تحل يوم السبت 14 أبريل الذكرى السنوية الأولى للإفراج عن "المعتقلين السياسيين الخمسة" في إطار ما يعرف إعلاميا بخلية بليرج رفقة معتقلين آخرين أغلبهم من معتقلي الرأي والعقيدة. جاء هذا الإفراج في إطار حل سياسي نتيجة الضغوط المتواصلة، التي لم تتوقف منذ اختطاف السياسيين الستة في 18 فبراير 2008، من قبل الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية والمجتمع المدني والسياسي وأسر المعتقلين والتي اشتدت بفعل الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير. هكذا توخت الاستجابة لطلب رئيس وأمين عام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، من جهة، التخلص من قضية أصبحت تشكل ثقلا على كاهل النظام المغربي، ومن جهة أخرى، محاولة لتلميع صورة المغرب كنموذج فريد للإصلاح. صنف العديد من المتتبعين هذا الحدث على أنه بداية انفراج سياسي وحقوقي وتأسيس لمرحلة جديدة تقوم على الإنصاف والمصالحة الوطنية والعدل والمساواة. غير أن واقع الحال كان مخيبا لللآمال، وهو ما عبر عنه د. محمد الأمين الركالة في رسالة وجهها للجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية، بمناسبة الذكرى الرابعة لاختطافه، بقوله: " غير أنه، ومع الأسف الشديد، عوض أن يكون هذا الحل السياسي نقطة انطلاق لمصالحة وطنية تطوي صفحة سوداء من تاريخ العهد الجديد وتؤهل بلادنا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، تم الالتفاف عليه ليتحول إلى إدانة سياسية لكل المفرج عنهم وليتم تبييض كل الجرائم التي ارتكبت في حقنا منذ اختطافنا." كما أن ما استجد بعد هذا من أحداث كان كفيلا بدحض أي تصور متفائل عن المستقبل الحقوقي الذي كان الكثير من المتتبعين يمنون النفس به. إذ سرعان ما أتى حادث أركانة الإجرامي ليوقف كل الإجراءات والخطوات التي عمل العديد من الحقوقيين ورجالات الدولة المخلصين على تحقيقها فأجهض حلمهم وحلم طبقة عريضة من أبناء الشعب المغربي، ذلك أن الحادث كان تدشينا لمرحلة جديدة من القمع، من الاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان، ومن الاعتقالات السياسية والتعسفية. ولعل أولى بوادر هذه المرحلة انطلقت بقمع وقفة احتجاجية سلمية لحركة 20 فبراير بالرباط -على خلاف العادة- كانت تعتزم تنظيمها رفقة العديد من فعاليات المجتمع المدني تنديدا بجرائم التعذيب التي تقترف في معتقل تمارة السري، هذا القمع رافقته اعتدءات بدنية ومعنوية لم يسلم منها لا شيوخ ولا نساء ولا أطفال سواء المشاركون (من أسر المعتقلين الذين ذاقو العذاب في المعتقل المشؤوم) أو من المارة. يوم بعد ذلك، ستقوم قوات الأمن بمهاجمة معتقلي ما يعرف بالسلفية الجهادية المعتصمين فوق سطح الحي المخصص لهم في سجن الزاكي بسلا للمطالبة بتفعيل اتفاق 25 مارس الذي كان يقضي بإطلاق سراح كل من لم يثبت ارتكابه لأي جريمة دم ثم توفير المحاكمة العادلة للباقين. استعملت قوات الأمن في هجومها الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي مما أسفر عن إصابة العديد من المعتقلين وكذا بعض حراس السجن بالإضافة لاختناق العديد من السجناء بما في ذلك الأجانب والنساء اللواتي كان يسمع صراخهن واستغاثتهن حسب الفيديوهات التي نشرت حول هذه المواجهات. لم يقف الحد عند هذا الأمر بل تلاه "عقاب جماعي" تحت ذريعة الإخلال بالنظام العام للسجن، شمل من شارك في المواجهة ومن لم يشارك كحالة باقي المعتقلين السياسيين في قضية بليرج. لقد كان ذنبهم الوحيد أنهم كانوا قاطنين بنفس الحي الذي اندلعت به المواجهات رغم أنهم سارعوا آنذاك إلى إصدار بيان يدينون فيه هذه الأحداث ويعلنون عدم مشاركتهم فيها. وخرقا لأبسط حقوق الإنسان تم ترحيلهم قسرا وسرا لسجن "تولال2" بمكناس دون إعلام أسرهم بمكانهم. ورغم أن مندوبية السجون أعلنت فيما بعد أن هذا الترحيل مؤقت فقط (45 يوما)، فقد استمر لحد الآن. لقد تسبب هذا القرار الجائر في مأساة عاشها هؤلاء المعتقلون بحرمانهم من كل مستلزمات الحياة العادية من مرآة وأدوات النظافة وكتب، حتى المصحف الكريم حرموا منه، بل إنهم