لا خيارَ أمام الدّولة سوى مواصلة الاشتغال بنظام "العقدة" في مهن التّربية والتّعليم؛ ذلك ما يظهر من تصريحات مسؤولين وبرلمانيين مغاربة أعلنوا تشبّثهم بخيار "التّعاقد" وتجاوز النّظام القديم للوظيفة العمومية، الذي لم يعد يُساير متغيّرات المرحلة، خاصّة في ظلّ "الجائحة". وتصرّ الحكومة على مواصلة توظيف الأساتذة بالاعتماد على نظام "العقدة"؛ بحيث أكّد وزير التّربية الوطنية، سعيد أمزازي، أنّ "توظيف أطر الأكاديميات مكّن من القضاء على البطالة"، مشيراً إلى أنّه منذ بداية التوظيف ب"التعاقد"، "تم إحداث خلال الدخول المدرسي الحالي والمقبل فقط ما مجموعه 102 ألف منصب". ويرفضُ المتعاقدون الإبقاء على "خيار التّعاقد" لأنّه، بحسبهم، لا يعكسُ جودة "التّعليم"، وينقص من هامش تحرّك الأستاذة ويضرب استقرارهم وأمنهم الوظيفي، داعين إلى إسقاطهِ وإدماج كلّ الأطر التعليمية في الوظيفة العمومية. ورغم سلسلة الحوارات الماراثونية بين المتنازعين، فإن الوضع مازال ثابتا بين الوزارة والمتعاقدين، فيما يظل الهاجس الأكبر للمسؤولين هو استمرار التحاق الأفواج الجديدة بالاحتجاجات، ما يصعب مأمورية حل الملف ويوسع دائرة الرافضين. وتخوض تنسيقية الأساتذة المتعاقدين، منذ ما يقرب من أربع سنوات، احتجاجات قوية تطالب من خلالها بإدماج الأطر ضمن الوظيفة العمومية، لكن الوزارة المعنية تصر على أن نظام العقدة هو "خيار دولة" لا محيد عنه، وقد جاء من أجل تجويد المنظومة التعليمية. وقال عبد الله الغلبزوري، أستاذ متعاقد بالحسيمة: "قبل أن نكون أساتذة، نحن مواطنون، ومن حقنا أن نرفض السياسات الاقتصادية للحكومة، ومن حقنا أن ندافع عما نراه صوابا"، معتبراً أنّ الوظيفة العمومية، إلى جانب مجانية المدرسة، مكسبان اجتماعيان للشعب لم يأتيا من فراغ، بل حصنهما المغاربة طوال عقود. وأورد الغلبزوري أنّ "الأساتذة المتعاقدين ليسوا إلا استمرارية لهذه المسيرة الشعبية، لذلك لا يُمكن أن تأتي الحكومة هكذا بجرة قلم وتلغيها"، مشيراً إلى أنّ اضطرار الدولة إلى الاستدانة كل مرة والقبول بشروط من قبيل تقليص كتلة أجور الموظفين العموميين، "ناتج عن فشل الدولة في تدبير الملف الاقتصادي". ودعا الأستاذ المتعاقد الحكومة إلى تحمّل مسؤوليتها في البحث عن طرق أخرى لرد الديون عوض الهرولة كل مرة إلى جيوب المواطنين ومكاسبهم الاجتماعية، موردا أن "هذا هو السبب الحقيقي في فرض التعاقد باعتباره الصيغة الوحيدة للتوظيف، وليس ما تدعيه الوزارة من قبيل التوظيف الجهوي واللامركزية". وشدّد عضو التّنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بالحسيمة على أنّ "الأمن الوظيفي بما يحققه من استقرار نفسي للموظف، لا يتوفر في هذا النوع من التوظيف، فالوظيفة التي تجد في أول بند فيها (يلغى هذا العقد دون إخبار أو إشعار للمعني بالأمر)، لا يُمكنها بأي حال أن تسمى وظيفة". وأعلن الغلبزوري أنّ "الأساتذة متمسكون بحقّهم في الوظيفة العمومية ليس باعتباره مطلبا شخصيا لنا وحسب، بل باعتباره مكسبا لجميع المغاربة، للذين فرض عليهم التعاقد حاليا والذين ستقوم الوزارة بتوظيفهم مستقبلا"، وفق تعبيره.