يزعم أحمد عصيد أنه يقوم بدوره كمثقف في ترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ولهذا السبب رفض العديد من المناصب السياسية التي عرضت عليه، لأن دور السياسي مسيّج بحدود وخطوط حمراء، بينما المثقف يتسع مجال نقده آفاقا ومجالات لا تحدها حدود ولا تشوش عليها اعتبارات موازين القوى أو إكراهات التحالفات السياسية أو استراتيجية المرحلة. لكن المتتبع لكتابات عصيد يدرك من دون كبير عناء أن الرجل تخونه مبادئه كلما تعلق الأمر بموضوع الأمازيغية أو موضوع الإسلام والإسلاميين،واليوم بعد وصول هؤلاء إلى الحكم مع موجة الربيع الديمقراطي يكاد يجنّ جنون متعصبي العلمانيين وهم يرون من كانوا بالأمس القريب يملئون السجون والمعتقلات أضحوا يملئون البرلمانات ويدبرون الشأن العام. فبعد اتهام رئيس الحكومة المغربية لبعض العلمانيين الذين يسعون لزرع الفتنة بين مكونات السلطة في البلاد، بالتحالف مع الشيطان، قرر مجنون الحزب العمالي عبد الكريم بنعتيق مقاضاة السيد عبد الإله بنكيران أمام المحاكم الأوروبية لأنه يحرض على القتل بزعمه، وليس هذا غريبا على بنعتيق الذي سبق أن اتهم في عز الحملة الانتخابية الأخيرة حزب العدالة والتنمية بالضلوع في المذابح التي عرفها الشعب الجزائري الشقيق في التسعينيات. بنعتيق الذي ظهر على الشاشة المغربية إبان الحملة الانتخابية يتصبب عرقا وهو يطوف القرى والمداشر، تارة على رجليه وتارة على أربع، لم يحصد حزبه إلا أربعة مقاعد في البرلمان ليس فيها مقعده هو كأمين عام لحزب انضمّ إلى تحالف الثمانية لمنازالة العدالة والتنمية. وبدل أن تكون هذه النتيجة الهزيلة دافعا قويا لمراجعة الحزب لخطابه وإعادة تركيب مرجعيته بما يساعده على تجديد نخبه وتكييف مواقفه من أجل إعادة الانتشار والتموقع، نراه في شخص أمينه العام يفرّ إلى الأمام، و يستقوي بالغرب، وهو يجهل أن الغرب أخذ يتكيف وفقا لمصالحه مع المعطيات الجديدة التي أفرزها الربيع الديمقراطي، ويعيد حساباته وفق تلك المعطيات الجديدة. العلمانيون المتطرفون لا يزالون تحت وقع الصدمة، لم يستوعبوا بعد نتائج الزلزال الكبير الذي أحدثه الربيع الديمقراطي بالمنطقة العربية، إن على مستوى الأحداث أو على مستوى الأفكار، لا يزالون مذهولين أو مذعورين وهم يرون منظومتهم الفكرية التي انبنت على القمع والإرهاب الفكري تتهاوى تحت مطارق " الشعب يريد...". فلا غرو أن نصادف خطابا من هؤلاء يزخر بالحقد والكراهية والاستعلاء على إرادة الشعوب، يقول أحمد عصيد : " كانت المعايير المطلوبة في رئيس الحكومة للمرحلة الحالية واضحة منذ الطريقة التي تمّ بها طبخ الوصفة الدستورية الجديدة: أن يكون خنوعا مطواعا جاثيا على ركبتيه مسلما بتقاليد دار المخزن، عارفا من أين تؤكل الكتف ثرثارا على المستضعفين، صموتا في حضرة حاشية السلطان، ناكثا لوعوده، منقلبا على عقبيه، مواليا للسلطة ضدّ صوت الشعب، وهي خصائص ظهرت للجميع عيانا بمجرد أن استوى الرجل على كرسي الوزارة" . الشعب في نظر هؤلاء المتعصبين لا يزال قاصرا، يستطيع كل ثرثار متفيقه أن يستدرجه ويضحك عليه، لذا فمن واجب هؤلاء المتعالمين أن يمارسوا أستاذيتهم على الشعوب التي لفظتهم ويصححوا مسارها. يقفز أحمد عصيد على الواقع الذي يفاجئه يوما بعد يوم، يقفز على عدد المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهد القاصي والداني على نزاهتها،يقفز على ضعف الاستجابة الشعبية لنداء التحالف الأمازيغي الذي ضمّ 200 جمعية تطالب المغاربة بعدم التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية بسبب موقف أمينه العام من حرف "تيفيناغ"، يقفز على النسب العالية التي سجلتها مراكز استطلاعات الرأي المؤيدة لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والتي تقارب 90 في المائة من التأييد الشعبي، يقفز على التفاعل السياسي الشعبي الغير مسبوق مع المبادرات التي أطلقتها الحكومة الحالية قبل متمّ 100 يوم. يقفز على هذا كله من أجل إشباع غريزة الانتقام من هوية شعب اختار بطواعية تعظيم النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه وإعلاء قرآنه الذي جاء به رحمة للعالمين،ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم، الديمقراطية التي تأتي بالإسلاميين لا مكان لها في قاموس هؤلاء المشعوذين. إنني هنا أتحدث عن صنف من العلمانيين، أتحدث عن المتعصبين منهم الذين يرفضون نتائج الديمقراطية إذا لم تكن لصالحهم، أتحدث عن المتطرفين الذين يناقشون الأشخاص ولا يناقشون الأفكار، أتحدث عن علمانيين يشنون حربا على الدين ويطاردونه في السوق والإدارة والأسرة والسياسة والاجتماع، أتحدث عن هؤلاء الذين لا يرون في الدين إلا محركا للحروب، كما كان حاله في عصر الظلمات التي عاشتها الشعوب النصرانية في صراعها مع الكنيسة. أما الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، جاء برسالة المحبة والإخاء والمساواة بين بني آدم، فهؤلاء لا يعرفون عنه إلا ما كتبه أسيادهم المستشرقون.أما وصايا نبيهم صلى الله عليه وسلم فلا يعرفون عنها شيئا أو لا يفقهونها، ففي حجة الوداع قال : "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربكم ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وربا الجاهلية موضوع، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله...ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ... أيها الناس : ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ...ألا وإني فرطكم على الحوض أنظركم، وإني مكاثر بكم الأمم فلا تسوّدوا وجهي، ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني، وستسألون عني، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار". * عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية