قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه الله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه الله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم.. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم ، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا ، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية ... وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... ماذا عن الطرد الملغوم الذي توصل به الأخ محمد اليازغي في يناير1973؟ يوم توصل الأخ اليازغي بالطرد الملغوم كنت بالمنزل. وحوالي الواحدة ظهرا زارني عضوين من اللجنة الادارية للحزب ، وأخبراني أنهما توجها لزيارة الأخ اليازغي فوجدا سيارة للبوليس جاثمة أمام منزله .سألت هل دخلتما المنزل؟ أجابا بالنفي.فورا ارتديت جلبابا وقصدت منزل الأخ اليازغي، حوال البوليس منعي من الدخول ، فلم أبالي بهم ووجدت نفسي داخل المنزل. فلاحظت أن زوجة الأخ اليازغي قد تم نقلها لمنزل والدها المجاور ، كما لاحظت أن قطع زجاج النوافذ كانت تملأ المكان. قضيت تلك الليلة وحدي بالمنزل.وكانت الأخبار حول صحة اليازغي تأتيني من زوار بيته .وكان في مقدمة الزوار الأخ عبد الرحيم بوعبيد. كذلك كان من أول الزائرين للأخ اليازغي بالمستشفي الزعيم علال الفاسي رحمة الله عليه. حالة الأخ اليازغي الصحية لم تشفع له، فاعتقل سنة 1973 ونقل إلى مركز الشرطة . فكرت في الأمر .فاتصلت صحبة ألأخ رشيد بن عبدالله بابن عمي كان يعمل في ديوان وزير الداخلية محمد بنهيمة مقترحا نقل الأخ اليازغي للمستشفى. وهو ما تم فعلا في اليوم الموالي لذلك الاتصال. المشاكل الأخرى عدا الاعتقالات والمحاكمات؟ بعد الاعتقالات والمحاكمات، وجدنا أنفسنا أمام عدة مشاكل من بينها تراكم ديون كراء مقر الحزب، الكائن بزنقة الزقطوني، التي وصلت وقتها إلى حوالي 5 ملايين سنتيم. الأمر الذي دفع شركة باليما، مالكة المحل، للإتصال بالأخ عبد الرحيم بوعبيد. هذا الأخير اتصل بي وطلب مني تسليمه مفاتيح المقر. فنبهته إلى أن عقد البيع محررفي اسم المرحوم عبد الفتاح سباطة، فكان رد عبد الرحيم، رحمه الله، أن علي تسليمه المفاتيح فورا. وسألته عن مآل الوثائق الحزبية وأرشيفه، طلب مني أن أتدبر الأمر. وبالفعل سلمته المفاتيح، بعدما كنت قد اتصلت بأحد المناضلين كانت بحوزته سيارة كبيرة من نوع سطافيط، وبواسطتها نقلت الوثائق وآلة رونيو إلى منزلنا بمارسا. المشكل المترتب عن ذلك كان هو البحث عن مقر جديد . كلفني الأخ اليازغي بالبحث عنه في عمارة قيد البناء من لدن مؤسسة السي جي إي. استخبرت في الأمر وعثرت على شقة صالحة أن تكون مقرا للحزب، لكن كان يجب دفع حوالي 10000درهم على دفعتين، وفي ظرف ستة أشهر فقط، مع دفع سومة كرائية شهريا. لم يكن المال متوفرا لأداء ذلك المبلغ. فقصدت موظفا ساميا، رحمه الله، وفاتحته في الأمر. وفي نفس اليوم بعث لي بنصف المبلغ دفعته كتسبيق. وبعد 6 أشهر كنا أمام نفس المأزق، فعاودت الاتصال بنفس الموظف السامي والذي لم يبخل علي وعلى الحزب بالنصف المتبقي. هكذا أصبح المقر الجديد للإتحاد بشارع تمارةبالرباط، وهو المقر الذي تم فيه الإعداد للمؤتمر الإستثنائي الذي عقد في يناير 1975 ، وفيه أيضا نظمت حملة الإنتخابات البلدية والقروية سنة 1976 . وفي نفس المقر أيضا صدمنا بخبر اغتيال الشهيد عمر بنجلون في دجنبر1975، ومنه توجهت لمنزل الفقيد يوم اغتياله وحضرت تشييع جنازته في ذلك الموكب الرهيب بالدار البيضاء. كيف عشت ظروف منع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1973؟ الحكومة التي كان يرأسها أحمد عصمان هي التي اتخذت قرارا بمنع الحزب بتعليمات من أعلى. اتصل بي الأخ عبد الرحيم وأخبرني أن البوليس سيتوجه لمقر الحزب قصد تفتيشه ووضع الشمع الأحمر على الباب، وطلب مني أن أتوجه للمقر صحبة عضوين من اللجنة الادارية من المستحسن أن يكون بينهما محام. اتصلت بثلاثة إخوة، لكن بدون جدوى . فانتقلت لوحدي إلى المقر وطلبت من الحارس الأخ عمر الباز فتح الباب الذي كانت فرقة البوليس، بقيادة عبد القادر لكناوي، على وشك تحطيمه. فُتح الباب وأخذ البوليس العديد من الوثائق ثم جرى تشميع الباب واصطحبتهم لمركز الأمن للتوقيع على المحضر. أمام هذا الوضع كنا ننظم الاجتماعات بالمنازل ويحضرها الأخوة عبد الرحيم بوعبيد، محمد الحيحي، العربي الشتوكي وعبد الرحمان بنعمرو. وماذا بعد رفع قرار المنع؟ رفع قرار المنع في أواخر سنة 1974 ، وعُهد إلي أمر فتح مقر الحزب بشارع تمارة بعدما استرجعناه. فتحنا المقر المغلق لأكثر من سنين. لم أجد لا ماء ولا كهرباء. فما كان علي إلا الاتصال بمدير الوكالة محمد برادة رحمه الله. لم أكن أعرفه من قبل، لكنه استقبلني بحفاوة وتناولنا أطراف الحديث عن الأوضاع السياسية ثم تطرقت لموضوع زيارتي له. صارحني أنه يتعاطف كثيرا مع مولاي عبد الله إبراهيم. ومع ذلك لم يتردد في موضوع الزيارة، إذ نادى على أحد العاملين وطلب منه مصاحبتي وتزويد مقر الحزب بالماء والكهرباء. هكذا كان بعض الموظفين يتصرفون بتلقائية رغم الظروف. بعد أيام توصلت بإنذار من المحكمة لأداء فورا المبلغ المحدد من طرف الوكالة، جراء ما تراكم من فواتير الماء والكهرباء طيلة فترة منع الحزب. اتصلت بالأخ الحليمي الذي كانت تربطه علاقة صداقة مع السيد عبد الكامل الرغاي وزير المالية آنذاك، والذي أسقط المتابعة القضائية في هذه القضية. استعاد الحزب نشاطه بداية سنة 1975 ومعه استأنفت عملي بهذا المقر، عملُُ ُ كنت قد بدأته سنة 1961 . كيف دورك استعدادا لتلك الانتخابات الجماعية بالرباط؟ تقريبا اقترحت أسماء جميع المرشحين لتلك الانتخابات، وفازوا جميعا على ما أذكر، إلا في دائرة واحدة فاز بها محمد زيان. بعد ذلك وجدنا أنفسنا أمام مشكل من يتولى رئاسة المجلس. الأخ عبد الرحمان بنعمروا اقترح نفسه. وكان لي رأي آخر، رغم أنني أكن احتراما كبيرا للأخ بنعمرو فهو مناضل كبير ونزيه، لكن كانت تنقصه التجربة الإدارية، بينما تجربة الأخ عبد الوهاب ملين سواء في المالية أو في مكتب الصرف كانت تؤهله لرئاسة المجلس. وبالفعل حظي هذا الأخير بالرئاسة، واشتغلت معه أطر اتحادية كفؤة من بينها الأخوة محمد جسوس ، عبد الواحد بنونة، حسن السرغيني، عبد الرزاق المعداني وآخرون، وهي الأطر التي أهٌلت مجلس الرباط لكي يلعب دورا هاما في تسيير شؤون ساكنة الرباط وتدبير أمور العاصمة. استعرضت تقريبا عقدا من الزمن المغربي امتد من 1965إلى1976 . لو سمحت نريد أن نعود إلى بعض المحطات، منها ماهو موقف الحزب من حالة الاستثناء التي أعلنت سنة 1965وتم بموجبها تعطيل عمل البرلمان؟ رغم الوضعية الحزبية آنذاك، فوجئ المناضلون بذلك الإعلان، ولم نكن راضين عنه. ولم نشهد أي تراجع أو ردة بين صفوف النواب الاتحاديين. بعد ذلك انصرف المناضلون للعمل السياسي الحزبي. وانصب اهتمامنا على متابعة تطور قضية المهدي بن بركة. في هذا الإطار اتصلت بالأخ سعد الشرقاوي، رحمه الله، وشقيقه علي - وهما من أبناء عمي، والأخ شوقي السرغيني الذي سيتولى من بعد منصبا هاما في وزارة الداخلية. كان الثلاثة يلتحقون بي بمقر الحزب بزنقة الزرقطوني على الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، وذلك لتحرير وطبع نشرة حزبية كانت تحمل كل مرة اسما :التحرير،القضية، المشعل، الطليعة.. كنا ننشر أقوال الصحف الفرنسية التي كان يمنع توزيعها في المغرب عقب اختطاف الشهيد المهدي بنبركة. تطبع النشرة بآلة الونيو وأسهر على توزيعها على بعض الموظفين والأطر المتعاطفة مع الحزب وبعض المناضلين بالرباط. ما هي أهم المحطات النضالية في المجال النقابي؟ تأسست النقابة الوطنية للتعليم سنة 1965 ، بعد الانفصال عن الجهاز النقابي للإتحاد المغربي للشغل. وكان للإخوة حموش، رحمه الله، ومحمد الدوير والضمضومي وآخرين الفضل في تأسيس هذه النقابة التي ستلعب دورا رائدا وتتخذ عدة مبادرات. بعد ذلك، وبقيادة الشهيد عمر بنجلون، سيتم تأسيس النقابة الوطنية للبريد بمساعدة الإخوة عبد الكبير المالكي، غالب، الشريف وعبد الله العثماني رحمه الله. وستخوض هذه النقابة كذلك عدة نضالات. وماذا عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في تلك الفترة؟ لعبت المنظمة الطلابية أدوارا هامة في تربية الشباب وزودت الإدارة المغربية بأطر مقتدرة عديدة في كل المجالات. وهنا لا بد من الإشادة بالدور الذي لعبه الإخوة الرؤساء المتعاقبون لهذه المنظمة منهم الإخوة إدريس السغروشني، وعبد الرحمان القادري، رحمه الله، بطل مؤتمر التحدي الذي عُقد بأكادير . كذلك محمد الحلوي المناضل الصامت، الذي تعرض لعدة اعتقالات، حميد برادة، فتح الله ولعلو، محمد لخصاصي والطيب بناني شفاه الله. وقتها كانت هناك جامعة واحدة وتوجد بالعاصمة . - كمسؤول عن تنظيم الرباط، هل كانت علاقة الطلبة الاتحاديين مع فرع الرباط أم مع القيادة الوطنية للإتحاد الوطني للقوات الشعبية؟ -- الاتصالات كانت أساسا مع قيادة الحزب. وقد شهدت دار مارسا العديد من الاجتماعات بين القيادة والطلبة الاتحاديين سواء بعد مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو حالة نشوب خلافات بينهم. وكان المهدي بن بركة يتدخل مرات ومرات لرأب الصدع بين مكونات الطلبة الاتحاديين. هل انعكست وضعية الحزب على القطاع الطلابي الاتحادي في تلك الفترة؟ بطبيعة الحال. فالخلافات في قيادة الحزب انعكست على مجمل قواعد الحزب وروافده، ومنها القطاع الطلابي، إضافة إلى حملة القمع التي دفعت بالعديد من المسؤولين إما لتجميد نشاطهم أو الابتعاد جراء الخوف. وأذكر أن أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة عبر لي صراحة عن شعوره بالخوف، فنصحته بالتوجه للديار الفرنسية لاستكمال دراسته. أصبح بعد ذلك وزيرا، لكن ذلك لم يمنعه من القول أن نصيحتي له هي التي أنقذت حياته. هل كانت تصلكم أخبار عن نشاط الاتحاديين المنفيين بالخارج، وما كان يخططون القيام به في الداخل؟ أبدا. ورغم وجود إخوان كانوا أعضاء في الكتابة الاقليمية بالرباط، الأخ محمد آيت قدور مثلا، لم نكن على علم بما يخططون له. الملاحظ أنه رغم الظروف الحزبية الصعبة وظروف البلد سياسيا لم تمنع الإتحاد الوطني من اتخاذ مبادرات سياسية منها إنشاء الكتلة الوطنية سنة 1970 . ماذا تعرف عن هذه المبادرة؟ لم أتابع مبادرة الكتلة عن كثب، حضرت الندوة الصحفية لإعلان الكتلة بمقر جريدة «لوبنيون» الكائن بشارع علال بنعبد الله. أظن أن الأخ محمد الحبابي قد يزودكم بالمعلومات الكافية، إذ كان عضوا في قيادة الكتلة ضمن الفريق الاتحادي إلى جانب الأخوين عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي. مع الأسف توقفت اجتماعات الكتلة وبقي عملها محدودا جدا. هل تابعت المفاوضات من أجل تشكيل حكومة وطنية بين الكتلة والقصر؟ كانت النية في تشكيل حكومة فقط من الأطر المتوسطة للأحزاب لا من الوجوه البارزة سواء في حزب الاستقلال أو في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.