على هامش خبر اعتقال عبد الله السنوسي كان لخبر إلقاء القبض على رئيس جهاز استخبارات نظام العقيد القذّافي عبد الله سنوسي في نواكشوط صدى في الأوساط السياسية والإعلامية دون أن يظفر أحد بأجوبة شافية حول حقيقة ما جرى. هذا بينما كلّ المؤشّرات تؤكّد على أن الأمر لا يعدوا كونه مجرّد مسرحية لم تكتمل فصولها بعد. أكثر من صحيفة مغربية ابتلعت الطعم حينما تحدّثت عن مكث السنوسي في إحدى الفلل المملوكة لقريب له في الدّار البيضاء.ولم يكن تصريح حكومة (البيجيدي) عبر ناطقها الرّسمي بعيدا عمّا راج في الصّحف ذاتها. فقد جاء تصريح الحكومة بما يفيد أنّ عبد الله السنوسي دخل المغرب بهوية مزوّرة. مما جعل تصريح الحكومة على شيء من الالتباس نابع من عدم تقديرها لأهمية الموقف وكذا عدم توفّرها على معطيات حقيقية. فمرّة يتمّ التّأكيد على عدم معرفة بوجود السنوسي في المغرب نظرا لاعتماده جوازا مزوّرا. ومن ناحية أخرى يؤكّد التصريح الأخير على أنّه لم يكن السنوسي محل متابعة سواء من طرف السلطات المغربية أو شرطة الانتربول الدولية. ولا شيء من هذا التعليل صحيح، لأنّ السنوسي لم يقم في المغرب أصلا ولأنّه كان محلّ متابعة أيضا. فلقد سبق وصدرت مذكّرة اعتقال دولية في حقّ السنوسي، على إثر الحكم القضائي الذي أصدره في حقّه القضاء الفرنسي بالسّجن مدى الحياة على خلفية احتمال تورّطه في قضية تفجير الطائرة الفرنسية التّابعة لشركة يوتا عام 1989م، الأمر الذي أدّى إلى مقتل 170 راكب. وهذا تحديدا ما جاء في البلاغ الرئاسي الفرنسي، إذ يقول: "إنّ مذكرة توقيف دولية صدرت بحق عبد الله السنوسي بعدما أدانته محكمة فرنسية غيابيا بالسجن مدى الحياة يوم 19 سبتمبر/أيلول 1999 لدوره في اعتداء العاشر من سبتمبر/أيلول 1989 على طائرة تابعة لشركة يوتا أسفر عن مقتل 170 راكبا بينهم 54 فرنسيا". ويعزّز هذا كونه كان مطلوبا لمحكمة الجنايات الدّولية. فحسب تصريح ريتشارد ديكر مدير برنامج العدل الدّولي في هيومن رايتش ووتش، فإنّ"القبض على السنوسي خطوة هامة للعدالة نظراً لحجم الجرائم المتهم بها. والآن لضمان العدالة، من الضروري أن تُسلمه موريتانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل عقد محاكمة عادلة". وقالت هيومن رايتس ووتش " إن على موريتانيا أن تسلّم رئيس المخابرات الليبي السابق عبد الله السنوسي إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو مطلوب أمامها على خلفية اتهامات بجرائم ضد الإنسانية".يبدو أنّنا أمام قضية بالغة التعقيد إلى حدّ لم يكن التصريح الحكومي يعكس حجم خطورتها إن افترضنا جهلها بحقيقة ما يجري أو لا يقدّم تبريرا مقنعا إن افترضنا علمها المسبق بذلك. فعلى الرغم من أنّ الرئاسة الفرنسية طربت لخبر إلقاء سلطات نواكشوط القبض على السنوسي حينما ذكرت في بلاغها: "إن فرنسا ترحب بقوة باعتقال السلطات الموريتانية رئيس المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي إبان حكم معمر القذّافي"، بل وعلى الرّغم من تأكيد البلاغ على أنّ "هذا الاعتقال نتيجةُ جهود مشتركة فرنسية موريتانية، تابعتها السلطات الليبية، سيسمح خلال الساعات