مع تزايد حدة الصخب وحالة الترقب المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2020، تتركز أنظار الجميع على الرئيس الأمريكي ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، ويغيب عن المشهد القادة الحقيقيون في إدارة السباق الانتخابي المعقد نحو البيت الأبيض، الذين رصدتهم ورقة بحثية لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. وتوضح الورقة أن هؤلاء القادة هم الشخصيات الرئيسية في الحملات الانتخابية للاثنين، إذ يضطلعون بالمهمة الأكثر تعقيدًا في الانتخابات، وهي تعزيز فرص ترامب وبايدن في حصد أكبر عدد ممكن من الأصوات، عبر استراتيجيات وآليات وتكتيكات انتخابية متعددة. وتشير دراسة هيكل وتركيبة وأداء كل حملة منهما إلى تباين واضح بين الحملتين، من المحتمل أن يحسم بشكل كبير نتائج السباق الانتخابي. حملة ترامب بدأ تشكيل حملة ترامب لخوص الانتخابات الرئاسية الحالية في مطلع عام 2019. واعتمدت الحملة على فريق يضم أشخاصا مختلطين، بعضهم من حملة انتخابات سنة 2016، وبعضهم جدد. ورغم نجاح الحملة منذ تشكليها حتى مارس 2020، تاريخ بداية أزمة "كورونا"، فإن أداءها سجل تراجعا واضحا في الفترة الممتدة من مارس حتى يونيو 2020، الأمر الذي أدى إلى مجموعة تغييرات في الشخصيات الرئيسية بها. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عددٍ من الجوانب الرئيسية عن الحملة وأدائها: 1- الهيكل الرئيسي لفريق الحملة: يضم فريق الحملة الانتخابية لترامب العديد من المسؤولين والمستشارين وأفراد طاقم الحملة، سواء الفريق الرئيسي على المستوى الوطني، أو الفرق الفرعية على مستوى الولاياتالأمريكية. ويغطي الفريق الرئيسي مجموعة من الوظائف الرئيسية في الحملة، بداية من مدير الحملة، مرورا برئيس موظفي الحملة، وعدد من المستشارين الكبار، وانتهاءً بالمدير السياسي للحملة. وعلى المستوى الوطني يضم الفريق مسؤولين عن إدارة الائتلافات، وهي المجموعات المؤيدة للرئيس من النساء، واللاتينيين، والمحاربين، ورجال الشرطة، وعائلات العسكريين، وغيرهم. بالإضافة إلى المسؤولين عن أقسام الحملة المختلفة من اتصالات استراتيجية، وتواصل مع الإعلام، والشؤون القانونية، والتمويل، وجوانب أخرى في نشاط الحملة. 2- الشخصيات الرئيسية في فريق الحملة: يضم فريق حملة ترامب، وفق الورقة، شخصيات لديها خبرة في إدارة الحملات الانتخابية، ومعظمها كان يعمل في مناصب معينة بالبيت الأبيض قبل التفرغ للحملة الانتخابية. وأبرز هاته الشخصيات: أ- مدير الحملة بيل ستيبين: أعلن عن تعيينه في هذا المنصب يوم 15 يوليوز 2020 خلفا لبراد بارسكال بسبب فشل الأخير الذي اتضح إثر تراجع ترامب في استطلاعات الرأي بعد أزمة "كورونا". وكان ستيبين يشغل منصب نائب مدير الحملة منذ 26 مايو 2020، وقد عمل في السابق مديرا سياسيا في البيت الأبيض، قبل أن ينتقل إلى الحملة. وهو يمتلك خبرة في الحملات الانتخابية، وقد عمل في السابق في حملة ترامب في انتخابات عام 2016، وكان المدير الميداني للحملة. وبراد بارسكال، الذي شغل منصب مدير الحملة لمدة عامين، تفرع منذ 15 يوليوز 2020 كمستشار في الحملة يركز على عمليات الترويج الإلكتروني للحملة، غير أنه خرج من حملة ترامب في نهاية سبتمبر 2020 بعدما ألقت الشرطة عليه القبض بعد محاولته الانتحار بسبب فشله في الحملة، إضافة إلى مشاكل شخصية. ب- ماكس