قال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن "جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تخلف سنويا آثارا اقتصادية كبيرة على الأمن وعلى استقرار القطاع المالي للدول، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر لا تقل عن تريليوني دولار سنويا، ما يشكل 5.2% من إجمالي الناتج العالمي". وأضاف فارس، في كلمة ألقاها خلال يوم تواصلي نُظّم الخميس بمدينة العيون، حول "تفعيل التزامات المحامي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، أن "الدول أصبحت مطالبة بتطوير ترسانتها التشريعية والتنظيمية والمالية لتكون قادرة على التصدي لأساليب التمويه ولبنية الإجرام التي تتطور باستمرار"، موضحا أن "عمليات غسل الأموال تتخذ أشكالا عدة تمزج بين طرق تقليدية واستخدام التكنولوجية الحديثة من أجل تبييض الأموال المحصلة بأشكال غير مشروعة". وأوضح المسؤول القضائي أن الظاهرة المذكورة "تزداد آثارها السلبية مع ما يعرفه العالم من تطور متزايد لشبكات الإجرام العابر للقارات، في علاقته مع الترابط الكبير للنظام المالي العالمي بسبب العولمة"، مشدّدا على أنه "كان لازما على بلادنا التي تقود تجربة تنموية متفردة بتحديات جيواستراتيجية كبيرة، وأن تطور ترسانتها القانونية والمالية، مع تقوية بنيتها الاقتصادية والإدارية، وأن تباشر إصلاحات كبرى في مجالات مختلفة ترتكز على آليات متعددة وفق المعايير الدولية لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية العالمية". وبعدما أشار الرئيس الأول لمحكمة النقض إلى أن "هذا الورش المعقد يتطلب مقاربة تشاركية مندمجة حقيقية بين مختلف الفاعلين والمهنيين، لتطوير بنية رقابة وقائية ردعية تجعلنا نصل إلى المؤشرات والمعايير العالمية"، قال إن "المحاماة، كباقي المهن القانونية، أصبحت معنية ومخاطبة بشكل مباشر من طرف المشرع الوطني والدولي، من أجل مواجهة هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة"، مشيرا إلى "المحامي الذي يتجاوز اليوم صفته كأحد الركائز الأساسية في المحاكمة العادلة، ليصبح فاعلا أساسيا في آليات اليقظة، وملزما بواجب التصريح للاشتباه، وسدا منيعا في الخطوط الأمامية للتصدي لهذا الإجرام الذي يتزايد يوما بعد يوم". وقال مصطفى فارس: "أصبح من اللازم علينا جميعا أن نسعى إلى تطوير آليات ممارسة هذه المهنة النبيلة لتؤدي أدوارها الأساسية للتصدي لهذه الجرائم، وأن نهتم بجدية أكبر بمجالات التكوين والتأهيل والتحسيس بالتزاماتها وواجباتها القانونية والأخلاقية لتكون في مستوى التحديات والرهانات الوطنية والدولية"، مشدّدا على أن "المحامي، اليوم، في صلب التنمية، ويجب على الجميع أن يكون في موعد مع المستقبل لمواجهة هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة". وجاء ضمن كلمة الرئيس الأول لمحكمة النقض: "إذا كانت مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تمكننا من حرمان المجرمين من الانتفاع من عائدات الإجرام، وتمنع من إعادة إنتاج الجريمة، من خلال قطع مصادر تمويل أنشطة إجرامية أخرى، وتساعد على تطهير الاقتصاد الوطني من الأموال غير مشروعة التي تخلق ما يسمى الاقتصاد الوهمي وتمكن من استرجاع المال العام، إلا أن كل ذلك يتطلب منا مواجهة إشكالات متعددة ذات بعد قانوني وقضائي ومالي وذات مصادر وطنية ودولية، وتلزمنا بضرورة التنسيق بين الفاعلين وتعزيز آليات التعاون القضائي الدولي". وأكّد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية "الحرص على تطوير هذه الإستراتيجية مع باقي الشركاء خلال المستقبل المنظور، لتعزيز المؤشرات الوطنية لتكون في المستوى المطلوب عالميا، مع الحرص على مواصلة تكريس القضاء لكل ضمانات المحاكمة العادلة وسيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة"، خاتما كملته بالتأكيد على أن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية سيبقى ملتزما ومواصلا للمسيرة من أجل مستقبل أفضل للعدالة بالمغرب".