في أشدّ اللّحظات الدّبلوماسية حرجاً وتعقيداً يختارُ المغرب إمساك العصا من الوسطِ، ما ظهر جليّا مع الأحداث الأخيرة بفرنسا، بدءَا بتصريحات الرّئيس إيمانويل ماكرون حول أزمة "الإسلام" وحادث نيس، فقد انتقد الأفعال الإرهابية وتضامن مع الضحايا، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى احترام الأديان وعدم المس برموز الإسلام. وشدّدت خارجية المملكة في تعاطيها مع الرّسوم المسيئة للنّبي محمّد على أنّه "لا يمكن لحرية التعبير، لأي سبب من الأسباب، أن تبرر الهجوم غير المبرر على الدين الإسلامي، الذي يبلغ معتنقوه عبر العالم أكثر من ملياري شخص" ويبرز الموقف المغربي في كونه أدانَ أوّلاً "الأعمال الإرهابية والظّلامية التي تُرتكب باسم الإسلام"، وفي الوقت نفسه شجب "الاستفزازات المسيئة لقدسية الدّين الإسلامي"، في إشارة إلى الرّسوم المسيئة إلى الرّسول. واعتبر المحلّل السّياسي كريم عايش أنّ "الرّسوم ليست فقط مسيئة إلى شخص الرّسول، بل تحمل رسائل يمكن أن تصنف في خانة الإسلاموفوبيا والتحريض على عداء المسلمين والإسلام، وإن كانت الصحف الأوروبية محكومة بحرية تعبير غير محدودة". وأشار المتحدّث إلى أنّ "من شروط إمارة المؤمنين وروابط البيعة الشرعية في شخص سبط الرسول الملك محمد السادس أن يذود الإمام عن الدين والأمة ولا يقبل الاستهزاء بالرسول (ص) وبمشاعر المسلمين"، مورداً أنّ "موقف المجلس العلمي الأعلى كان طبيعيا لوضع النقط على الحروف وإبراز عدم مصداقية ادعاء ماكرون". وشدّد الباحث ذاته على أنّ "المغرب كان دوما حازما في هذه المسألة، ولم يبن موقفه على أي ظرفية بقدر ما كان مؤطرا من طرف مؤسسات رسمية تمثل كل المغاربة، وهو الموقف الثابت نفسه الذي حمل المغرب على استنكار وإدانة الاعتداء الإرهابي الذي حدث بنيس الفرنسية". وقال عايش إنّ "هذا الحادث سيزيد من أشكال التعاون الأمني والاستخباراتي، الذي من البديهي أن يكون قويا بفعل الاتفاقيات الأمنية والإستراتيجية الموقعة والخبرات المتبادلة بين الطرفين، في إطار علاقة إستراتيجية مستديمة". لذلك، يقول عايش، "كان موقف المغرب يتّسم دائماً بالحكمة والرؤية السديدة والوضوح في مواقفه بضرورة احترام مشاعر المسلمين ومعتقداتهم، دون القبول بالإرهاب كيفما كانت أرضيته الفكرية والإيديولوجية، إذ لا يمكن أن يكون الدين الإسلامي إلا ناشرا لقيم التسامح والتعايش والتفاهم".