قلة من العرب ينطقون العربية الفصيحة نطقا سليما، وكثرة منهم لايعرفون أن نطقهم غير سليم، وقد بلغ من بعضهم أن أصبح يؤكد على الخطأ في النطق ليشعرك بانتمائه لدولة بعينها، فالمصريون يعتبرون نطق الجيم جيما أعجمية، نوعا من التميز الخاص عن باقي العرب، والتونسيون لا يحسون أجمعهم أن نطق الضاد ظاء هو خطأ في نطق الفصحى وهكذا إلى ما تبقى من الدول العربية. "" في موريتانيا تنغيم خاص للعربية، مع وجود تخفيف حاد لحرف القاف الذي يميله الموريتانيون غينا مع تجنب التشديد على الحروف، أما في المغرب، فإن الناطقين بالعربية لا يعطون لكل حرف المسافة المريحة عن الحرف الآخر، فيبدو النطق مترادفا والحروف مدغمة بعضها في البعض خاصة قراء العربية السلفيين أو ذوي التكوين الديني ، وفي الدارالبيضاء يتأثر ابناء هذه المدينة بالعامية فينطقون الضاد دالا، وكذلك في مراكش حيث يميل الناس إلى التشديد على بعض الحروف مع ترقيق الطاء لتصبح تاء، أما الجيم الصحيحة فلا ينطقها سوى أهل الشمال في طنجة أو تطوان أو ما جاور، مثلهم مثل الجزائريين الذين، عدا نطق الجيم صحيحة، يشبهون المغاربة في سرعة النطق وخنق الحروف. في مصر، إضافة إلى الكيم "الوطنية" يجتهد المصريون في نطق الذال والظاء زايا والثاء سينا، متأثرين لا شك بالنطق التركي، ولكن لا علاقة لذلك بالنطق الصحيح للعربية، والأمر لا يتعلق بلثغ وإنما هو عمد من أجل التميز، أما اللثغ فهو عاهة يتعلمها العرب منذ الصغر في بعض المناطق، كلثغ الراء بمؤخر اللسان أو لثغ القاف همزة. في الخليج العربي ينطق الناس العربية مفخمة في أغلب حروفها، خاصة في الكويت والعراق، مع إمالة للمد المفتوح الذي يقترب من الكسر. يتبقى لنا أهل الشام، سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، في هذه البلدان ينطق الناس العربية سليمة لذيذة يستحقون من أجلها تحية وتقديرا، ربما لأن العوامل التاريخية الاجتماعية لم تتدخل لتغيير نطق الحرف العربي، مثل موريتانيا المتأثرة بالجوار الإفريقي أو المغرب والجزائر حيث لغات أمازيغية كثيرة أثرت في نطق الحرف العربي، أو في مصر الغنية بتاريخ متحول من الأجناس والأعراق، وقد يكون الصعايدة وحدهم الذين احتفظوا للعربية بنطق صحيح في هذا البلد. هذا مجرد وصف أولي يحتاج لدراسة علمية ميدانية لتحليل نطق العربية الفصيحة في الدول العربية وليس دعوة لتغيير النطق فالطبع يغلب التطبع، لكن ما ليس تطبعا، علينا محاربته، مثل خلل الظاء والذال والثاء في مصر، فلا شيء يمنع المصريين من بدل مجهود مضاعف لهجر هذا اللبس الخطير ، وعسى أن يترك التبجح اللغوي الدال على الانتماء فهو ظلم للغة وليس تميزا. هذا عن النطق، أما الخطأ اللغوي فذك بحر متلاطم لا ندري من أين نبدأ شاطئه.