حرموا من اجتياز امتحاناتهم- بالنسبة للمسجلين في الجامعات- ضدا على القانون والتزامات الدولة المغربية وكل المواثيق الدولية التي تكفل الحقوق الأساسية للمعتقلين. آثار هذا الترحيل امتدت لأسر المعتقلين وأساسا الزوجات اللواتي يتحملن عناء السفر لمسافات طويلة من أجل رؤية أزواجهن بطريقة غير مباشرة، رؤية تتم عبر شبابيك حديدية لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة في خرق آخر للقانون والمواثيق الدولية، ثم الأطفال الذين حرموا من الحنان الأبوي الذين كانوا على الأقل يحضون بقسط منه في سجن الزاكي بسلا دون نسيان أمهات المعتقلين وآباءهم ومعاناتهم المادية والنفسية التي ازدادت مع الوضعية المتدهورة التي آل إليها أبناؤهم. تكشف معاناة هؤلاء المعتقلين عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب والتي تفضحها العديد من القضايا كقضية اعتقال الصحفي الشريف رشيد نيني ومحاكمته بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة ضدا على المنطق القانوني الذي يقضي بأن قانون الصحافة هو الواجب التطبيق باعتباره نصا خاصا فضلا عن الخروقات التي شابت التحقيق والمحاكمة على حد سواء ومعاناة رشيد في غياهب السجن وحرمانه من الكتابة والذهاب للمسجد إلى غير ذلك. يفضح هذا الواقع، أيضا، اعتقال الطلبة وتعذيبهم وأشير هنا لقضية الطلبة القاعديين المعتقلين بفاس وتازة الذين تم اختطافهم وتعذيبهم ضدا على شروط المتابعة والاعتقال والحراسة النظرية. معتقلو حركة 20 فبراير أضحوا شاهدا آخر على تردي حقوق الإنسان بوطننا كعبد الجليل أكاضيل بآسفي ومعاد الحاقد الذي اعتقل وأطلق سراحه بعد ضغط رفاقه ثم أعيد اعتقاله رفقة شاعر الحركة يونس بلخديم بفعل نشاطهم الاحتجاجي وتعبيرهم عن آرائهم. لقد جاء اعتقالهم ضدا على الدستور الذي ينص على ضمان حرية التعبير وخرقا للإجراءات المسطرية. وهل لي أن أذكر ببني بوعياش وغيرهم؟ إن استحضار كل ما سبق يؤدي إلى القول بأن الإفراج عن المعتقلين السياسيين الخمسة قبل سنة من الآن لم يكن إلا ترحيلا من سجن صغير إلى سجن كبير يتيهون فيه وراء البحث عن لقمة العيش. لقد أصبحوا محرومين من عملهم رغم الوعود التي تلقوها بإرجاعهم إلى وظائفهم. ولحد الآن لم نر أية إجراءات ملموسة من الدولة بهدف إنصافهم ورفع الحيف عنهم. وهو ما يؤكد أن هذا الإفراج وغيره كالإفراج عن شيوخ السلفية الجهادية وبعض معتقلي حركة 20 فبراير كالصديق كبوري ورفاقه لم يكن إلا حلا ترقيعيا التف على مطالب الشارع المغربي في سيادة القانون وتوفير العيش الكريم لجميع المغاربة بدون استثناء. في ضوء ما تقدم، يجب التأكيد على ضرورة تكاثف جهود كل هيئات المجتمع المدني بما في ذلك الجمعيات الحقوقية والهيئات السياسية والمعتقلين المفرج عنهم أنفسهم من أجل: 1. العمل على إطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين في قضية بليرج وكافة المعتقلين السياسيين الآخرين ومعتقلي الرأي والعقيدة، وكل معتقلي حركة 20 فبراير معاد الحاقد، يونس بلخديم، حسن الهينوسي، عبد الجليل أكاضيل، معتقلي بني بوعياش وغيرهم وكذا الطلبة القاعديين المعتقلين بفاس وتازة. 2. تسوية ملفات المعتقلين السياسيين الستة وكل المعتقلين السياسيين ورد الاعتبار إليهم و لأسرهم. 3. تعويض المتضررين من اعتقال هؤلاء خاصة من صودرت أملاكه لأنها كانت تحت تصرف أحد المعتقلين وأشير في هذا الإطار للمنازل التي كانت مقرات لحزب البديل الحضاري وتم تشميعها بعد حل الحزب بقرار جائر للوزير السابق عباس الفاسي. 4. رفع التضييق عن الصحفيين والتوسيع من هوامش حرية الرأي وعدم اعتقال أي أحد بسبب آرائه. 5. التخلي عن المقاربة الأمنية في التعامل مع الحراك الناتج عن الأزمات الاجتماعية وتبني منهج تحاوري. 6. التقيد بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. تتسم هذه المطالب بطابع الاستعجالية وتشكل الإستجابة لها مدخلا لمصالحة وطنية نعبر منها نحو استقرار وطننا وتقدمه و ازدهاره. طالب باحث في الحقوق للتواصل مع الكاتب : [email protected] أو : www.facebook.com/omar.ragala