المقبلة لفرنسا برفع طلب اعتقال بهدف تسلمه من القضاء الموريتاني"، إلاّ أن الحقيقة هي أنّ عبد الله سنوسي كان متواجدا سلفا في فرنسا وليس في المغرب. نتساءل عن حجم المفارقة التي ستجعل السنوسي المطلوب فرنسيا يتّجه إلى فرنسا من منفاه الاختياري بمالي؟! بالتّأكيد، إن الأمر لا يتعلّق هنا بفترة نقاهة! فقد قدم هذا الأخير إلى موريتانيا من باريس التي يفترض أن تلقي عليه القبض في أراضيها. ليس هناك من مبرّر لتواجد السنوسي في باريس في هذا التّوقيت بالذّات سوى أن يكون للأمر علاقة بأحداث مالي حيث كان السنوسي يحمل جوازا ماليّا. كيف ومتى ولماذا سافر السنوسي من مخبئه إلى فرنسا ثمّ عاد إلى موريتانيا؟ ما جهله إخواننا في الحكومة هو أنّ رحلة السنوسي انطلقت من فرنسا نحو موريتانيا على متن الخطوط الملكية المغربية (A .T /701/ORLY) على السّاعة السادسة وعشرين دقيقة مساء من باريس وصولا إلى كازابلانكا على الساعة الثامنة ونصف، قبل أن تستكمل الرّحلة طريقها إلى نواكشوط. اعتقال السنوسي وحادث المرّاح: أية علاقة؟ تزامن خبر اعتقال السنوسي بنواكشوط مع ما شهدته فرنسا من حدث مروّع، أثار ولا يزال يثير أكثر من نقطة استفهام. يتعلّق بإقدام شاب في العشرينيات من العمر ، أعني المدعو "محمد مرّاح"، بتفجير مدرسة يهودية في أحد أحياء مدينة تولوز الفرنسية والقيام بهجمات في مونتوبان أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود وثلاث أطفال يهود. التغطية الخبرية للحدث تؤكّد ببساطة أنّ الأمن الفرنسي أخفق في إلقاء القبض على مرّاح حيّا بعد أن أرداه قتيلا على إثر مقاومة تجاوزت الثلاثين ساعة بكاملها(بدأت المواجهة عند الساعة الثالثة صباحا يوم الأربعاء وانتهت تقريبا على الساعة الحادية عشر والنصف يوم الخميس). بدوره أكّد وزير الدّاخلية الفرنسي كلود غيان أنهم عثروا على مراح مقتولا بعد أن قفز من نافذة الشّقة التي كان يختبئ فيها. جاء هذا التصريح بعد أن كان في أولوية أجندة كلود غيان أن يتمّ إلقاء القبض على مراح حيّا لتسليمه للعدالة. لقد كان الحدث من حيث المبدأ مروعّا وإرهابيا بامتياز. لكن هذا لا يعدم مساءلة الجهات المعنية في فرنسا. أيّا كان الأمر ، هل كان من الممكن الاعتقاد بأن الأجهزة الفرنسية ستسمح أن يسكن رجل من القاعدة بجانب مدرسة يهودية مع علمها المسبق بأنّ الشخص المذكور سبق وأن زار قندهار وبيشاور؟! وقد كشف المدّعي العام الفرنسي أنّ الأمر يتعلّق بشاب كان جانحا من الأحداث إذ أدين 15 مرّة في طفولته الموسومة بالعنف والاضطراب، بالإضافة إلى فراره من الجيش وميوله المتطرّفة وسفره إلى أفغانستان وباكستان. وكان غيان قد أكّد على أنّ السلطات الفرنسية كانت تراقب محمد مرّاح بعد أن تمّ استدعاؤه في نوفمبر 2011م والاستماع إليه في مركز المخابرات الدّاخلية في تولوز بعد عودته من أفغانستان وباكستان. يبقى التساؤل واردا : كيف سمحت السلطات الفرنسية لشخص يقع تحت الرقابة المشدّدة أن يسكن بتولوز حيث توجد أكبر مدرسة وطنية للطيران. وحتى مع فرض سماحها بذلك لأسباب تقدّرها الجهات المعنية فلا يمكن أن ينجح شخص تحت الرقابة بتنفيذ هذه المهمّة