بدَأت الجلبة بمجرد دعوةٍ وجهها اتحاد الجمعيات الإسلاميّة في فرنسا إلى الشيخ القرضاوي، والشيخ محمود المصري للمشاركة في مؤتمره السنوي المقرّر عقده في السادس من إبريل في بورجيه شمالي باريس، تنادى على إثرها اليمين المتطرف والحزب الاشتراكي للمطالبة بحظر دخول القرضاوي وصاحبه ال"مثيران للجدل"، كما وصفهما حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف)؛ بتهمة أن الشيخ يعتبر "الجهاد فرضًا على كل مسلم"، بالإضافة إلى أنه معروفٌ "بآرائه المتكررة المعادية للسامية"، كما قال النائب الاشتراكي الفرنسي مانويل فالس. ولتكتمل الحملة، التي انضمت إليها جمعيات يهوديّة محليّة، بثت الجبهة الوطنية -الحزب الفرنسي اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية مارين لوبين- فيديو يضم مقطعا لإحدى مداخلات الشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة في العام 2009، تثبت ما يروّجون له باعتباره اتهامات. إذعانٌ للتطرف إذعانًا لهذا الضغط أعلنت فرنسا إغلاق أبوابها في وجه الشيخ القرضاوي، وقال ساركوزي، في حديثٍ لإذاعة فرانس انفو: "لقد أبلغت أمير قطر شخصيا أن هذا الرجل ليس مرحبا به على أرض الجمهورية الفرنسيّة.. لن يحضر". وأضاف ساركوزي المرشح لولاية رئاسية ثانية أن "بعض الأشخاص المدعوين إلى المؤتمر غير مرحب بهم على أراضي الجمهورية، فهم يعبرون أو يريدون التعبير عن آراء لا تتوافق مع قيم الجمهوريّة"، مُردِفًا: "الوضع معقد؛ لأن القرضاوي يحمل جواز سفر دبلوماسيّ، ولا يحتاج إلى تأشيرة لدخول فرنسا". وكان هنري غاينو المستشار الخاص للرئيس الفرنسي أشار في وقت سابق إلى أن فرنسا لا تريد "أي داعية متطرف" على أراضيها، وقال: "هناك كثيرون سيُمنعون من دخول الأراضي الفرنسيّة" بعد قضية تولوز. في المقابل، نفى أحد مساعدي الشيخ أن يكون القرضاوي قد تقدم بطلب تأشيرة دخول إلى فرنسا، وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "الشيخ لم يتقدم بطلب تأشيرة من السلطات الفرنسية، وقد يكون اتحاد المنظمات الإسلاميّة فعل ذلك بموجب الدعوة التي وجّهها إليه". ردود غربيّة اعتبرت شخصيات إسلاميّة أن القرار يشكّل "إهانة لكل المسلمين"، مشددة على أن دوافعه تكمن في رغبة ساركوزي استرضاء اللوبي المحلي الموالي لإسرائيل، ومغازلة ناخبي اليمين المتطرف المعادي للمسلمين قبل ثلاثة أسابيع على موعد الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقال رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا -وهو مقرب من الإخوان المسلمين- أحمد جاب الله: إن حظر دخول القرضاوي للأراضي الفرنسية كان "مفاجئا كليا" لجمعيته التي دعت الشيخ لإلقاء محاضرة في الملتقى الذي تنظمه هذه السنة بحضور شخصيات علميّة وفكريّة أخرى من مختلف أنحاء العالم، بينها زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي والناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام. وانتقد جاب الله تعليل الرئيس الفرنسي لقراره بكون خطاب القرضاوي "لا يتلاءم مع قيم الجمهورية"، مشيرا إلى أن القرضاوي هو إمام الوسطية والاعتدال والانفتاح وأنه رائد من رواد الحوار بين الأديان السماويّة ومدافع عن حقوق المرأة. ويرى الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الأوروبي، محمد البشاري، أن منع القرضاوي من دخول فرنسا يترجم "الاستغلال الرخيص" لأحداث تولوز التي وقعت مؤخرًا، بهدف الانتقام من الشيخ على "مواقفه المبدئيّة الشجاعة" المناصرة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. وأضاف البشاري -الذي يترأس أيضا الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا- أن قرار ساركوزي يمثل "إهانة لكل المسلمين"، مشيرا إلى أن القرضاوي هو "أكبر مرجعية للوسطية الإسلامية في العالم برمته". واعتبر القيادي المسلم أن ساركوزي ركب ما سماها "موجة التخويف