قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه الله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه الله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم.. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم ، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا ، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية ... وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... في ابريل 1992،اعتقل الأخ نوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية وعضو المكتب السياسي. كيف تلقيت الخبر؟ علمنا بنبأ اعتقاله، لم نعرف حقيقة أسباب قيامه بذلك التصريح في جريدة أجنبية وفي تلك الظروف . وبقي أمر ما قام به غامضا إلى يومنا هذا . بالطبع ،استنكرنا ونددنا باعتقال الأخ الأموي. أذكر أنني توجهت ضمن وفد من المكتب السياسي لزيارة أخينا المعتقل بسجن سلا. رفض الأخ الأموي أن يغادر الزنزانة في إشارة واضحة إلى أنه لا يرغب في لقائنا. فانتابني غضب شديد وقررت مغادرة المكان، لكن الأخ اليوسفي أقنعني بالعدول عن قراري فانتظرنا طويلا. وأخيرا التحق بنا الأخ الأموي وكان اللقاء معه قصيرا زمنيا. أثناء المحاكمة صرح الأخ الأموي ، أن هذه المحاكمة ستكون حدا فاصلا بينه وبين بعض رفاقه في الدرب ، في رأيك ماذا كان يقصد بتصريحه هذا ؟ اعتقد أن الأخ الأموي لم يكن يضع في حسابه انه سيعتقل بعد ذلك الاستجواب أؤكد أن تصريحاته وبعض الأعمال التي قام بها كانت لوضع عراقيل وعقبات أمام المكتب السياسي وخاصة أمام الأخ عبد الرحمان اليوسفي. ما قام به الأخ الأموي، هل كان يخدم أجندة معينة أو يخدم جهات أو أفراد ؟ قيل وقتها أن الأخ الأموي كان يبحث عن لعب دور الزعيم. وكثير من الناس ولحد الساعة مقتنعون أن الأخ الأموي شخصية غامضة، ربما يرجع ذلك لتصريحاته المتناقضة جل الأوقات . قدمت مذكرة الإصلاحات الدستورية من قبل الكتلة الديمقراطية وحان موعد الاستفتاء عن الدستور في غشت 1992 . ما موقف الحزب من هذا الدستور ؟ جرى نقاش حاد داخل اللجنة المركزية وعبر عدد كبير من الأعضاء عن معارضتهم لمشروع الدستور المقترح. هل أتى موقف الحزب بعدم المشاركة في ذلك الاستفتاء تحت ضغط الجناح النقابي وضغط الشبيبة الاتحادية ؟ ضغوط الشبيبة الاتحادية كان هي الأقوى . من قبل تناقش أعضاء المكتب السياسي مشروع الدستور واقترحوا على تلك اللجنة التصويت عليه بالإيجاب. أليس كذلك؟ في اجتماع المكتب السياسي كانت هناك معارضة قوية من قبل العديد من الأعضاء. جرت انتخابات جماعية في شتنبر 92 ، كيف تم التحضير لهذه الانتخابات من طرف القيادة، سيما بعد مخلفات المؤتمر الخامس ورحيل الأخ عبد الرحيم بوعبيد ؟ لا أخفي أننا كقيادة واجهتنا صعوبات كثيرة، خصوصا فيما يتعلق بالمنافسة الشديدة على الترشيح، مما جعل اجتماعات المكتب السياسي تمر في أجواء صعبة للغاية ، أجواء أرخت بظلالها على مرحلة امتدت إلى فترة التحضير للانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل 1993 . في هذا الصدد اذكر مثلا أن الأخ القرشاوي رحمه الله كُلف من قبل الأخ الكاتب الأول بالسهر على اختيار المرشحين بمدينة الدارالبيضاء،الأمر الذي لم يقبله الأخ الأموي. فتواجه الرجلان داخل اجتماعات المكتب السياسي حول أسماء بعض المقترحين من بينها اسم الأخ سعد الله صالح الذي رفض الأموي ترشيحه . أمام هذا الوضع طلب الأخ القرشاوي إعفاءه من تلك المهمة، ثم قرر التخلي نهائيا عن القيام بها . إبان الاستعداد للانتخابات الجماعية سنة 1992 ، ألم تطرح فكرة الترشيح المشترك بين الاتحاد والاستقلال ؟ طرحت الفكرة لكنها وجدت معارضة في الحزبين معا . قبل موعد تلك الانتخابات تعهد الملك الراحل، في إحدى خطبه، بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. هل حصل ذلك ؟ بالعكس تماما، كانت انتخابات مزورة واستعملت فيها الأموال لشراء الأصوات وبشكل واسع. رغم الصعوبات التي واكبت هذه الانتخابات، هل استمر التنسيق بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال؟ رغم تلك الظروف لم ينقطع التنسيق بين الحزبين أبدا. نتائج الانتخابات أعطت المرتبة الأولى لحزب الاستقلال. هل لمست إشارات لتعرض هذا الحزب لضغوط أو مضايقات صادرة عن وزارة الداخلية ؟ لا أستبعد أن يكون حزب الاستقلال قد تعرض لضغوط في بعض الأقاليم .ولم نكن كقيادة تتوفر على معلومات دقيقة في هذا الشأن.إن حدوث مثل تلك الضغوط أمر ممكن نظرا لطبيعة النظام في المغرب، فهو يترك لك مسافة معينة للعمل والتحرك وإذا شعر أنك زغت عن الطريق فإنه يتدخل لردعك. مارأيك في المرشح المشترك خلال انتخابات 1993؟ اعترف أنها كانت تجربة فريدة من نوعها، إذ لم يستطع أي حزب خوضها من قبل. كيف دبرتم كقيادة مسألة الترشيح المشترك داخل الحزب ومع حزب الاستقلال ؟ ساعدني الحظ أن أكون مع الأخوين محمد جسوس وفتح الله ولعلو ضمن الوفد الاتحادي الذي كان يتفاوض مع وفد حزب الاستقلال المُكون من الإخوة محمد السوسي ، محمد الوفا وسعد العلمي . ونظرا لرواسب الماضي ولأوضاع بعض الأقاليم ، وجدنا صعوبات خلال التفاوض. في هذا الصدد كان إقناع بعض التنظيمات الاتحادية ، في بعض الأقاليم، بأهمية الترشيح المشترك أمرا عسيرا جدا . لكن بفضل حنكة وصبر كل من الأخوين امحمد بوستة وعبد الرحمان اليوسفي استطاع الحزبان التغلب على الكثير من الصعاب .فكان أن فاز التحالف ب 102من مقاعد مجلس النواب. بالمناسبة، كيف جاءت فكرة المرشح المشترك ؟ قد أقول أنها جاءت من الحزبين معا. والحقيقة أن الأمين العام لحزب الاستقلال كان مقتنعا جدا بجدوى المرشح المشترك. هذا التحالف وهذه الدرجة من العمل المشترك، ألم تكن لتثير مخاوف لدى إدريس البصري؟ لم ألمس عند وزير الداخلية مثل هذا الشعور، فالرجل كان مقتنعا انه سيبقى في السلطة إلى الأبد . على ذكر إدريس البصري ما ذكرياتك معه ؟ استعدادا لتنظيم مسيرة التضامن مع الشعب العراقي سنة 1990 ، حضرت مع الأخوين محمد اليازغي والهاشمي بناني رحمه الله لقاء مع إدريس البصري. وكان ذلك اللقاء هو الأول والأخير . وماذا أيضا ؟ ذات مرة ،كان إدريس البصري بصدد البحث للاتصال بالأخ عبد الواحد الراضي والذي كان يومها في زيارة لي بمنزلي بأكدال . افترض أن وزير الداخلية مَر أمام منزلي في طريق عودته من منزل بنحربيط ، فلاحظ وجود سيارة الأخ عبد الواحد الراضي أمام بيتي. وفي الغد التقيا ،فقال له البصري، يوم أمس كنت بمنزل «رجل الجهاز» الحزبي.l›homme de l›appareil.