في مبادرة محمودة يعتزم الأستاذ ميشال داردين Michel Dardenne مسلم بلجيكي يقيم في المغرب أن يصدر كتابا باللغة الفرنسية عنوانه L'Islam dévoilé ويندرج هذا الكتاب في إطار الرد العلمي الرصين على دراسة شهيرة حول المرأة في الإسلام لباحث بلجيكي آخر هو إتيان فيرميرش Etienne Vermeersch الذي يُروج في مداخلاته وأبحاثه للأفكار المعادية للأديان وللإسلام بشكل خاص. ولا حاجة إلى التذكير بأن هذا النوع من الخطاب الذي ما فتئت رقعة انتشاره تتسع يوما بعد يوم في وسائل الإعلام الحديثة يستأثر باهتمام شريحة واسعة من المجتمع الغربي. وليس صدفة أن تتكرر في كتابات إتيان فيرميرش بعض الصور النمطية السائدة التي اعتاد الكثير من الغربيين وأتباعهم إلصاقها دون ترو بالإسلام، وذلك لأنهم جميعهم يمتحون من معين واحد ألا وهو روح الكراهية التي تعمي الأبصار، وتحول دون إعداد العدة للقيام بقراءة موضوعية ومنصفة وعادلة تتحرى الدقة وتتفحص المصادر المباشرة للدين الإسلامي. ومن أشهر هذه الصور النمطية تلك الصورة التي تُصور المرأة المسلمة مهضومة الحق لا حول لها ولا قوة أمام جبروت الرجل الطاغية. فالمسلمون يعاملونها معاملة تعود إلى القرون الوسطى. والنصوص الدينية نفسها تدفع الرجل المسلم إلى عدم احترام النساء لأنهن أقل مرتبة، بل إنهن لا يمثلن في ذهنه المريض سوى أداة لتلبية نزواته التي لا حد لها. ومن ثم فهن لا يتمتعن إلا بالحد الأدنى من الحقوق. ويذهب هذا الكاتب إلى أكثر من ذلك حينما يمس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم جازما بأنه قدم مثالا سيئا لما أقدم على الزواج بعائشة رضي الله عنها وهي لا تزال فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها التسع سنوات وكأنه بهذه الطريقة الملتوية يستحضر الماضي ليرسخ الصورة التي وقرت في أذهان الكثير من الغربيين عن شهوانية المسلمين، وليجد تعليلا تاريخيا لما يحدث الآن في بعض دول العالم الإسلامي من اعتداء سافر على حقوق المرأة. مع أن الإسلام منها براء. إن نقطة الضعف الأساسية التي يعاني منها عمل إتيان فيرميرش تظهر، كما يبرهن على ذلك ميشال داردين في أكثر من موضع، في اجتثاث الآيات القرآنية المستشهد بها من سياقها التي وضعت فيه، وفي اعتماده على ترجمات غير أمينة في نقل النص القرآني الأصلي. ناهيك عن افتقاره إلى المادة العلمية اللازمة (تفاسير القرآن الكريم، كتب الفقه...) التي من شأنها إذا ما توفرت أن تدفعه، إذا كان منصفا، إلى إعادة النظر فيما كتب، والتراجع عن إصدار بعض الأحكام التي تسرع في إطلاقها. ويُعتبر كتاب ميشال داردين الذي يتألف من ما ينيف على مائتين وأربعين صفحة من الحجم المتوسط، والمكتوب بلغة فرنسية سلسة، إضافة نوعية في المكتبة المغربية الإسلامية. وقيمته العلمية لا تتجسد فقط، كما سنرى، في محتواه الذي هو عبارة عن دفاع مستميت عن الإسلام. فما أكثر الكتب العربية الحديثة التي شقت لنفسها هذا الطريق ! كما لا نعدم، قديما وحديثا، أمثلة ناصعة لمسيحيين أسلموا، وألفوا كتبا يجادلون فيها، عن معرفة سابقة بالمسيحية، أبناء ملتهم السابقين. غير أن التركيز في مثل هذه الكتب يكاد أن يكون منحصرا في مسائل عقدية محضة، وغالبا ما يتخذ أسلوب تقويض الأركان التي تقوم عليها المسيحية من وجهة نظر إسلامية. إن أهمية هذا الكتاب تكمن في التفات الكاتب إلى قضية المرأة التي أصبحت من قضايا الساعة التي تحتل حيزا كبيرا من تفكير العقل الغربي الحديث. ومن المهم أن ينبري الكاتب في عمله هذا، وبأسلوب حضاري ما أحوجنا إليه، للرد على الافتراءات التي ألصقت بالمرأة المسلمة. وتزداد هذه الأهمية لما ننظر إلى اللغة التي كُتب بها، وإلى القراء الغربيين الذين سيكتشفون حتما، وهم يقرؤون هذا الكتاب، صورة أخرى للإسلام ولموقف الإسلام من المرأة، مخالفة تماما لما تروجه الآلة الجهنمية للإعلام والنشر في الغرب. ولقد مست الردود البالغ عددها أربعة وعشرون قضايا كثيرة. غير أن الجزء الأعظم منها كان موجها نحو وضعية المرأة في الإسلام من قبيل الزواج والطلاق وشهادة المرآة والإرث والحجاب والعلاقة بين المرأة والرجل. كما أن للباحث رأيا معينا في عمر عائشة رضي الله عنها عندما تزوجت بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الرأي الذي يستحق أن ينُاقش من لدن باحثين متخصصين في الدراسات الإسلامية. * مختبر حوار الحضارات ومقارنة الأديان (كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس)