يوم السبت، كان للصحفيين والمهتمين داخل المجال الإلكتروني لقاء في إطار اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الاتصال بالرباط، اللقاء كان أول مناسبة رسمية للوزارة مع هذا المجال الذي يتطور بسرعة في بلادنا، فأضحى منافسا كبيرا لوسائل الإعلام التقليدية من راديو وتلفزيون و صحافة مكتوبة. وبعيدا عن لغة الضحية التي حاول الكثير من المشتغلين داخل هذا المجال فرضها على اللقاء، وبعيدا كذلك عن لغة الخشب التي أمطرنا بها عدد من ديناصورات الإعلام التقليدي، كان هذا اللقاء في نظري فرصة لاكتشاف بعض من حقائق ميدان يرى فيه الكثيرون مستقبل الإعلام، ومن بينها اكتشاف من يدعون أنهم صحفيون إلكترونيون يقولون أن الدولة تخنقهم ولا تدعمهم، لدرجة أنهم صوروا لنا أنفسهم كأحسن ما أنجبت الصحافة المغربية على الإطلاق. أزيد من 400 موقع إخباري بالمغرب، رقم عندما يراه الواحد منا قد يعتقد أن المغاربة يعيشون تخمة في إنتاج الأخبار، في حين أن أغلب هذه المواقع مجرد مساحات للسرقة وللنقل باسم الصحافة، وعوض أن يعترف هؤلاء بأنهم متطفلون على هذا الميدان، لبسوا أحسن ما عندهم من ثياب، واختاروا ربطة عنق ومحفظة، وأتوا ليعلموا الناس الصحافة الإلكترونية في حين أن أكثرهم لا يملك من صفة صحفي سوى ما يتخيله دماغه. الكثير منهم، عندما سمع بأن الوزارة ستنظم هذا اليوم الدراسي، تهللت أساريره واعتقد أن وقت اقتناص غنيمة أموال الدولة قد حان، فأتى وكله أمل في التعريف بموقعه الرديء وفي الحديث بفخر عن إنجازاته الشخصية، لدرجة أن البعض كان يردد بأنه يفهم في الصحافة أحسن من نور الدين مفتاح ومن بوعشرين ونيني وغيرهم ممن خبروا دروب الصحافة المغربية المظلمة، ولا أدري كيف يفهمون في الصحافة إن كان الكثير منهم لا يعرف حتى الفرق بين الربورتاج والتقرير والتحقيق والعمود الصحفي.. ما يحدث بالمغرب حاليا بعيد عن أن نسميه بالصحافة الإلكترونية، فهو نوع من التجني على الصحافة، ويكفي أن نعرف أن أغلب من يسمون أنفسهم بصحفيين في المجال الإلكتروني هم مجرد أشخاص يتقنون الوسيلة المعلوماتية، ويعرفون طريقة شراء دومين واستضافة ثم تركيب تصميم إلكتروني، فبحثوا عن طريقة يربحون بها القليل من أموال جوجل وبعض الشركات المحلية، فلم يجدوا غير موقع إخباري لا يكلفهم الكثير من التعب ما دامت مواقع الجزيرة والعربية ومواقع الجرائد الورقية تقدم الأخبار، التي يتم نقلها ولصقها في هذه المواقع، فيصير الأمر شبيها بتلك الرسائل النصية التي تصلنا في أيام الأعياد، والتي تحمل نفس الأخطاء الإملائية، لأنه ببساطة، هذه المواقع لا تبحث حتى عن قراءة الخبر، وإنما عن ملأ الموقع ما أمكن، والحديث للناس على أنه يتم تحديثه بصفة مستمرة. التجارب الناجحة حاليا في الفضاء الإلكتروني، كلها يقودها صحفيون مهنيون قضوا في مهنة المتاعب سنوات طويلة،وباستثناء موقع هسبريس الذي قص الشريط الافتتاحي للصحافة الإلكترونية ببلادنا، فكل المواقع الأخرى التي لديها مصداقية في الخبر، يرأسها صحفيون مهنيون، ليس بمعنى وزارة الاتصال المغربية، ولكن بالمعنى العالمي للصحفي المهني، ولا أعتقد أن أسماء مثل أنوزلا ومكريم ونجيم يغفل عنها القارئ المغربي، لأنها أسماء قدمت الإضافة منذ مدة للعمل الصحفي بالمغرب ولم تنتظر حتى سمعت عن غنيمة الانترنت لكي تختار الصحافة. الأكيد، أن التعميم لغة المجانين والحمقى، والأكيد أن هناك بعض الصحفيين الذين ظهروا فقط في الجانب الإلكتروني، لكنهم استطاعوا أن يتميزوا، ليس لأنهم ينظرون للصحافة كتمضية فراغ وكفرصة لاقتناص بعض أموال الدعم والإشهار، وإنما لأنهم في قرارة أنفسهم يعشقون العمل الصحفي، فسعوا إلى تنميته سواء عبر التكوين حتى وإن كان ذاتيا، أو عبر طرق أبواب المؤسسات الإعلامية المعروفة طلبا للخبرة، غير هؤلاء، البقية مجرد جعجعة في طحين وزوبعة في فنجان، ويكفي أن نعرف أن العديد ممن حضر يشتغل في إطار التدريس، فلا هو أتقن المهنة التي بفضلها يستخلص أجرا شهريا، ولا هو ترك مهنة المتاعب لمن يستحق دخول غمارها. قبل التفاوض مع الوزارة طلبا للحقوق، وقبل تقديم الدروس في المهنية والعطاء، على الصحافة الإلكترونية أن تتخلص من كثير من الشوائب التي تتناثر على طريقها باسم حرية التعبير والإعلام الجديد، وعليها أن تكون هيأت حقيقة يرأسها ناس في المستوى الحقيقي للصحافة، وتضم صحفيين يشتغلون وينتجون وليس كائنات تسرق المواد وتزور المعطيات ، فالمغرب يحتاج فعلا لصحافة إلكترونية جادة تعبر عن هموم هذا الشعب بمصداقية، لأن نواقص الإعلام التقليدي ببلادنا واضحة للعيان، ولا نريد أن تصبح حتى الصحافة الإلكترونية فضاء للفوضى واقتناص الفرص، وإلا فلا حاجة لنا، مادام الفايسبوك وتويتر بقادرين على نشر الأخبار بسرعة أتحدى أن يقدم عليها أي موقع كان.. [email protected] https://www.facebook.com/ismailoazzam