من الإسلام" التي قال إنها غدت "المطية الانتخابية الوحيدة لساسة اليمين الفاشلين والعاجزين عن إقناع الناخبين بوعود جديدة تمس همومهم الاقتصادية والاجتماعية". ردود عربيّة من جانبه عاتب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي، فرنسا على رفضها منحه تأشيرة دخول، وقال الشيخ علي قره داغي، الأمين العام للاتحاد، لوكالة فرانس برس: "نستغرب ونعاتب فرنسا لرفضها منح الشيخ يوسف القرضاوي تأشيرة دخول إلى أراضيها". وأوضح أن القرضاوي "عالم معتدل أسهم في تنقية المفاهيم الإسلامية من التطرف". أيضًا أعرب مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز بمصر عن أسفه الشديد لهذا القرار الذي وصفه بأنه "تمييز عنصري، ومخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتي تحظر على الدول تقييد حرية التنقل بالنسبة للأفراد دون وجه حق". ورأى المركز في بيان أن قرار الرئيس الفرنسي بُنِى على دعاوى واتهامات باطلة روّجتها أحزاب وقوى يمينيّة فرنسيّة تعادي كل ما هو إسلامي، وترفض إقامة حوار بناء بين الإسلام والدول الغربيّة، وتسعى جاهدة لبث بذور الفرقة بين المسلمين والمسيحيين في المجتمعات الغربية. وطالب المركز الرئيس والبرلمان الفرنسي بضرورة إعادة النظر في هذا القرار الجائر الذي يضر بسمعة ومكانة فرنسا في العالم العربي والإسلامي، خاصة وأن الشيخ القرضاوي يمثل قامة وقيمة كبيرة للشعوب العربية والإسلاميّة، كما طالب المجتمعات الغربية بضرورة وقف التمييز الممنهج ضدّ الأقليّة المسلمة في تلك الدول والتعامل معهم وفقاً للمعايير الدوليّة التى حددتها المواثيق والأعراف الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتوقف عن محاولات التشويش المتعمد للدين الإسلامي واتهام المسلمين دون وجه حق بالعنف والتطرف. موقف مستغرب الغريب في القرار أن معظم ما استند إليه المطالبين به ليس له أساس من الصحة، فالاتحاد العالمي الذي يرأسه الشيخ أدان "العملية الإرهابية" التي أودت بحياة سبعة أشخاص من بينهم ثلاثة جنود فرنسيين اثنان منهم مسلمان، وثلاثة أطفال يهود وحاخام. الأغرب أن أفكار القرضاوي ومواقفه تكاد تتطابق مع موقف ساركوزي في الملفين الليبي والسوري على وجه الخصوص، فقد أصدر فتوى بقتل العقيد معمر القذافي لظلمه وفساد نظامه، وأيد ثورة الشعب السوري لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، بل ودخل في أزمة كبيرة مع دولة الإمارات عندما هاجم قرار حكومتها بإبعاد مجموعة من السوريين المعارضين تظاهروا أمام السفارة السورية في أبو ظبي دون إذن رسمي. رشوة انتخابية لليمين واليهود خلاصة القرار إذًا أنه مجرد رشوة انتخابية لبعض الجماعات اليمينية المتطرفة، ولأعضاء الجالية اليهوديّة الفرنسيّة، التي تكن عداء شديدا للدكتور القرضاوي لأنه أصدر فتوى بتأييد العمليات الاستشهاديّة ضد أهداف إسرائيليّة، والتي فعلت الشيء ذاته في المملكة المتحدة، ولذات السبب، حيث ضغطت على الحكومة البريطانية لمنع الدكتور القرضاوي من دخول أراضيها، مثلما حاولت منع الشيخ رائد صلاح أحد أبرز القيادات الإسلامية في المناطق المحتلة عام 1948؛ لأنه يتصدى للحفريات الإسرائيليّة تحت المسجد الاقصى، وعمليات الاستيطان غير الشرعيّة في منطقة القدس وباقي المناطق المحتلة. يُذكَر أن زعيم حزب المحافظين المعارض بمجلس العموم، رئيس الوزراء السابق توني بلير، طالب بمنع القرضاوي من زيارة بريطانيا عام 2008 بدعوى أنه يدعم العمليات الفدائيّة، وقالت متحدثة باسم وزارة الداخلية في ذلك الحين إن القرار اتخذ على أساس أنه "برر أعمال عنف إرهابي"، في إشارة منها إلى موقفه من عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن القرضاوي رفض الاتهامات الموجهة إليه، وأكد أنه أسيء فهمه، وتمسك برأيه المعلن من العمليات الاستشهاديّة الفلسطينيّة، ووصفها بأنها سلاح الضعيف. *الإسلام اليوم