هكذا كانت النهاية... "" بعد تعرضه لاستنطاق خلال الليلة الأولى من الاعتقال، وكان ذلك يوم الجمعة 25 أكتوبر 1963 بمخفر الشرطة بجامع الفنا، أكره أطلس على البصم على المحضر قبل حمله في سيارة توجهت إلى دار "المقري" حيث وجد في استقباله بدر الدين بنونة، أحد كبار الضباط في جهاز "الكاب 1"، وبوشرت معه عملية الاستنطاق تحت التعذيب، وكانت الحصيلة الاعتراف ب 13 شخصا من مراكش والرحامنة وقلعة السراغنة وآيت ورير... هكذا أجهضت العملية، يقول محمد لومة، بشكل فج نظرا لغياب التعامل الثوري المحترف ولوجود حلقات ضعيفة في مسلسل الإعداد للعملية، علما أن عملية اغتيال الملك وأفقير وكديرة، تعتبر أول عملية، في سجل الحركة الاتحادية، استهدفت رئيس الدولة، تلتها عملية مهاجمة الطائرة الملكية في 16 غشت 1972 التي تأكد ضلوع الاتحاديين فيها. وإذا كان عناصر القوات الجوية قد أدوا الثمن توا وبشكل واضح ومباشر (إعدامات وجحيم تازمامارت)، فإن الطرف الآخر، المدني، أدى ثمن تواطئه حسب خطة وعلى مراحل، عبر الطرود الملغومة الموجهة إلى كل من اليازغي وعمر بنجلون صباح تنفيذ الإعدام في أمقران والكويرة ومن معهما، وكذلك الضربات الموجهة إلى عبد الرحيم بوعبيد على مراحل، اسقاطه في أكادير ثم اعتقاله فيما بعد، وسلسلة من المضايقات التي طالت علال الفاسي اعتبارا لعمله، ثم جاء دور الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي. ويقر محمد لومة، أن محاولة اغتيال الثلاثي، الملك والجنرال والمستشار، دفعة واحدة، سنة 1963، كانت نوعا من الهجوم في وضعية دفاع، اعتبارا لموجة التنكيل والتصفية والاعتقالات التي طالت مناضلي الحركة الاتحادية، علما أن الحمولة الفكرية للأشخاص الذين دبروا لهذه المحاولة الانتقامية لم تمكنهم من التخطيط الجيد والمتأني، ومن تحديد الأهداف المراد تحقيقها والغاية منها ولما بعد حدوثها. وإنما الذي كان حاصلا آنذاك هو مجرد رد فعل للتخفيف من الوطأة على المناضلين. هكذا كان ينظر المخططون للعملية، إلى الأمور دون التساؤل حول كيفية توظيف العملية والإعداد لما بعدها، لأن الأمر انحصر في القيام بعمل من نوع انتقامي في ظل غياب رؤية واضحة أو استراتيجية محددة المعالم، الشيء الوحيد الذي كان بارزا هو أن تلك المحاولة الجريئة من شأنها المساهمة في فك الطوق على الجزائر في الوقت الذي كان النظام المغربي يحضر فيه للحرب معها، آنذاك لم تكن الجزائر تملك طائرات ولا مدرعات ولا مدفعية، في حين كانت طائرات "ميك 17" ودبابات "إيم إيكس" ومدفعيات الميدان في حوزة الجيش المغربي، وكان الجيش الجزائري آنذاك مكونا فقط من المشاة. وقتئذ كان عبد السلام الجبلي بمعية مجموعة من المناضلين بالجزائر، والذين حاولوا محاصرة النظام المغربي حتى لا يقوم بالهجوم على الجزائر التي كان التعامل معها، بفعل المقاومة المشتركة، لا يمكن أن يتخذ طابع التعاون مع نظام أجنبي أو التواطؤ مع جهة خارجية عدوة، بل كان التعامل مع رفاق في الكفاح. ويضيف