النقاش المغلوط حول مسألة "التطبيع" مع إسرائيل، والتهجم المجاني، ربما دون مشاهدة، على الفيلم الوثائقي" تنغير- جورزاليم.. أصداء الملاح"، يطرح ذلك أكثر من علامة استفهام وإحساس بالتخوف على قيم التعايش النابعة من الحرية، والتي عشنا عليها عشرات القرون. وفي هذا الباب، لن يزايد أحد على كاتب هذه السطور، الذي تمرس، وهو التلميذ الأمازيغي بثانوية الكندي، على البيع النضالي لمجلة "فلسطين الثورة"، وكان يسافر من مدينة الفقيه بن صالح إلى الرباط لإحضار فيلم "كفر قاسم" لعرضه في نادي العين الذكية للسينما، ليذهب ريع تلك الأنشطة لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته الإنسانية، كما لن يزايد أحد على المواقف المشرفة المعادية للصهيونية كحركة عنصرية لعدد من مواطنينا من الديانة اليهودية نظير الراحلين شمعون ليفي وإيدموند عمران المالح، وسيون أسيدون وغيرهم من اليهود المغاربة. وما يبعث على الاستغراب هو كون البعض تحفظ، فقط لا غير، على توقيت بث القناة الثانية للوثائقي الذي أنجزه شاب من تنغير، في حين أن المواقف المبدئية لا تخضع لتوقيت أو أجندة. ولقد كنت أتمنى لو شاهد هؤلاء الوثائقي و فهموا مضمونه وما حملته شهادات بعض يهود تنغير من حسرة وندم على هجرتهم إلى إسرائيل، حيث صدموا بعنصرية تعطي الأسبقية للأشكناز( اليهود الغربيين) على السفارديم ( اليهود الشرقيين)، بينما كانوا معززين مكرمين(وفق شهاداتهم) بين إخوانهم المغاربة المسلمين في تنغير وغير تنغير. حنين هؤلاء المغاربة إلى وطنهم الأصلي وتمسكهم ب"تمغريبت" وامتنانهم الأبدي لما قام به الملك المناضل محمد الخامس رحمه الله في مواجهة قوانين حكومة فيشي، هو مبعث افتخارهم وما يجعل بيوتهم مزينة بصور هذا الملك وبصور نجله المرحوم الملك الحسن الثاني وبصور حفيده جلالة الملك محمد السادس، أبقاه الله ذخرا وضامنا لقيم الحرية والتعايش. كنت أتمنى أيضا، لو اعتمد المنتقدون للشريط الوثائقي قراءة تاريخية تستحضر دور الوكالة الصهيونية لتهجير اليهود إلى ما تسميه الصهيونية " أرض الميعاد" وكذا الخطابات العروبية المتطرفة في نهاية الخمسينات وسنوات الستينات من القرن الماضي المهددة ب"رمي اليهود في البحر"، تلك الخطابات التي ما حررت فلسطين ولا حققت السلام، بقدر ما كرست واقع "الممانعة" كمبرر لقمع الشعوب وحرمانها من الديمقراطية( سوريا هي النموذج والمثال). كنت أتمنى كذلك، لو عاد هؤلاء المنتقدون إلى أدبيات ووثائق منظمة التحرير الفلسطينية كي يكتشفوا أن النضال الحقيقي هو من أجل قضية مشروعة، نضال لا يواجه عنصرية صهيونية بعنصرية أخرى، وإلا لما كسب الشعب الفلسطيني مناصرين ومؤيدين في أوساط يهود إسرائيل. كفانا إذن من إسهال المواقف المجانية التي تركب على قضية مقدسة لتمرير خطابات متطرفة ورفع شعارات ذات طبيعة عنصرية في التظاهرات والمسيرات ، لن تخدم لا فلسطين ولا صورة المغرب كبلد ساند على الدوام كفاح شعب فلسطين في إطار احترام قراره الوطني المستقل، دون استغلال أو محاولة لفرض الوصاية. كتحصيل حاصل، على كل من يحاول عبثا فرض الخيارات المتطرفة على شعبنا وتعطيل العقل المغربي، أن يعلم أن لهذا البلد نساؤه ورجالاته المؤمنون حتى النخاع بقيم التعايش والانفتاح، الذين سيتصدون، بلغة الحضارة ومنطق العقل والتاريخ، لكل من يسعى لتشويه صورة مجتمع متساكن ومتضامن لا مكان فيه للتعصب والعنصرية. شكرا لله، للبيت رب يحميه...ولن تغيب شمس الحرية والتعايش عن سماء المغرب...أبدا أبدا..