بعنايةٍ بالغة، ينهمكُ الدكتور حبيب مالكي في إجراء الفحوصات الطبية اللازمة لمواطنة عشرينية تعرّضت للعنف الزوجي، محاولاً تطْمينها بأهمية الإجراءات القانونية التي أقْدَمت على اتخاذها، بعدما دخلت في نوبة بكاء لمّا تذكرت شتى صُنوف التنكيل التي واجهتها من لدن زوجها. كريستين نموذج لكثيرٍ من النساء اللائي يتعرضن للعنف المنزلي ويرْفعن دعوى قضائية على أزواجهن بغية نيل الحماية القانونية التي توفرها الدولة الفرنسية، حيث يُحيلهن المدعي العام على مصلحة الطب الشرعي والقضائي والجنائي بباريس، من أجل تقييم حجم العنف الذي تعرّضن له استعداداً للمحاكمات المستقبلية. ويُعد الطبيب مالكي إحدى الكفاءات المغربية التي تعمل في هذه الوحدة الطبية، المعروفة اختصاراً ب "UMJ"، التي لا تعالج المرضى، ولكن تُناط بها الكثير من المهام القانونية؛ بينها فحص ضحايا العنف وحالات الوفاة المشتبه فيها بناءً على طلبات المدعي العام. وتتشكل المصلحة سالفة الذكر من أطر طبية وتمريضية راكمت خبرة طويلة، ضمنها الدكتور المغربي مالكي الذي يعملُ على رصد حالات التعنيف المنزلي، من خلال التحقق من آثار الكدمات والضربات التي تتعرض لها النساء أو الرجال أيضا، بعد تقدمهم بدعوى قضائية ضد الشخص المعتدي. وقد تمّت إحالة الشابة كريستين على الطبيب مالكي من أجل تشخيص حالتها الصحية بشكل دقيق، تبعاً لما ورَد في الوثائقي الذي بثّته القناة التلفزيونية الفرنسية "TF1"، بفعل التعنيف الجنسي المتكرر الذي يمارسه عليها زوجها منذ سنوات، غير أنها قرّرت وضع حد لهذه المعاناة الزوجية. وترصُد إحدى حلقات البرنامج الوثائقي، المعنون ب"Sept à Huit"، كيفية اشتغال الأطقم الطبية والتمريضية في مصلحة الطب الشرعي والجنائي والقضائي بباريس، مُسلّطة الضوء بذلك على عمل الطبيب المغربي الذي يستقبل عشرات الحالات التي راحت ضحية العنف المنزلي أو الجنسي. وبعد تسجيل البيانات الشخصية للضحية (كريستين)، جرى توجيهها إلى القسم الذي يشتغل فيه الطبيب مالكي، ثم تكفّلت إحدى الممرضات بابنيْها الصغيرين، قبل أن تلج القاعة الخاصة بالفحوصات التشخيصية، حيث تحقّق الإطار الطبي من آثار العنف الجسدي، وقام بتحرير تقرير مفصّل سيتم بعثه إلى المدعي العام قبل الشروع في المحاكمة. "لم أعد أستطيع تحمّل ذلك. أتعرض للتعنيف طيلة سنوات"، تقول الضحية الفرنسية، ثم تضيف: "لا أريد أن تشاهد ابنتي هذه المشاهد اليومية حتى لا تُطبّع مع الظاهرة"، قبل أن تنتابها نوبة بكاء أجْبرتها على التوقف عن سرْد تفاصيل حياتها الأليمة. وهنا يأتي دور الطبيب المغربي الذي لا تقتصر مهامه على إجراء الفحوصات فقط، وإنما يقوم كذلك بأدوار الطبيب النفسي، من خلال تهدئتها والحرص على نُصحها، وهو ما استحضره عند مخاطبتها: "لا تخافي سيدتي! سنعمل على توجيهك صوب المؤسسات القانونية التي من شأنها حمايتك". مشاهد يومية تتكّرر في هذه الوحدة الطبية الفريدة ب"بلاد الأنوار"، التي تقوم بأدوار كبرى على مستوى حماية ضحايا العنف بشتى أشكاله، ضمنها العنف المنزلي، حيث تُرسل التقارير الطبية الخاصة بهم إلى المحاكم القضائية التي تستند إليها من أجل الحُكم على المشتكى بهم.