بسهولة قبل أن يلقى عليه القبض؟! ولا يقف التساؤل هنا بل ثمة ما يثير انتباه المراقب بخصوص أداء وحدة النّخبة والمدّة التي استغرقتها عملية إلقاء القبض على مرّاح. إذ كيف يعجز الجيش والأمن الفرنسي من إلقاء القبض على الشخص المطلوب إلاّ بقتله بعد 32 ساعة وهو في بيت معزول جدّا. لم يكن هذا متعارفا عليه في أسلوب وتاريخ التّدخّل الأمني الفرنسي. ففي عام 1979م لم يكلّف الأمن الفرنسي إلقاء القبض على جهيمان ومجموعته المسلّحة في الحرم المكّي سوى وقت قصير، عن طريق استعمار قنابل لشلّ الحركة. فكيف تنجح القوات الأمنية الفرنسية في الحرم المكي على سعته وتفشل في بيت معزول في تولوز ؟ التّشكيك هنا وارد لا سيما بعد اعتراف وزير خارجية فرنسا ألان جوبيه بوجود ما من شأنه أن يثير تساؤلات حول مجريات الحدث. يقول ألان جوبيه: إنّي "أتفهم أن يطرح سؤال حول وجود ثغرة لا بد من إلقاء الضوء على المسألة". ترى هل قدّمت فرنسا حتّى الآن ما يلقي الضّوء على هذه القضيّة؟ يستطيع المراقب لصيرورة الأحداث أن يتساءل إن كان الأمر يتعلّق باختلاق حادثة (المرّاح) كمحاولة لإلهاء الرّأي العام الفرنسي تحديدا لتمرير مشاريع سياسية قادمة يلعب فيها عبد الله السنوسي دورا بارزا. وليست تلك أوّل مرّة يتمّ فيها استغفال الرّأي العام باختلاق أحداث واستنفار عام للأمن وإشغال العالم برفض تأشيرة الشّيخ القرضاوي. فالفرنسيون تحديدا هم أكثر من غيرهم معرفة ببؤس الثقافة السياسية للرأي العام. كان ريجيس دوبريه واحدا ممن فقدوا الأمل في الرّأي العام الفرنسي، لشدّة تقلّبه. فالحدث السريع لا يشغل بال الرأي العام، فلا بدّ إذن من تمديد مدّة الحسم. فعودا على بدء نتساءل:أليس من الطبيعي أن يتم اعتقال السنوسي في فرنسا قبل ذلك، لا سيما وأن فرنسا شريك أساسي إن لم نقل قائد عملية إسقاط نظام القذّافي؟ ماذا كان يفعل رجل القذّافي الأوّل في باريس في هذا التّوقيت بالذّات؟!هناك أحداث تتسارع هذه الأيّام في ليبيا وحولها تثير أكثر من نقطة استفهام. ولقد عوّدتنا القوى الكبرى أن تفتعل أحداثا جسام قبل أن تنزل خططها الكبرى على الأرض. شمال أفريقيا اليوم يتعرّض لنوع جديد من الألعاب. لن نتفاجأ إن اكتشفنا بعد فترة أن مخططا معاكسا لما يجري في ليبيا يقضي بإعادة رجال القذّافي إلى الحكم في ليبيا. ففي الأصل لم يكن تدخّل فرنسا مبدئيّا في ليبيا بعد أن تمّ الحديث بإسهاب عن خبر تمويل القذّافي لساركوزي في الانتخابات. لكن للنفط والغاز منطق مختلف وغواية تؤسّس لكبرى مفارقات السّياسة. فلن تكون عودة آل(البربون) القذّافي أو مقرّبيه إلى ليبيا أو شطر منها إن افترضنا التقسيم بمعجز لفرنسا .مثل هذا المشروع يقتضي شكلا من الإلهاء والترنسفير النّاعم لقادة الثّورة. لكن ، هل سيكون لعودة رجالات القذّافي إلى الحكم في ليبيا ثمن على حساب استقرار المنطقة ووحدة التراب الليبي؟ أي مستقبل ينتظر الثّوار ؟ الثّورة بلا فكر لها بداية مغرية ونهاية سيّئة. وهي بدون رؤية سياسية وإستراتيجية، انتحار على مذبح المؤامرة. الثّورة جدّ لا هزل. والبناء فيها أصعب من الهدم. بل هاهنا يبدأ الجهاد الأكبر. فالنوايا الحسنة مكانها الصوامع والبيع والمساجد. وإن كانت قد خلت هي الأخرى في زماننا الملتبس من أثر النوايا الطّيبة بعد أن هدّمت وانتهكت حرماتها ولم يعد المرء آمنا على نفسه أن يصلّي. النوايا الحسنة لا تجري فوق رقعة الشطرنج. ولا توجد في الرؤوس التي تورّمت بمشاعر الثّأر القبلي أو التّطلع إلى منطق الصّفقات. وفي السياسة والحرب كانت وستكون الحكاية خدعة. في ليبيا استبدّ القذّافي واستأثر بالحكم واستخفّ بقومه فوصفهم بأبشع الأوصاف. لم يعد هناك أي مخرج من هذه الدّيكتاتورية، مما مهّد طريقا ملكيّا للتّدخّل. إن الاستبداد جاذب للاستعمار. لكن السذاجة والخوف يطيلان من عمره. سقط نظام القذّافي وسرعان ما صدّق الجميع أنّ الثورة باتت خالصة لوجه الله ولأجل الشّعب وكأنّها المحجّة البيضاء ليلها كنهارها. من هو الغريب الذي يقول هذا في حقّ السياسة والحرب؟ الدّنو من الحدث الليبي يكشف عن مسارات ملتبسة لإدارة أزمة ما بعد انهيار النّظام. وكما في الحرب هناك خطط بديلة وأخرى ترتجل وتغيّر مسار الحرب ووجهة السياسة. تماما هو ذا ما حدث في ليبيا على حين غفلة من ثوارها. فاللاّعبون في ليبيا هم أنفسهم اللاّعبون في سوريا. وقد سعى هؤلاء لكي يجعلوا من سوريا بؤرة لأزمة مفتوحة من شأنها أن تشكّل عنصر إلهاء لما يجري في ليبيا من صراع على النفوذ والحكم. لكن بعد أن بلغ الإخفاق نهاياته بدأ العدّ العكسي يسلك بالأزمة إلى مربّعها الأوّل: ليبيا. لقد تزامن إخفاق اللاعبين في سوريا مع إعادة خلط الأوراق في ليبيا. هذه العلاقة الجدلية بين وقائع الساحتين السورية والليبية يؤكّد على أن الأزمة تتهيّأ للانتقال إلى الشّمال الأفريقي، وأنّ الفوضى الخلاّقة تشقّ طريقها نحو المنطقة. انكسار المشروع الأمريكي والفرنسي في الشّرق الأوسط بفعل ممانعة النّظام السّوري وتصدّي روسيا والصين وسائر دول البريكس أدّى إلى تراجع النّاتو باتجاه الحلقة الأضعف، ألا وهي ليبيا التي تواجه اليوم أعمالا مسلّحة تهدّد بحرب أهلية وتقسيم البلاد. ستكون ليبيا مرشّحة لصيف حامي بقدر ما تتراجع فيه الأزمة السّورية. فمخطّط تفجير الوضع في الشّمال الأفريقي لا زال مطروحا على الطّاولة. ولا يستبعد أن تبلغ النّوبة إلى الجزائر كما توعّدتها قطر قبل شهور. أمّا فرنسا فقد تراجع حماسها ضدّ دمشق بعد أن تمّ القبض على عدد من الضّباط الفرنسيين بين المجموعات المسلّحة داخل سوريا مما أدّى إلى انخراط فرنسا في صفقة لاستلام الضباط الفرنسيين مقابل التراجع عن التّدخّل في سوريا وإرجاع السفير الفرنسي يومها إلى دمشق. كانت تلك ضربة معلّم من دمشق لحكام الإيليزيه لم يكشفوا عنها للرّأي العام فيما دمشق لم تمعن في الإحراج.ألان كورفيس ضابط فرنسي برتبة عقيد تولى مناصب مهمّة ، كنائب مدير جهاز مكافحة التجسس في فرنسا و مستشارا أمنيا لدى رئيس الوزراء ومستشارا لقائد قوات الطوارئ الدولية في لبنان؛ جمعت بيننا رفقة طويلة ضمن الوفد الذي زار سوريا في الشهور الأولى للأزمة. وقد جرى بيننا حديث في نهاية الرّحلة، لمست منه قراءة مغايرة للأحداث. اعتبر ألان كورفيس أن خبر اعتقال الضّباط الفرنسيين المتورطين في مساعدة المسلحين داخل سوريا بات أمرا شبه مؤكّد رسميا. وقد اعتبر الضّابط موقف فرنسا بناء على ما سبق، على قدر كبير من الخطأ، حين تساءل: "ماذا ذهبوا ليفعلوا في هذه الورطة؟ لقد أصبح جنودنا يرسلون أكثر فأكثر للدفاع عن مصالح ليست مصالحنا ولكنها مصالح أمريكا(...)لقد أصبحت دبلوماسيتنا غير مستقلة ومدمرة لسمعتنا الدولية في اشتراكها بالتدخلات الأمريكية القطرية". لقد خفت صوت برنار هنري ليفي ليسدل السّتار عن الوجه الثّقافي للتّدخل الفرنسي. كانت آخر تصريحات فيلسوف الثورة الليبية أن سوريا ليست هي ليبيا وأن بشّار الأسد ليس هو القذّافي. وإذن عاد برنار هنري ليفي ليؤكّد على ما صرّح به بشّار للصحافة يومئذ، بأنّ سوريا ليست هي مصر أو تونس؛ كان هذا آخر موقف له قبل الاختفاء عن المشهد وبعد أن ورّط صديقه برهان غليون في القبول بالتّدخل بعد أن كان يراه أهون من دخول الجحيم كما يصرح برنار ليفي. تأثّر المجلس الوطني السوري بهذا الموقف حيث كلّ شيء فيما بين دمشق وباريس تمّ تحت الطّاولة. وقد تكرّر الأمر نفسه مع أنقرة. لن يكون اللّعب فرنسيّا في الشّرق الأوسط أشطر من اللّعب أمريكيا. هنا لا مجال للمغامرة أوتجريب المجرّب. قبل فترة نبّهنا إلى خطورة مخطط إغراق الثوار اللّيبيين في المستنقع السوري. اليوم يبدو أننا أمام تنسيق قطري فرنسي لإنجاح هذه المهمّة. وثمة ضغوط كبيرة وحقيقية تمارس على الثوار للانخراط في الأعمال المسلّحة في سوريا عن طريق تركيا. وواضح أن المعنيين بالهيمنة على الحكم في ليبيا يواجهون اليوم تحدّي الثوار. وليس أمامهم من طريق غير إشغالهم بمشاريع منها الانخراط في إمداد الجيش الحرّ والمقاتلين في سوريا وكذا تأمين مرور مقاتلين من البلاد المغاربية إلى حدود سوريا. يدرك واضعي الخطّة أن سوريا مستنقع جدير بأن يستغرق جهود قادة الثورة الليبيبة. وكان هذا هو المخطط قبل أن ينقلب السحر على الساحر في موضوع خروج محمود جبريل من ليبيا بتأثير من الثّوار وامتصاص غضبة الثّوار من قبل قطر. بينما هو صديق قطر المقرّب وشريك برنار هنري ليفي الحميم. وثمة مؤشّرات تؤكّد اليوم على تهييئ المناخ لإعادته إلى ليبيا. كان المخطط يرمي إلى إخراج الثوار من ليبيا وإشغالهم بسوريا حتى إذا عادوا بعد معركة استنزاف طويلة عدّوا في عداد الأفغان العرب فتنسدّ الحدود في وجوههم مجدّدا كما جرى مع المقاتلة في وقت سابق. هنا التاريخ يعيد نفسه. ليس من قبيل الصّدفة أن تسنّ فرنسا قانونا جديدا لتجريم كلّ من تدرّب للجهاد في أيّ معسكر من المعسكرات. هل يا ترى سينطبق ذلك على الثوار الليبيين في المستقبل؟! لا يزال الثوار في ليبيا يجهلون فصول اللعبة أو ربما يستشعرونها بشكل مبهم جدّا. ومع أنّهم كغيرهم كانوا على علم بتنقّل عبد الله سنوسي في مثلث مالي الجزائر موريتانيا إلاّ أنهم لم يدركوا عمق اللعبة التي تدار من باريس.