محمد لومة، كان بن سعيد آيت يدر هو الممسك بخيوط الإشراف على إعداد عملية اغتيال الملك وأفقير وكديرة بمراكش سنة 1963، وكان أعلى أفراد المجموعة ثقافة وتكوينا ودراسة، إذ كان حائزا على العالمية في سنة 1954، وما تبقى من المناضلين، كان مستواهم الدراسي ضعيفا جدا. كما كان هناك اتصال شبه مستمر مع عبد السلام الجبلي الذي كان يبلغ تعليماته لمجموعات الدارالبيضاءومراكش ومجموعة الضباط عن طريق آيت يدر، وكانت مباركة الجزائريين لتلك العملية قائمة، سعيا وراء فك الطوق عليها. على سبيل الختم يختم محمد لومة حديثه بالقول، كان النظام المغربي آنذاك يتعامل مع المعارضة بضغط من إملاءات رضا كديرة، الذي كان يرعى مصالح اللفيف الأجنبي والمصالح الفرنسية، وكان قد تسلم وكالة "هافاس"، وهي أول وكالة إشهارية بالمغرب باعتباره قائما على مصالح فرنسا بالمغرب، والتي كانت آنذاك مازالت تتوفر على قوة عسكرية قوامها 64 ألف جندي فرنسي، في حين أن الجيش الرسمي لم يكن يتعدى 15 ألف جندي وثلاث أرباع ضباط الأمن الوطني من الفرنسيين، الشيء الذي سهل محاصرة الحركة الوطنية مما دفعها إلى السعي لاستكمال التعهدات مع الجزائريين. ضمن هذا الإطار العام (وعلاوة على ما ذكر أعلاه) تم التفكير في إعداد عملية اغتيال الملك الحسن الثاني والجنرال أفقير والمستشار رضا كديرة بمراكش سنة 1963. هذه هي رواية محمد لومة، فكيف يروي محمد بلحاج أطلس، "الرجل الذي صافح الموت"، هذه النازلة وتداعياتها؟ محمد بلحاج أطلس/ مقاوم رواية من قلب الحدث محمد بلحاج أطلس، ناضل في صفوف التيار الثوري الوطني إلى أن اعتقل في غضون شهر أكتوبر 1963 وحوكم بالإعدام، وبعد مدة خفضت العقوبة القصوى إلى السجن المحدد، ولم يخرج من السجن إلا في سنة 1963 بعد قضاء أكثر من 20 سنة خلف القضبان، لذلك لقب بعميد المعتقلين السياسيين بالمغرب المستقل. كان أطلس إنسانا بسيطا في حياته، وكونه لم يلج المدرسة قط لم يقلل من شأنه لأنه تعلم القراءة والكتابة بعد أن تخرج من مدرسة الكفاح والنضال العصامية. من المساهمون رفقة بن سعيد آيت يدر في الإعداد لمحاوة اغتيال الثلاثي: الملك والجنرال والمستشار وكيف جاءت رواية محمد بلحاج أطلس؟ قبل وفاته كشف محمد بلحاج أطلس عن روايته بخصوص التحضير لاغتيال الملك الحسن الثاني والجنرال أفقير والمستشار أحمد رضا كديرة، وتداعياتها، في كتاب "الرجل الذي صافح الموت" وفي مجموعة من تصريحاته لرفاق الأمس وبعض تدخلاته المتفرقة. الظروف العامة بعد المؤتمر الوطني الأول للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنعقد بسينما الكواكب بالدارالبيضاء، تكونت حكومة عبد الله إبراهيم، التي خلفت حكومة أحمد بلافريج، وهي الحكومة التي لفظتها القوى الحية في المجتمع، حدث هذا في ظرف بدأ يشتد فيه الصراع بين الملك والقوى التواقة إلى التغيير آنذاك، ومما يظهر حدة هذا الصراع، النعوت التي كانت تلصق بالحكومات وقتئذ، إذ قيل حكومة "بقر علال" (حكومة بلا فريج) وحكومة "حمير بنبركة" (حكومة عبد الله إبراهيم). ومنذ فجر الستينات تناسلت الاعتقالات، إذ ألقي القبض على الفقيه البصري، مدير جريدة "التحرير" ورئيس تحريرها آنذاك، عبد الرحمان اليوسفي تحت ذريعة مقال نشرته الجريدة، علما أن الاعتقالات همت كذلك 48 عضوا من قادة المقاومة وجيش التحرير بالرباط والدارالبيضاء، لا علاقة لهم على الإطلاق بالعمل الصحفي. وفي أكتوبر 1963، كان الإعداد لتجميع القوات المسلحة الملكية في مراكش قصد الانطلاق عبر ورزازات إلى مواقعها الاستراتيجية المختارة للمواجهة مع الجيش الجزائري. هذه هي الخلفية والإطار العام الذي أطر لإعداد عمليات اغتيال الملك. علاوة على ذلك عاين محمد بلحاج أطلس بأم عينيه تطويق مقر الحزب الكائن بزنقة "الساعة الحمراء" بالدارالبيضاء ، فعاد توا لمقابلة بن سعيد آيت يدر وأخبره بالأمر. آنذاك، ليلة 16 يوليوز 1963، كان البوليس قد اعتقل أعضاء الكتابة العامة للحزب. الإعداد للعملية الجريئة خلافا لدور أطلس في العملية كما صوره محمد لومة، يذهب "الرجل الذي صافح الموت" إلى القول بأن كل ما تعلق بخلايا المناضلين بمراكشوالدارالبيضاء كان متروكا له ويضطلع به من جانب الإعداد التنظيمي والتوجيهي. أما كل ما ارتبط باختيار العمليات فكان يدخل في نطاق مسؤولية بن سعيد آيت يدر، والإشراف على تنفيذها كان على عاتق أطلس، وهذا ما أقرت به القيادة بالجزائر. ومما أكده محمد بلحاج أطلس كذلك، أنه سافر رفقة بن سعيد من الدارالبيضاء إلى مراكش، وبعد وصولهما عقدا اجتماعا خاصا بينهما رأسا لرأس، إذ أخبره آيت يدر أنهما حضرا من أجل الإشراف على إعداد وتنفيذ عملية غاية في الأهمية، ثم أَسَرَّ له أن قيادة الحزب بالجزائر أصدرت أوامرها للقيام ببعض العمليات الفدائية من الحجم الكبير والتي من شأنها إحداث الصدى المروع للحيلولة دون قيام حرب بين المغرب والجزائر. وركز أطلس في روايته على ما قال له آيت يدر عندما كشف له فحوى أوامر القيادة، إذ صرح على لسان بن سعيد: "لقد أعطوني كل الصلاحيات في استعمال مختلف الإمكانيات البشرية والمادية وغيرها، كلما كنا في حاجلة إليها.. غير أنهم أمروني كذلك بألا نشارك نحن الاثنين [أطلس وآيت يدر] في تلك العمليات بأيدينا البتة". وبخصوص الإعداد للعملية يقول محمد بلحاج أطلس، إن بن سعيد آيت يدر الشتوكي ترأس اجتماعا في صيف 1963 بدار لحسن زغلول (المدعو ابن الكابران الرحماني)، وحضره، إضافة لهذا الأخير، نعيم محمد بن لشكر، وغاب محمد بن العربي آيت المؤدن الذي كان رهن الاعتقال منذ 17 يوليوز 1963، كما غاب كذلك عبد الرحمان بوحافة السرغيني لأن آيت المودن سبق له أن اعترض على حضوره في اجتماع قيادي، ويبدو أن هذه النواة، التي ضمت هؤلاء إضافة لبن سعيد آيت يدر ومحمد بلحاج أطلس شكلت المجموعة الموكول لها تنفيذ عملية اغتيال الملك الحسن الثاني ومحمد أفقير ورضا كديرة. تبدأ قصة أطلس مع الإعداد لهذه العملية في أوائل نونبر 1960، إذ اتصل به آيت المودن الحاج محمد (القهواجي) ليخبره