التشغيل في حد ذاته دعم مباشر    الصين: "هواوي" تسجل ارتفاعا في إيرادات المبيعات في 2024    إسرائيل توسع عملياتها العسكرية في قطاع غزة    الدفاع المدني يعلن مقتل 15 شخصا في غارتين إسرائيليتين على منزلين في قطاع غزة    القوات المسلحة المالية تفضح الجيش الجزائري بخصوص إسقاط طائرة بدون طيار    أجواء ماطرة في توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    إسبانيا تخطو نحو تنفيذ نفق الربط القاري مع المغرب وسط رهانات مونديال 2030    واقعة تعنيف إطار صحي بقلعة السراغنة تتكرر بأكادير..    هشام جيراندو.. خيانة مفضوحة للملكية في الواقع ووطنية مزعومة في المواقع    شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدغار موران: هل يسير العالم إلى الهاوية؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 08 - 2010

هل تسير حضارتنا رأساً صوب الهاوية؟ ذلك هو السؤال الذي أدار عليه إدغار موران، عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، وأحد كبار المفكرين وأكثرهم أصالة في زمننا الحاضر، كتابَه الجديد، الذي نقدم له ههنا ترجمة عربية. إنه كتاب يجمل فكر صاحبه، من رحلة طويلة في مقاربة الواقع العالمي المتغير وسؤال الفكر الملاحق لتغيراته. والمؤلف يستعرض في هذا الكتاب أوجه الأزمة التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة، ويتوقف بإسهاب عند الإصلاح الذي يقترحه للعالم ولنظم التفكير. ويقلب النظر في ظواهر بعينها، كالعولمة، وظهور «المجتمع العالم»، ويتمعن في الجواب الذي يمكن أن تقدمه «سياسة حضارية» في سياق ما بعد أحداث 11 شتنبر. ليخلص إلى نتيجة أنه لاسبيل لحضارتنا إلى الخروج من أنفاقها المسدودة بغير التحول.
المجتمع العالمي ضد الإرهاب العالمي
ليكن مبتدئي بسؤال اصطلاحي. الإرهاب. فمفهوم الإرهاب يصح على [المنظمة] الجهادية العالمية «القاعدة»، التي يتمثل نشاطها في الاعتداءات والقتل الجماعي للساكنة المدنية، لكنه يصير شديد الاختزال عندما يُجعل للأشكال العنيفة من المقاومات الوطنية المحرومة من الوسائل الديمقراطية للتعبير.
فهذا المصطلح الذي أطلِق على النازيين على المقاومين في أوروبا قد صار مختزلاً، عندما أطلقه بوتين Poutine على المقاومة الشيشانية، التي تشتمل بطبيعة الحال على فرع إرهابي، لكن لا يمكن اختزالها فيه. إن عنف الدولة الذي ينزل بشعب، كما يستهدف أولئك الذين يقاومونه يعتبر في حد ذاته عنفاً للرعب.
يشكل (تنظيم) القاعدة طوراً جديداً في الإرهاب. ولقد مكنت العولمة التقنية والاقتصادية من وجود العولمة الإرهابية، إذ تحولت في سياق هذه العولمة وبواسطتها إلى تهديد عالمي.
الإسلاموية. إن لفظ «إسلاموي» زاخر بالمغالطات. فقد كان يدل من الناحية المبدئية على كل معتقِد بالإسلام، فأصبح عند كثير من الغربيين مرادفاً للمتعصب. إن من شأن هذا اللفظ، بحكم قربه الشديد إلى لفظ «إسلامي» (وهو مفهوم يشير إلى ما يدخل في الإسلام) أن يصيب بعدوى التعصب والإرهاب.
والواقع أن الإسلام السياسي إذ يتضمن العودة إلى تطبيق الشريعة، فهو يتضمن رفضاً للحضارة الغربية، بما فيها الليبرالية والديمقراطية. لكنه لا يستتبع من نفسه حرباً مقدسة أو يستتبع إرهاباً.، مع أن في الإمكان أن ننزلق من الإسلاموية إلى الجهاد.
وإن شبيهة بهذه العدوى تصيب مصطلح «الأصولي» (وما هو بالعدائي في حد ذاته). وأما التنظيم الدولي الجهادي «القاعدة» فهو انحراف ديني وهمي، لا يمكن أن نختزل فيه الإسلام.
وأما لفظة «الإسلاميون»، على نحو ما شاع استعماله في وسائل الإعلام الغربية، فهو يختزل كل مسلم في إسلامي وكل إسلامي في إرهابي محتمل، بما يحول دون رؤية الوجه المركب للإسلام.
إن كل مغالطة في الفكر تقود إلى مغالطات في الفعل من شأنها أن تزيد من مفاقمة المخاطر التي نروم محاربتها. فينبغي أن نفكر الإسلام، كما ينبغي أن نفكر الولايات المتحدة ونفكر إسرائيل ونفكر العولمة نفسها في تعقيداتها، فنقر بالتناقضات التي ينطوي عليها كل واحد من هذه المصطلحات.
الوجه المزدوج للولايات المتحدة
تعتبر الولايات المتحدة أقدم ديمقراطية في العالم، وهي تكون مجتمعاً مفتوحاً، وهي الخاصية التي تجعلها اليوم في مهب العطب. لقد أنقذت أوروبا الغربية من النازية، وحمتها من الاتحاد السوفييتي، الذي كان أبعد من أن يكون نمراًً من ورق. وقدمت النجدة إلى الشعوب الإسلامية في البوسنة وفي كوسوفو. وليس للولايات المتحدة مسؤولية في الحرب الطاحنة التي دارت رحاها بين العراق وإيران، ولايد لها في الرعب الذي عصف بالجزائر، ولا في سائر الصراعات التي نشبت بين الدول العربية بعضها البعض. وثقافة الولايات المتحدة لا تختزَل في الماك دو ولا في الكوكا كولا، بل إن ثقافتها بدت خلاقة مبتكرة في مجال العلم والأدب والسينما والجاز والروك. وأمريكا تسير نحو أن تكون أوروبية، بقدر ما تسير أوروبا نحو أن تكون أمريكية. لكن الولايات المتحدة تشكل قوة إمبريالية تهمين بالتسليح وبالاقتصاد. ولا تمنعها ديمقراطيتها بأي حال أن تقدم الدعم للديكتاتوريات متى ما دعتها المصلحة إلى ذلك. كما وأن نزعتها الإنسانية تشوبها بقعة عمياء لاإنسانية؛ فلقد قامت بتفجيرات مهولة للمدن الألمانية، ثم اقترفت تينك المذبحتين في هيروشيما وناغازاكي. وتكشف لنا التفجيرات المتواصلة التي توقعها الولايات المتحدة على أفغانستان عن إرهاب آخر ينول الساكنة المدنية، فتسقط لا ضحية القنابل أو الصواريخ الملقاة عليها من أقصى الأعالي ومن أنأى المسافات، بل وتقع فريسة كذلك للخوف والمجاعة، حتى لا تجد منجاة منهما إلا في المهاجرة. والولايات المتحدة تتأثر لمعاناة 6000 من ضحايا مركز التجارة العالمية، لكنها لا تتأثر للكوارث البشرية التي يلحقها قصفها للساكنة الأفغانية. والولايات المتحدة غير مدركة للتناقض الذي ينطوي عليه الرعب الذي يحدثه قصفها للإرهابيين. لقد كان البرجان العملاقان بالغي الدلالة الواقعية وبالغي الدلالة الرمزية على حد سواء؛ فقد كانا رمزاً للثراء ورمزاً للقوة الأمريكية، ورمزاً لرأسماليتها ورمزاً لديمقراطيتها ورمزاً لانفتاحها (فقد أصبح تمثال الحرية رمزاً للعبودية). فخلف انهيارهما ثقباً أسود يتعذر رتقه في رؤيتنا ليس لمانهاتن وحدها، بل ورؤيتنا للعالم أيضاً. فمن الناس من يرون فيه ذلك الانهيار إهانة لحقت بالإمبريالية الأمريكية وبالرأسمالية، ومن الناس من ينشغل لذلك الأمر، إذ يرون فيه ثلماً انفتح في الديمقراطية وفي الحضارة؛ وإن هاتين الحقيقتين المتعارضتين متكاملتين.
عولمة النزعة الأمريكية وعولمة النزعة المعادية لأمريكا
حقاً إن الولايات المتحدة تحرك في العالم البائس مطامح، من بينها مطامح الهجرة إليها، كما تثير ما لاعد له من الرغاب للدخول في حضارتها؛ وهي توحي بالاحترام والطاعة لمقطيعها، والشعور بالتضامن الغربي يظل قوياً في أوروبا وإياها. لكن إذا نحن أنعمنا النظر في ثراء الولايات المتحدة ورخائها، في إطار من الفاقة والعوز، يبعث على شعور عارم بالحرمان. فالهيمنة تخلق ما لاحصر له من أوجه المهانة، ومركباً من النقص التقني (في عالم الجنوب)، ومركباً من التفوق الثقافي (في أوروبا) يوغران عليها الصدور. فنقص التنمية الذي عانت منه أمم كثيرة من يعزى إلى الإفراط في التنمية الاقتصادية الذي تنعم به الولايات المتحدة. والنقص الشديد في الطعام والدواء الذي تتخبط فيه جحافل كبيرة من السكان العزل في مواجهة الأوبئة والسيدا يغذي مشاعر العداء للساكنة التي تنعم بالرفاهية الزائدة، والعلاج الزائد في الغرب، وفي الولايات المتحدة بوجه خاص. ففي البلدان التي عرفت في الماضي حضارات مجيدة، والتي تحس اليوم بنفسها قد انحطت وباتت فريسة للتهديدات، يقابل العالم الأمريكي بنفور وكراهية وعداء.
فالعواقب الوخيمة لتحرير السوق العالمية، وتفاقم التفاوتات وشتى أنواع الأزمات الاقتصادية تزيد من تأجيج مشاعر العداء والكراهية.
حقاً إن النموذج الاشتراكي «الواقعي» قد انهار في الأذهان التي لا تزال تسودها ترجمات الماركسية اللينينية (من غير أن تقيس في يوم من الأيام درجة الفساد الذي لحق هذا النموذج)، بيد أنها لا تزال على قناعة بأن الرأسمالية والإمبريالية الأمريكيتين هما الشر المطلق. فلقد ظلت هذه الأذهان على تصورها الشيطاني لأمريكا، باعتبارها بؤرة الرأسمالية والإمبريالية، في جهل بأن الشيوعية السوفييتية كانت أسوأ من الرأسمالية، وفي جهل بمحاسن الديمقراطية وعيوب الكليانية، وجهل بأن الإمبريالية الأمريكية أقل شراسة من الإمبرياليات السالفة، وخاصة منها السوفييتية. وهكذا، فإن جماع العداوات والبغضاء التي تطالعنا في شتى الأطراف من كوكب الأرض تستثير كراهية عجيبة، وقد تستثير، أحياناً، كراهية استيهامية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، المتهمة باقتراف جميع الشرور التي تتصف بالكرة الأرضية. ولما كانت الولايات المتحدة أسياداً للعالم (وهي بالسادة عليه بإطلاق)، صارت تعتبر مسؤولة عن الشرور التي تعتور العالم (وما هي بالمسؤولية عنها بإطلاق أيضاً). وبذا، فالولايات المتحدة قد اعتبرت هي الشر الأعظم والحالي للشر الذي ينول الغرب، ذلك الغرب الذي اندفع هاجماً على الكرة الأرضية ابتداء من القرن السادس عشر، وغزاها، واستعمرها، واستنزف خيراتها وأباد ساكنات عن بكرة أبيها.
لكن من الضروري ههنا كذلك أن نجمع بين حقيقتين متعارضتين. فإذا كان صحَّ أن هيمنة الغرب قد كانت هي الأسوأ في تاريخ البشرية خلال ديمومتها وانتشارها على كوكب الأرض، فينبغي أن نقول، كذلك، إن جميع المكونات الداخلة في تحرير المستعبدين قد نشأت وتطورت في حضن الغرب، وقد مكنت للمستعمَرين سبل الانعتاق، وقت أن اعتنقت القيم الإنسانوية الغربية الأوروبية؛ من حقوق الإنسان، وحق الشعوب، وحق الأمة، والديمقراطية، وحقوق المرأة. بل يمكننا القول إن التأخر الذي يعرفه قسم كبير من العالم عن الأخذ بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة يعتبر من أسباب الحالة الخطرة التي تردى إليها العالم الحالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.