لا يجتمع الثوار مع السنوسي في مشروع واحد. فلا بدّ لفسح المجال أمام أدوار جديدة للسنوسي بمقتضى المشروع المصمم للمنطقة، أن يغادر الثوار ليبيا إلى الحدود السّورية. فالثّوار وحدهم من سيشكّل عقبة ضدّ عبد الله سنوسي. فقد كان هذا الأخير أقرب الشخصيات إلى القذّافي، ففضلا عن أنّه ترأّس " الكتيبة" المكلّفة بحماية الزعيم اللّيبي، وكونه زوج أخت الزوجة الثانية للقذّافي صفية فركاش، فهو متّهم بقمع الثّورة الليبية في بداياتها، كما اتهم بالمسؤولية عن المجزرة التي تعرّض لها سجن أبو سليم بطرابلس عام 1996م التي قضى فيها قرابة 1200 من السجناء السياسيين. الوفاء الفرنسي للثّوار لا سيما أبناء المقاتلة ليس من ثوابت الاستراتيجيا الفرنسية.فهناك رهانات متجدّدة تقضي بتعديل المخطّط أو المضيّ فيه إلى مديات لم تكن في وارد الثّوار الطّيبين.إن فرنسا لم تكن بعيدة عن انقلاب مالي الذي كان أيضا للسنوسي دور فيه كبير. وهنا لا أحد يفهم كيف يكون السنوسي مطلوبا لأجهزة المخابرات الفرنسية وفي الوقت نفسه يسافر إلى باريس وينخرط في التنسيق معها بخصوص مالي وقضايا أخرى . إنّ الذي رتّب مسألة تهريب السنوسي وعائلته خارج ليبيا هو شخص ليبي من أصول مالية، مقرّب جدّا من عبد الله السنوسي. أعني قائد الحراك في شمال مالي محمد نجم.ولا يمكن الحديث عن حراك الطوارق في مالي ومنطقة الساحل دون الحديث عن السنوسي. فقد كانت أدرع القذّافي في هذه المنطقة طويلة عن طريق يده اليمنى عبد الله السنوسي. يعيدنا هذا إلى أصل السؤّال: ترى هل كان مقتل القذافي مطلوبا من النّاتو، أم أنّ الثوار استعجلوا قتله قبل أن تصل إليه قوات الناتو. ثمّة من المعطيات ما يجعلنا نؤكّد على أنّ مقتل القذّافي كان مرغوبا فيه من قبل النّاتو وبعض دول الخليج، لأسباب تتعلّق بالخوف من محاكمته واعترافاته ومن ناحية لأسباب تتعلّق بالثّأر. لكن هذا لا ينفي رغبة الثّوار بقتله فور الإمساك به. حتى ذلك الوقت كان من المفترض أن يكون القذّافي هو البديل عن بن لادن في المنطقة. قد يكون لحادث قتل بن لادن المحفوف بالغموض صلة ما بميلاد زعيم آخر. شمال أفريقيا والخطر القادم كيف يتمّ التخلّص من هذه الموارد البشرية واللوجيستيكية التي تنتقل بعناية بين مناطق الأزمات؟ فأمريكا التي انسحبت من العراق وهي تتهيّأ إلى الانسحاب من أفغانستان تحت طائلة الانهيار الاقتصادي، أوجدت ممرّا لكل هذا الموروث باتجاه سوريا. لكن مع إخفاق القاعدة في سوريا، لا بدّ من الانتقال إلى مناطق أزمات جديدة. وشمال أفريقيا مرشّح لوجبة كبيرة من الفوضى في غياب استراتيجيا مغاربية حصينة. وبالعود إلى مسرحية اعتقال السنوسي، يذكر أنه طار وفد من السلطة الليبية إلى موريتانيا لتسلم السنوسي ثم سرعان ما رجعوا بخفّي حنين. فالسنوسي اليوم ليس قيد الاعتقال في نواكشوط بل هو مقرّب من السلطات الموريتانية وهو يعيش هناك مكرّما. نتساءل مرّة أخرى إن كانت هذه الأدوار التي يقوم بها السنوسي في منطقة السّاحل ستجعلنا في يوم من الأيام أمام انبعاث لدولة طوارق جديدة في المنطقة مؤّلفة من طوارق ليبيا والجزائر وموريتانيا وغيرها تكون حصان طروادة لمشروع جديد يدبّر للمنطقة؟ أم أنّ المطلوب أن نقرأ الأحداث الفرنسية ليس على أساس الاستحقاقات الانتخابية بل على قاعدة المخطّط الكبير الذي يستهدف شمال أفريقيا؛ الخطر الذي ستكون له نتائج وانعكاسات كارثية مع غياب استراتيجيا مغاربية مشتركة ، من شأنها احتواء الأزمة والتّصدّي للمتوقّع.