"ضع رأسك بين الرؤوس، وردّد يا قطّاع الرؤوس"، هذا المثل لا معنى له عندما تهاجر إلى الغرب. الجميع، هناك، ينتبه إلى رأسك الأسود وهو ينبت كشامة مشؤومة في وجه صاف. المهاجر يواجه سؤال الهوية كل لحظة. في كندا ليس من حقّ أحد أن يسألك عن بلدك الأصلي، ويمكنك أن تتابعه قضائيا على فضوله الزائد. القانون يحمي هويتك. ويمكنك أنت، أن تغذّيها بهوية جديدة، يمنحها لك البلد الذي استقبلك كمواطن محترم بالأحضان. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أصبح رأسك الأسود، الذي يحيل إلى جذور عربية وإسلامية، يشبه قنبلة متحرّكة. تعتقد أن الجميع في الميترو ينظر إليك كإرهابي محتمل يمكنه أن ينفجر في أية لحظة. بسبب الرعب النفسي والإعلامي المُعمّم، أحيانا تصدّق أنك إرهابي فعلا، وتتحرّك بحذر في الشارع وأمام الناس، وتخاف أن يخونك الحزام الناسف ويتشتّت جسدك إلى أشلاء. قد يسألك رفيق في العمل، أو شخص تتبادل معه دردشة عابرة بالصدفة في مكان عام، هل أنت مسلم؟ كلمة مسلم أصبحت خطيرة، وتحيل مباشرة إلى الإرهاب. أنت بنظر البعض إرهابي حتى يثبت العكس. في الحافلة ترى مختلّا عقليا يبصق على امرأة ترتدي "برقعا"، تحاول أن تتدخّل بدعوة السائق للتوقّف وطلب الشرطة، تضطرّ إلى الدفاع عن امرأة لا ترى وجهها أصلا، وتختلف معها جذريا في تحويل المرأة إلى شبح أسود بلا هوية، رغم ذلك تحسّ أنك تتقاسم معها شيئا ما، ربّما إرثا رمزيا مشتركا، وفي هذه اللحظة بالذات تنحاز الى امرأة ومواطنة تتعرّض إلى اعتداء، واحترامك للحريات، وحرية المعتقد خصوصا، يجعلك تقف شاهدا أمام الشرطة لدعم حرية امرأة في اختيار سجنها الأسود الخاص. علمانيو ساركوزي واليمين المتطرّف، ينتشرون في كل مكان في الغرب، يرون هذه المرأة كرمز ديني متحرّك ونشاز يخترق فضاء العلمانية، هنا تحسّ برجة فكرية في رأسك: أنت تؤمن بالحريات وبفصل الدّين عن السياسة، لكن لا يمكنك أن تلتقي مع علمانيي اليمين وهم يحرمون الآخر من حرياته الفردية، وفي نفس الآن تجد نفسك في مواجهة مستمرة مع أبناء جلدتك الذي حوّلوا الإسلام إلى "هوية قاتلة"، وبدأوا يزحفون بعمى العقيدة والإيديولوجيا إلى حرمانك من التفكير أصلا، واتهامك بأنك ضدّ الإسلام، وليس ضدّهم وضدّ قراءات وتأويلات خرقاء للدّين. انهيار برجي التجارة العالمي، هو انهيار لصورة العربي المسلم. لقد ساهمت حركة الإسلام السياسي في هولوكوست فظيع ضد العرب والمسلمين، مما اضطرّ، الكثير من المهاجرين من أصول عربية، إلى الدفاع عن أنفسهم يوميا، ومحاولة مسح تلك اللطخة السوداء التي ألصقت بهم. صار المهاجرون منبوذين في كل مكان، وورقة سياسية يمكن اللعب بها، كما يحدث اللحظة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والبحث المستمرّ في أحداث القتل الأخيرة بتولوز، عن ذلك المسلم الضحية، ضحية فكر وهوية، وضحية لعبة سياسية قذرة باسم الدين. الإسلام قراءات متعدّدة ومذاهب مختلفة. وبات ضروريا الآن، بعد هذا الصعود الهستيري لخطاب الهوية والعقيدة في العالم، أن تتجدّد نظرتنا للذات وللدّين. في أمريكا ثمة حركة تُطلق على نفسها "مسلمون من أجل قيم تقدّمية"، وهي حركة لافتة وجريئة تستحقّ كل التأمل، إذ كيف يمكن لمسلم تعرّض لغسل دماغ، وزرع إعلام دعاة النفط في رأسه قراءة وهابية للإسلام، أن يستوعب بأنه تمّ تسويق الطريقة السلفية الأفغانية على نفقة آل سعود، وخُلق من أسامة بن لادن رمزا لانتحار حضارة بالكامل، وساهم الغرب الاستعماري في ذلك، مثلما يساهم اليوم في سرقة "انتفاضات الشعوب العربية" ومنحها للإسلام السياسي هديّة على جهوده المبذولة، في خلق إنسان عربي رجعي وماضوي ومرعوب من حريته، ومستعدّ أن يضحّي بالعقل وينتحر. "مسلمون من أجل قيم تقدّمية" قراءتهم ليست متحجّرة ومغلقة للنصّ الدّيني، بل هم يحاولون التفاعل مع عصرهم، فنرى أمينة داوود أستاذة الدراسات الاسلامية بجامعة فيرجينيا، تؤمّ بمسلمين ومسلمات في مسجد مختلط يوم الجمعة، ثم نرى مثليي الجنس في الصفوف الأولى للصلاة بدون تمييز. إنها نظرة جديدة للإسلام، قد يقذفها كثيرون بتلك التهمة الجاهزة: التشبّه بالغرب، لكنها فقط عودة إلى إحياء العقل والإنسان في الإسلام وتخليصه من الفاشستية، وهؤلاء الذين ينصّبون أنفسهم حرّاسا لإرثنا الرّمزي، كان ردّ فعلهم الطبيعي هو التهديد بالقتل، وعندما نلتفت إلى التاريخ نكتشف تلك المؤامرة الكبرى على العقلانية حين تمّ تكفير المعتزلة، فالقتل اليوم يعيد نفسه.