مبدأ العدل (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون ((القصص:4-6) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِي ) (البقرة 258) " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي..." رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة. لطالما كان السلوك السياسي في حياة الناس معزولا ، نجحت العلمانية في فصل الحياة العادية للناس – وليس الدين والأخلاق فقط – عن السلوك السياسي ، بل حتى صار بعض الناس يعتقدون أن الخبز والخضروات والسياسة أمران منفصلان،وأن ما يعرفه المجتمع من انحطاط أخلاقي مهول راجع للأفراد وليس إلى السياسة ، في مفهومها العلماني المنفصل عن الأخلاق والدين ، بالرغم من أن السياسة هي التي تتحكم في الإقتصاد وفي مؤسسات التنشئة وتصرف إيديولوجيتها من خلال هذه المؤسسات التي تعتبر قنوات للصرف ! إن الحديث الشريف ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) والمقولة الشهيرة لعمر بن الخطاب : (لو أن جملا على شط الفرات زلق فهلك ضياعا لخشيت أن يُسأل عنه عمر لِمَ لم يمهد له الطريق) يصلان حيواة الناس وما يعتريهم من أخلاق وسلوكات وضنك العيش بالسياسة أي بالملك أو السلطان أو رئيس الدولة ، وفي الأثر أيضا : (فئتان من الناس إذا فسدتا فسد الناس : الأمراء والفقهاء) !وهذا في صحته لا يتناطح عليه كبشان. إن الدين السماوي - ولا أقول الأديان لأن الدين عند الله الإسلام بما في ذلك اليهودية والمسيحية قبل تحريفهما – وهو الرسالة الواحدة للأنبياء كلهم من قبل جاءت بعقيدة "لا إله إلا الله" لتخليص الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، لقد كان المستبدون الذين قص علينا القرآن من أخبارهم : فرعون والذي حاج ابراهيم في ربه هو الملك النمرود وملك الأخدود وغيرهم ذوي طبائع واحدة : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ،( أنا ربكم الأعلى ) ، ( ما أريكم إلا ما أرى). وهي ذاتها الطبائع التي تتكرر في التاريخ وتوالي المجتمعات كما هو الحال اليوم مع الطغاة الذين أسقطهم الربيع العربي فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، ألم يرددوا مقولة فرعون في إصلاحاتهم الدستورية المزعومة : (وما أريكم إلا ما أرى )؟ ! فحددوا للناس مدار الإصلاح وعينوا اللجان على طريقة المنحة! لكن "العيال" فطنوا وعلموا أنه لا إصلاح فقدموا أرواحهم ودماءهم وأموالهم للتغيير.. إن الدين السماوي إذن أرسى مبدأ سياسيا وأخطأ من يقول فصل الدين عن السياسة لأنه لا يدرك هذا الجوهر أبدا ، ودعواه تلك مجرد مسلمة أسسها على نسق معين هو نفسه مؤسس على مسلمات ! الدين السماوي يأمر بالعدل وتأدية الأمانات إلى أهلها ، ولم يتبق اليوم من هذا الدين السماوي إلا الإسلام والمسلمون بعلمائهم ملزمون بفتح مناظرة عالمية بين مختلف عماء الديانات لإثبات هذه الدعوى ومن حق الآخر أن يثبت عكسها ، مبدأ العدل مبدأ شامل وقاعدة عامة ، والإسلام منح للعقل مكانته في إبداع نظم سياسية تأخذ بهذا المبدأ ، وأن الإسلام والدين عموما والعلمانية والديمقراطية نظم لا تختلف في هذا الباب ، لأن النظام السياسي ينبغي أن يؤسس على مبدأ العدل أو العدالة وهي كلها مبادئ ساهمت الأديان في صياغتها – الإسلام وحتى الديانتين المحرفتين- ونوقشت قبل عصر "التنوير" وتطلعت إليها الإنسانية ثم تبنتها العلمانية والديمقراطية أو قل سرقتها وزعمت إبداعها، فالنقاش العقيم حول فصل الدين عن السياسة نقاش مفتعل وأن العلمانية ذاتها والديمقراطية نفسها والإسلام عينه ، ضحايا أهلها !! إن الله تعالى لايقص هذا القصص عن هؤلاء المستبدين الطغاة للتسلية وحسب بل للإعتبار وأن هذه النفسية الجاهلية تتكرر عبر التاريخ متى انفصل الإنسان عن الرسالة والنبوة ، فإذن القضية ليست قضية أسماء بل قضية نفوس متجبرة ذلك لأن نفسية المستبد ملأى بالغرور والاستعلاء والإستكبار والاستنكاف من احترام آراء الآخرين ومصادرتها بل وقد يصل الحد به إلى معاقبة الناصحين الصادحين بالحق ، إن المستبد منفصل عن مقتضى الإسلام وما يقتضيه من تشاور ومشاركة واستشارة بل هو يستبد برأيه ولايقبل مناقشته فيه ، يستعلي على شعبه ويتفنن في تكريس أسباب الشقاء ويصادر حقوقه ويميع مصالحه بمؤسسات وهمية وينال من قيمه ويدمر أخلاقه ..إنه يشعر بأنه فوق البشر ، وفوق القانون ، وفوق الدستور ، وسلطة فوق السلط ! يشعر إلى حين.. من هنا كان صميم التوحيد تعريف الناس ، الناس جميعا بأنهم مخلوقون وأنهم سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لأحدهم على الآخر ، ولا تمييز بينهم إلا بالتقوى ، والتقوى لا يطلع عليها أحد غير الله ! وأن الله خلقهم لعبادته هو ، للخوف منه هو وحده ، ولاينفع في ذلك أن يعبد اثنان أو يخاف خوف عبودية من اثنين ، وإلا كان ذلك شركا باعتبار أن من الخوف من غير الله ما يضع صاحبه في درجة الشرك وهو خوف آخر غير الخوف الفطري ، والله "لا يغفر أن يشرك به " ! إن المسلمين اليوم بحاجة إلى مراجعة عقيدتهم التي انحرفوا عنها ، كيف لا ينحرفون ومصدر المعرفة مفتقد والقدوات غائبة والناصحون محاصرون ، كيف لا والدعوة الإسلامية نفسها محاصرة داخل "المجتمعات الإسلامية " ، والحكام وحكوماتهم الذين اشتغلوا بجمع الثروة أدخلوا ألوان المفاسد ومختلفات العهر والإباحية لمجتمع هو صناعتهم ، مجتمع غدا مضرب المثل في الفساد والجريمة والفقر المادي والمعرفي ، ودعاة الإسلام في غفلة أو تفاهة وفقهاء السلاطين يلبسون عليهم تلبيسا ، حتى رأينا من يحصل على المأذونيات لقاء بيعه للدين واتخاذه سخرية بفتاوى حشاشين ثم يلقب نفسه بعد ذلك بالعالم بلا ذرة من حياء أو ورع ! [email protected] www.anrmis.blogspot.com