من ثَمّ، "ٱلهُويّة ٱلجماعيّة/ٱلقوميّة/ٱلوطنيّة"؟ لو رَكّزنا ٱنتباهَنا على ذات الشخص أو الفرد، فإنّنا نجد أنّه لا يَملك في الواقع العينيّ إلا أن يَتغيّر في كل جزء من أجزائه منذ ولادته وإلى حين مماته: فجسمه لا يَفتأ يَتبدّل بما هو عُضويّةٌ حيّةٌ تتكوّن من خلايا وأنسجة حيث يَزداد تَبعًا لنُموّه ويَنقُص من جرّاء تَرهُّله، بل قد يحدث أن تُبتَر بعض أعضائه أو تُستبدل تماما ؛ وأنّه كنفس أو ذهن لا يَستطيع إلا أن ينتقل من حال إلى حال بالشكل الذي يجعل أحاسيسَه وأفكارَه تختلف شكلا وقُوّة كما تتباين عددًا وزمنا. وأكثر من هذا، فإنّ الفرد لا يُمكنه أن يُوقِف التّغيُّر في جسمه أو نفسه وفكره كما هو مشهود بالخصوص في حالة المرض الذي يُداهِمه أو الوفاة التي تُفاجئه! فليس للفرد، إذًا، من "ٱلهُويّة" إلا شيء يَقبل أن يُحدّد عموما ك«إطار جِسميّ/نفسيّ»، إطار عامٍّ يُمثِّل فضاء لحُدوث شتّى التّغيُّرات والتّحوُّلات المرتبطة ب"ٱلوضع ٱلبشري" في هذا العالَم بما هو وضعٌ مشروطٌ ومحدودٌ. ورغم كل تلك التّغيُّرات الشاملة والدائمة التي يَعرِفها كل النّاس، فإنّ كل واحد منهم يظن أنّه "هو نفسه" (himself/soi-même) طوال حياته كأنّ كل ما يُعانيه من أشكال التّغيُّر ومستويات التّحوُّل لا تمس في شيء ذاته أو جوهره. فأيُّ شيء في الإنسان الفرد لا يَتغيّر أو أيّ شيء هذا الذي يَبقى فيه واحدًا وثابتًا؟ إنّه، بالتّحديد، شيء يَتجاوزه كفرد ولا يَرجع إلى إرادته ولا يُحيط به وعيُه، لأنّ المُؤكّد أنّه لم يُوجِدْ نفسَه ٱبتداءً ولا يَحفَظُها ٱستمرارًا ولا يَستطيع ٱمتلاكها ٱنتهاءً! ولذلك، فإنّ المرءَ حينما يقول "أنا" لا يُحيل إلى نفسه بالذات، وإنّما يَدلّ على ذلك "ٱلهُو" الذي أَوْجَده أصلا وأنْطقه سرًّا وعلنًا. أهذه، إذًا، هي "ٱلهُويّة ٱلشخصيّة" التي يَحملها جسمٌ طارئٌ ويُشير إليها ٱسمٌ ٱعتباطيٌّ ويُمثِّلها وجهٌ يَشحُب ويخبو أو التي يُقال إنّها مُخزَّنةٌ في ذاكرةٍ لا تَستحضر إلا بقدر ما تَنسى أو التي يُراد توثيقُها ببصمةٍ ظاهرةٍ أو خفيّة تُظَنّ فريدةً وغير فانية؟! ألا يكفي تنبيهًا على تَعالِي "ٱلهُوِيّة" أن يكون التّعيُّن الذاتيّ والتّعرُّف الشخصيّ لدى الفرد أوثقَ صلةً بتعيينٍ وتعريفٍ يُعطاهُما بهذا القدر أو ذاك ويُحتمَل، في كل حين، أنْ يُعدَمَهُما إنْ جزءا أو كُلا؟! وهكذا، فوحده من بَلغتْ منه الغفلة أقصى مدى يُمكنه أن يَتصوّر "ٱلهُويّة ٱلفرديّة/ٱلشخصيّة" كما لو كانت «خاصيّةً/خُصوصيّةً ذاتيّةً مُلازِمةً» تَرجع كلُّها إلى حامِلها الموصوف ظاهرا ك"أنا" وٱلمُتعيِّن واقعًا ك"هُو". ذلك بأنّ كل ٱمرئ يُولَد لغيره ولا يَلِد نفسَه، ويُفرَض عليه ٱسمٌ يَصير عَلَمَه الشخصيّ كما يُفرَض عليه أن يَنتسب إلى أبوين وإلى أُسرة في زمن ما، ضمن مجتمع وثقافة ما، على أرض ما، وفي صلةٍ بقوم أو شعب ما، ضمن لغة ما. ومن هنا، فأنَاه ليس في الواقع إلا تعبيرا عمّا يُسمَح به لوُجوده وفعله ضمن شروط تُحيط بهما في إطار حياته الجماعيّة والقوميّة التي لا يكون شيئا من دونها. وفي هذا كلّه لا يُرى "أناه" إلا بصفته نتاجا لذلك "ٱلهُو" الذي يَسبِقه ويُوجِده ويَتجاوزه عاملا على تنشئته في كل ما يَخُصّه كذات وفرد! ومن خلال الاشتراك في الوُجود والفعل ضمن "جماعة" و"مجتمع" مُعيّنين (تَحكُمهما شروط طبيعيّة وتاريخيّة وثقافيّة مُحدّدة)، يُفرَض على كل فرد أن يَتكوّن ويَبرُز ك"هُويّة فرديّة/شخصيّة" لا معنى لها إلا في إحالتها إلى "هُويّة جماعيّة/قوميّة/وطنيّة" هي التي تحتضن المرء صغيرًا وترعاه وليدًا وتكفُله كبيرًا، ممّا يجعله "يَتماهى" معها موضوعيّا بقدر ما يجد من معنى لوُجوده وفعله الذاتيّين ضمنها. ولهذا، فإنّه في أخصِّ ما يُقوِّمه لا يُعبّر عن أناه حقيقةً إلا في المدى الذي يَملِك بالفعل أن يُثبِت أنّه مُستقلٌّ بذاته عن كل العالَم الموضوعيّ الذي لولاه لما كان له قيامٌ أصلا! ولأنّ شروط "ٱلمجتمع" و"ٱلثقافة" و"ٱلتاريخ" لا يَشترك النّاس فيها إلا بأقدارٍ مُعيّنةٍ تَظلّ خاضعةً في الواقع للتّغيُّر والتّعدُّد والتّفاوُت، فإنّ "ٱلهُويّة ٱلجماعيّة/ٱلقوميّة/ٱلوطنيّة" لا تقوم كوحدةٍ وثبات إلا في المدى الذي يَغفُل النّاس عن ذلك الواقع الذي يَنغمسون فيه يوميّا ويُعانونه وُجوديّا بحيث يَستعصي عليهم أن يَنفكّوا عنه حتّى حينما يدّعون ٱمتلاكَهم لهُويّةٍ يَتصوّرُونها (أو تُصوَّر لهم) واحدةً وثابتةً. ولذا، فإنّ كل توهُّمٍ يُقوِّي الإحساس بمثل هذه "ٱلهُويّة" لا يعدو أن يكون توهُّمًا مُفيدا للحياة بهذا القدر أو ذاك، توهُّمًا محكومًا بشروط الواقع نفسه الذي يَضطرّ النّاس إلى قَبُول التوهُّم كعِلَّةٍ للوُجود والبقاء! وكونُ أعضاءِ مجتمع ما يَسْبَحون في بِحارٍ مائجةٍ هائجةٍ من التّغيُّر والتّفاوُت والتّناقُض هو الذي يُعزِّز في نفوسهم الحرص على ذلك التّوهُّم الهُوِيّانِيّ ويَجعلُهم، من ثَمّ، يَميلون إلى ٱعتبار "ٱلِانتماء" بهذه الكيفيّة أو تلك أساسَ ما يُعطونه لأنفسهم من "هُويّة" تُوصف عادةً بأنّها "جماعيّة/قوميّة/وطنيّة" بالخصوص لكونها تتعلّق بوُجودهم فوق بُقعة من "ٱلأرض" تكون لهم فيها مَساكن ومَعايش وأواصر. ومن الواضح أنه بقدر ما يَملِك الإنسان من هذه الأشياء الأرضيّة، تجده يَتصوّر أنّ هُويّته تَتحدّد في صلته بالأرض التي تَصير مُستقرّه ومَسكنَه والتي لا يَملِك غيرها للانفكاك عن تيّاراتِ التّغيُّر والتفلُّت والتصرُّم التي لا تَنفكُّ تُطوِّح بوُجوده وعمله كهباء منثور، ممّا يُظهر سبب تحديد "ٱلهُويّة" ٱنطلاقا من أسانيد أرضيّة ومُمتلَكات عينيّة! وإنّه لمن المُفارَقة، بهذا الصدد، أنّ "ٱلأرض" التي يُراد لها أن تَسنُد "ٱلهُويّة" وأنْ تُثَبِّتها تُعَدّ هي نفسها مُتحرِّكةً لثُبوت دورانها في الفلك ولصيرورتها عبر التاريخ ولكونها، أكثر من ذلك كلِّه، موضوعا للتّداول ٱلِاقتصاديِّ. فالأرض، إذًا، كأساس للهُويّة هي أيضا في حاجةٍ إلى أُسٍّ صُلْب يُقِلُّها أو سَندٍ مَتين يَشدُّها، بل إلى قيمةٍ أعلى ترفعها عن دركاتِ المَزاد بَيْعًا وشراءً! وأدهى من ذلك أنّ مُعظم النّاس في الأرض تجتمع عليهم عوادي المصائب تُزلزل حيواتهم وتَجتثُّهم بلا مَسكن ولا كرامة حتّى في الموضع حيث يَظنّون أنّهم بأمان في وطنهم الذي لا أعزّ منه! يَنبغي، من ثَمّ، أن يَتّضح أنّ تحديد "ٱلهُويّة" (سواء أكانت فرديّةً أمْ جماعيّةً) بالاستناد إلى "ٱلوحدة" و"ٱلثبات" لا يُعبِّر فقط عن إرادةٍ تُغفِل واقع "ٱلتّغيُّر" و"ٱلتّعدُّد" و"ٱلتّفاوُت" (الذي يَحكُم كل شيء في حياة الإنسان والمجتمعات)، بل أيضا عن هَوَسٍ هَوَيَانيّ (obsession passionnelle) يقود إلى إغفال أنّ تعيُّنَ الأفراد وتَعرُّفَهم لا يَرجعانِ إلى كونهم يَملِكون قِوامًا ذاتيًّا يَقبَل أن يُحدّد كجوهر واحد وثابت. وبالتالي، فإنّ كونَ النّاس لا يَشتركون بالسويّة في شيءٍ بقدر ما يَشتركون في كونهم يَنتمون إلى هذا "ٱلنّوع ٱلبشريّ/ٱلآدميّ" يُعَدّ أساسَ هُويّتهم النّوعيّة التي تجعل كُلًّا منهم يَملِك خصائصَ تُميِّزه جوهريًّا عن الأنواع والكائنات الأخرى وتُسوِّيه بأيِّ إنسان آخر. وفضلا عن هذا، فإنّ أيّ واحد من النّاس يَجد نفسه يَنتمي، طوال حياته، إلى مجموعات مُختلفة يَشترك معها في صفات معيّنة: يَنتمي إلى الذُّكور أو الإناث، إلى فئةٍ عُمريّة ما، إلى صنف مِهْنِيّ ما، إلى جماعةٍ ذاتِ ٱعتقادات أو طُقوس أو مصالح ما، إلخ. وكل هذه ٱلِانتماءات التي يَدخُل (أو يُدخَل) فيها المرءُ على ٱمتداد وُجوده في هذا العالَم لا تفرض نفسها عليه إلا بقدر ما لا يَستطيع ٱلِانفكاك عنها والخُروج منها نحو غيرها. ولا يَخفى أن الإنسان يَستطيع، إذا ٱستثنينا ٱنتماءَه الطبيعيّ والضروريّ إلى "ٱلنوع ٱلبشريّ"، أن يُعدِّدَ ٱنتماءاته ويُغيِّرها في حُدود شروطه وإمكاناته، بحيث تراه يَخرُج من فئةٍ عُمْريّة ويدخل في أخرى، وينتقل بين المِهَن والجماعات والأماكن تبعا لشتّى حاجاته ومصالحه. إنّه يُغيِّر ٱنتماءاته فتتغيّر مُحدِّداتُه ومَلامحُه من دون أن يَفقِد ٱنتماءَه الأصليّ إلى "ٱلنوع ٱلبشري"، وإنْ كان بعض النّاس لا يَكادون يُميّزون أنفسَهم عن أدنى الحيوانات، وحتّى لو ٱدّعوا ذلك وسَعَوْا في تأكيده تماما كما فعل ويَفعل بعضُهم ممّن صار ينساق إلى تغيير خِلْقته طلبًا للتخنُّث أو فرارا منه (كما تُشير إليه الآية الكريمة: «[...] ولآمُرنَّهم فَلَيُغَيِّرُنّ خَلْقَ ٱللّه» [النساء: 119]). حقًّا، إنّه لمن المُستغرب جِدًّا أنّ "ٱلهُويّة" التي يُراد لها أنْ تَدُلّ على "ذاتيّةِ ٱلأنا" هي نفسها التي يَميل بعض المُضلَّلِين أو المُضلِّلِين إلى تحديدها في علاقتها بما لا تَملِك ذاتُ الإنسان أمامه أيّ ٱختيار، حيث إنّ كُلًّا من "ٱلمجتمع" و"ٱلثقافة" و"ٱلتاريخ" و"ٱللُّغة" وحتى "ٱلأرض" تُعَدّ كُليّاتٍ تَتجاوَز إرادة النّاس ووعيَهم ؛ ولا شيء منها يختارونه كمُحدِّد لهُويّتهم الذاتيّة، بل يُفرَض عليهم فرضًا كما لو كان قَدرًا حَتْميًّا. ولذلك، فإنّ التّركيز على هذا الانتماء أو ذاك وعَرْضه (بل فرضه) كما لو كان يُمثِّل "هُويّةً جوهريّةً وكُليّةً" ليس فقط نوعا من "ٱلهَوَس ٱلهَوَيَانِيّ" الذي قد يُصيب بعض النّاس أو الفئات في فترات مُعيّنة، وإنما هو دليلٌ على شدّة الارتكاس الثقافيّ والسياسيّ بمجتمع يُعانِي الفشل أو العجز بشأن تأسيس وترشيد كيفيّاتِ تناوُل المُشكلات المُتعلِّقة بتوزيع وتداوُل مُختلف أنواع الخيرات الماديّة والرمزيّة التي لا تَتحدّد كخيرات إلا بفعل ٱشتغال كل العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة والتاريخيّة التي تجعل للنّاس مصلحةً في أشياء دون أُخرى. ولأنّ الإنسان في المجتمعات المُعاصرة قد صار يَتحدّد أساسًا بصفته ذلك "ٱلشخص" الذي له حُقوق وعليه واجبات يَتقاسمها بالسويّة مع كل أعضاء المجتمع (بما هُم مُواطنون أحرار ومُتساوُون)، فإنّ المَهوُوسين بالهُويّة كقَدَر وُجوديّ يُمثِّلون في الواقع ضحايا ذلك "ٱلسِّحْر ٱلِاجتماعيّ" الذي يُخيِّل للنّاس أنّ ما يَسكُنهم من "ضرورة" ٱجتماعية وتاريخيّة ليس كذلك إلا لأنّه فَضيلة وُجوديّة وأخلاقيّة يجب أن تُحمَل على مَحمل الجِدّ بحيث تصير مسألةَ حياة أو موت، وهو ما يَجعلُهم بالتالي أشدّ العامِلين على إعاقة التّحوُّل الاجتماعيّ والثقافيّ في ٱتِّجاه تحصيل المزيد من الوعي بأنواع "ٱلضرورة" بحثا عن تمهيد السُّبل الكفيلة بالتمكين من الانفكاك العَمَليّ والجماعيّ عنها. ذلك بأنّهم يَأبون إلا أن يُقيِّدوا النّاس في قَفَص "ٱلهُويّة" كانتماء أُحاديّ وجوهرانيّ، ٱنتماء شأنه أنْ يَنتزع من الأفراد حقَّهم في ٱختيار مَثَلهم الأعلى ضمن مجموع الشروط التي يُفترَض فيها أنْ تَشتغل قانونيًّا ومُؤسسيَّا بالشكل الذي يجعل المجتمع مُتعدِّدًا ومُنفتحا بعيدًا عن كل أشكال "ٱلوصاية ٱلأبويّة" و"ٱلِانغلاق ٱلعَقَديّ". وإذا كان الإنسان قد خُيِّر حتّى في الإيمان بخالِقه إمّا شاكرا وإمّا كفورا، فإنّ ٱستدراجَ النّاس وٱستنفارَهم للاصطفاف باسم هذه "ٱلهُويّة" أو تلك يُمثِّل تَعدِّيًا صريحًا على ذلك الحق الطبيعيّ والشرعيّ الذي يَكفُل لكل إنسان أن يَعمل على ٱختيار ما يُحقِّق آمالَه وأن يَستمر مُختلفًا في ذلك عمّن سواه باعتبار أنّ مَناط الوُجود النّوعيّ للإنسان يَرتبط بكونه عاملا يَكْدَح للتّحقُّق الموضوعيّ بالحريّة تعقُّلا وتخلُّقًا. [email protected]