أن عبد السلام الجبلي قد أبلغه بحاجة القيادة بالدارالبيضاء إليه، لذلك غادر مراكش وأتى إليها. وقتئذ يقول أطلس، كان مكلفا بعدة مهام، منها تتبع تحركات ضباط الجيش الفرنسي والتنسيق بين مجموعات مراكشوالدارالبيضاء باعتباره غير معروف من طرفة الأجهزة الأمنية، ويؤكد أنه ظل ملازما لعبد السلام الجبلي إلى أن قررت القيادة تهجيره إلى الجزائر عبر إسبانيا بعد أن ربطه بعلاقة تنظيمية مع بن سعيد آيت يدر قبل مغادرته البلاد. ويسترسل محمد بلحاج أطلس. قبل التخطيط للترتيبات الأخيرة لعملية اغتيال الملك الحسن الثاني بمراكش، تم تنقيل أعضاء الكتابة للحزب، ليلة 17 يوليوز 1963 إلى السجن المركزي بالقنيطرة للشروع في التحقيق التفصيلي معهم، علما أن (الجنرال) محمد أفقير (الكولونيل لحظتئذ) كان قد تفاوض مع مومن الديوري ليحضر إلى المحكمة كشاهد إثبات للإقرار بحدوث التخطيط لمؤامرة ضد الملك والنظام الملكي، لذا تم تنقيله للإقامة بفيلا خاصة للعناية به واسترجاع عافيته ليستعد للمحاكمة ويكون على أحسن حال. وكانت أول مهمة شغلت بال بن سعيد آيت يدر آنذاك، هي محاولة اقناع مومن الديوري بالتراجع عن اعترافاته للبوليس تحت التعذيب والتهديد بالتصفية الجسدية، وعدم الامتثال لما اتفق عليه مع محمد أفقير، إذ قيل آنذاك إن مومن، عندما كان رهن الاعتقال عاين حضوريا وعن قرب تصفية أحد المناضلين على يد أفقير، إذ طعنه في موضع ببطنه اختاره بدقة، وكان الضحية معلقا، فتدلت أمعاؤه على الأرض على مقربة من الديوري بدار المقري التي كان يحرسها آنذاك ويعمل بها أفراد من الجيش، منهم مجموعة جلبها محمد أفقير، بمعرفته، من قبائل "آيت خباش" بناحية بودنيب بمنطقة القبيلة التي ينتمي إليها الجنرال الدموي، وفعلا تنكر مومن الديوري للاتفاق الذي عقده مع أفقير، إذ غير أقواله رأسا على عقب في قاعة المحكمة مما دفع القائمين على الأمور على إرجاء الجلسة توا. وكانت بداية قصة أطلس مع الإعداد لعملية اغتيال الملك بمراكش في مارس 1960، سنة أول انتخابات تشريعية عرفها المغرب المستقل، إذ اتصل به بن سعيد آيت يدر في مقر عمله بإحدى محطات توزيع الوقود بالدارالبيضاء، وكان بمعية الكولونيل إدريس بن بوبكر. آنذاك تقرر أن يعيش أطلس وآيت يدر معا بالعاصمة الاقتصادية، وهذا ما كان، حيث قطنا معا بنفس المنزل بحي "بين المدن" منذ أبريل 1963، آنذاك يقول أطلس "تكلفت، تحت إمرة آيت يدر، بمهمة البحث عن مقاوم بارز من "مسيوة" اسمه عبد الكبير نايت واحي، كان على علاقة بمجموعة بن حمو الفاخري، حيث أفلت من الاعتقال، وكانت بحوزته كمية من الأسلحة كان مسؤولا عنها عبد الله الزناكي قبل وفاته. توفير السلاح اللازم للعملية في اجتماع بمراكش أخذ بن سعيد آيت يدر على عاقته تدبير إشكالية توفير السلاح الضروري لإنجاز العملية، وحسب رواية أطلس، أخبر بن سعيد أعضاء الخلية القيادية لمراكش أن محمد بلحاج أطلس هو الذي سيوفر لهم قطعا من السلاح. ففي الوقت الذي يقر فيه محمد لومة أن الدور الذي اضطلع به محمد بلحاج أطلس خلال العملية اقتصر، إلى حدود إجهاضها، على دور لوجيستيكي محدود، وهو نقل حقيبة السلاح من حي إلى آخر بمدينة مراكش. ها هو محمد بلحاج أطلس يروي أنه في يوم الأربعاء 23 أكتوبر 1963 عرض على بن سعيد آيت يدر الكيفية التي سيضطلع بواسطتها توصيل السلاح إلى الخلية القيادية بمراكش، وهي كالتالي: قيام أطلس بمطالبة لحسن زغلول عن طريق الهاتف باستعمال شفرة كلامية ("غوص") لتحديد الموعد من أجل تسليمه السلاح. وذلك بعد أن يكون قد اتفق مع عبد الرحمان تاسومت قصد نقل السلاح من الدارالبيضاء إلى مراكش على متن القطار المنطلق من العاصمة الاقتصادية على الساعة الثالثة زوالا، على أساس أنه سيتسلمه منه صباح يوم غد بحي "المواسين" ثم سيسلمه إلى لحسن زغلول بمنزل بوعلام، وبعد القيام بهذه العملية تكون العودة إلى الدارالبيضاء في ذات الليلة (يوم الجمعة 25 أكتوبر 1963). وحسب محمد بلحاج أطلس، فقد أشاد بن سعيد آيت يدر بهذه الخطة، لكنه استحسن المزيد من التفكير بخصوصها. ويضيف أطلس.. "في مساء يوم الأربعاء 23 أكتوبر 1963 أخبره آيت يدر أنه أحضر السلاح، وكان عبارة عن بندقية رشاشة جديدة بخزانين أو ثلاثة للرصاص (شارجور)، كان قد تسلمها من أحد الضباط، وكان عليهما إخفاء معالم مصدرها بإتلاف أرقامها باستخدام مبرد، كما تمكن من توفير بندقية رشاشة أخرى وخزان ومسدسين وقنبلتين مع كمية من الرصاص، وهي الأسلحة التي كانت بحوزة عبد الله الزناكي المتوفى آنذاك وتركه عبد الكبير ماهر الذي لم يطله الاعتقال بفضل صمود الزناكي البطولي، إذ لم يعترف بالخلية التي كان يشرف عليها بحي "سباتة"، وهكذا فلتت تلك الأسلحة من الحجز. وبقيت كيفية نقلها من الدارالبيضاء إلى مراكش. وكانت الخطة المعتمدة، أن يسلم أطلس حقيبة السلاح بالقرب من سينما الملكية بدرب "السبليون" لعبد الرحمان بن محمد تاسومت، ثم يسبقه إلى مراكش وينتظره بباب فتوح حتى يصل إلى ساحة "المواسين"، حيث يستلم الحقيبة ويواصل طريقه لتسليمها بدوره للحسن زغلول، ثم يعود إلى الدارالبيضاء في نفس اليوم لكن كيف تمت العملية داخل الميدان؟ يروي "أطلس"، أنه حضر قبل الموعد بالمكان المتفق عليه بمراكش، وحوالي الساعة السابعة والربع مساءا، رأى تاسومت يخطو خطوات رصينة حاملا حقيبة السلاح على كتفه، تبعه وسار إلى حد الالتصاق به جنبا لجنب وسط السويقة، عندما تعرف عليه تسلم منه الحقيبة، وأمره بالعودة من حيث آتى وواصل أطلس سيره في اتجاه حومة "أزبزط" بحي بن صالح حيث وضع حمله الثقيل في مأمن بمنزل هناك، كان يقيم فيه بمعية بن سعيد آيت يدر كلما حلا بمراكش. بعد التخلص من الحقيبة اتجه لمقابلة حسن زغلول، وطلب منه أن يرافقه إلى المنزل لاستلام حقيبة السلاح، إلا أن هذا الأخير لم يستحسن الفكرة واقترح عليه إحضارها إلى باب الخميس قرب المدخل الرئيسي لمستشفى الأنطاكي، إذ سيكون في انتظاره رفقة أعضاء الخلية القيادية، ولتسهيل المهمة اقترح لحسن زغلول على محمد بلحاج أطلس استعمال دراجته الهوائية لحمل الحقيبة وإحضارها بسرعة ودون عناء إلى المكان المحدد. أخذ أطلس الحقيبة ووضعها أمامه ممتطيا دراجة لحسن زغلول، ثم سار صوب باب الخميس، وبمجرد انعطافه على حومة "الموقف"، إذا بشرطيين، حسب رواية أطلس (وليس مخزنيين كما جاء على لسان محمد لومة)، وكانا من شرطة الدورية الليلية، يوقفانه بدعوى أن دراجته "عمياء"، لا تتوفر على المصباح الخلفي، شك أحدهم في أمر الحقيبة المودعة على مقود الدراجة، مسك بها فتفاجأ لثقلها، في حين كان زميله قريبا من أطلس ماسكا الدراجة.. بعد دردشة قصيرة حول محتوى الحقيبة زاد شك الشرطي فقام بفتحها باستعمال سكينه فاكتشف السلاح، وأمر زميله بتكبيل أطلس بالأصفاد. هذه هي فحوى رواية محمد بلحاج أطلس بهذا الخصوص، مع إضافة ".. سلمت نفسي واستسلمت، إذ لم تكن عندي بقية من القوة والجهد للقيام بمحاولة الهرب!". هكذا أجهضت محاولة اغتيال الملك الحسن الثاني والجنرال أفقير والمستشار أحمد كديرة، ليلة الجمعة 25 أكتوبر 1963، بطريقة لم تخطر على بال أحد. مساهمة ضباط الجيش الملكي لعب جملة من ضباط الجيش من ثكنة كيليز دورا رئيسيا في اقتراح استغلال صلاة الجمعة الرسمية بمسجد الكتبية بمراكش لتنفيذ هجوم على الملك الحسن الثاني ومرافقيه سيما محمد أفقير ومستشاره آنذاك، أحمد رضا كديرة، وهي عملية أراد مدبروها أن يكون لها صدى قويا إذا تمكن المنفذون من قذف القنبلتين في المكان المناسب وإفراغ خزانات الرشاشين في اتجاه الصفوف الأولى داخل المسجد. ومن خلال النقاش الذي دار بين الضباط وبين سعيد آيت يدر، على لسان هذا الأخير، وحسب رواية محمد بلحاج أطلس، أن العملية كانت تحتاج تجنيد ستين شخصا، علما أن ستة منهم سيتوفرون على سلاح (رشاشان ومسدسان وقنبلتان يدويتان(. كان من المقرر إشراك بعض المقاومين وأعضاء جيش التحرير، المندمجين في صفوف الجيش الملكي في علميات فدائية لفك الطوق على الجزائر، منذ أن شرع الملك الحسن الثاني في إعداد جيشه لمواجهة الجزائريين. وكان بن سعيد آيت يدر هو القائم على خلايا الضباط المنحدرين من المقاومة وجيش التحرير الجنوب، وكان الكولونيل إدريس بن بوكر يضطلع بدور المنسق الوطني بين الأفراد والخلايا في صفوف الجيش الملكي، في حين تكلف الملازم حمو أمراغ بمهمة التنسيق على الصعيد الجهوي بمراكش. في آخر اجتماع جمع بين سعيد آيت يدر بالضباط، لم يحضره الجميع لأن فيالق من مختلف الأسلحة لم تكن قد وصلت بعد إلى نقطة التجمع، بثكنة كيليز. وخلال هذا الاجتماع أكد أحد الضباط أن الملك الحسن الثاني سيحل قريبا بمراكش وسيؤدي صلاة الجمعة الثانية من شهر نونبر 1963 بمسجد الكتبية بحضور مرافقيه المعتادين آنذاك، سيما محمد أفقير وأحمد رضا كديرة وآخرون. وقد كان حلول الملك بمراكش وقتئذ قصد الإشراف عن قرب على استعدادات الجيش المغربي، تحسبا لأي طارئ بالحدود المغربية الجزائرية. أنقر هنا للعودة للجزء الأول إعداد : إدريس ولد القابلة- رئيس تحرير أسبوعية المشعل