ميلر، نائب مدير الحملة للعمليات الرئاسية: شغل هذا المنصب منذ 7 يوليوز 2020، وهو مسؤول عن جميع أحداث الحملة، التي تتضمن مشاركة الرئيس أو نائب الرئيس مايك بنس أو شخصيات بارزة أخرى، وكان يعمل في السابق بالبيت الأبيض، قبل أن ينقل إلى الحملة. ج- جاستن كلارك، نائب مدير الحملة: تولى مسؤولياته في الحملة في 20 يوليوز 2020، وانتقل إلى الحملة من البيت الأبيض، حيث كان يشغل منذ مارس 2018 مدير مكتب البيت الأبيض للاتصال العام. وكلارك هو محامٍ وحاصل على درجة الدكتوراه في القانون. د- جيف ديويت، الرئيس التنفيذي للعمليات: تولى هذا المنصب في 30 يونيو 2020 خلفا لمايكل جلاسنر، الذي انتقل إلى تنسيق المسائل القانونية، وكان يشغل منصب المدير المالي بوكالة "ناسا" من مارس 2018 إلى فبراير 2020. 3- تراجع أداء الحملة بعد أزمة "كورونا": يبدو للوهلة الأولى من تشكيل حملة ترامب والأشخاص الذين يديرونها أن هذه الحملة تقوم بعملها في تعزيز موقف ترامب الانتخابي بشكل جيد. لكن ذلك لا يبدو واقعيا، خاصة منذ بداية أزمة "كورونا" حتى شهر يوليوز 2020، فالمدير السابق للحملة براد بارسكال أثيرت حوله العديد من الانتقادات بسبب الطريقة التي كان يدير بها الحملة، والتي ذهبت إلى التشكيك في أنه يديرها بشكل غير احترافي، ويعتمد بشكل رئيسي على علاقته بجاريد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب، الذي تعتبره تقارير الصحف الأمريكية المدير الفعلي الذي يدير الحملة من وراء ستار. ورغم نجاح خلفه بيل ستيبين في إعادة الحيوية إلى حملة ترامب وفاعليتها، فإن إصابته بفيروس "كورونا" مطلع شهر أكتوبر 2020 أثّر على هذه الحملة، بالإضافة إلى أن بعض التقارير الصحافية أشارت إلى أنه لم يصوّت لترامب في انتخابات عام 2016، وأنه يشعر باليأس من إمكانية نجاح الرئيس الأمريكي في الانتخابات الحالية، وهو ما ألقى بظلاله أيضا على الحملة الانتخابية. حملة بايدن يكشف تحليل تركيبة حملة بايدن وأدائها عن اعتمادها على عدة مستويات في هيكلها. وتوضح الورقة أنه بخلاف الفريق الرئيسي لإدارة الحملة، فهي تضم مجموعة من المستشارين المتعاونين مع الحملة من الخارج من الشخصيات التي عملت مع بايدن في السابق خلال توليه منصب نائب الرئيس في إدارتي الرئيس الأمريكي السابق أوباما، أو من الخبراء والمستشارين الذين كانت تستعين بهم الإدارة. ولمعرفة هيكل الحملة والجوانب ذات الصلة يمكن الإشارة إلى الجوانب التالية: 1- الهيكل الرئيسي لفريق الحملة: يتضمّن خمسة مستويات تشمل: المجموعة الأولى: رؤساء الحملة المشاركون على المستوى الوطني، وهم أربعة شخصيات رئيسية على رأس هيكل حملة بايدن، وهم مجموعة من الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي، ويشكلون مجموعة من الحكماء أو المستشارين المؤثرين في الحملة. المجموعة الثانية: فريق إدارة الحملة الرئيسي، ويتشكل من المسؤولين عن إدارة أنشطة الحملة على المستوى الوطني. المجموعة الثالثة: كبار المستشارين المتعاقدين مع الحملة، وهم عدد من المستشارين الكبار الذين عملوا في السابق مع بايدن، ومن الأشخاص المقربين الذين يستمع إليهم، ولهم خبرات متنوعة. المجموعة الرابعة: مجموعة من المستشارين المتعاونين مع الحملة دون تعاقد، وهم من الشخصيات القريبة من بايدن، وقد عملوا معه أو مع أوباما في السابق، وهؤلاء لهم دور كبير في تقديم استشارات خاصة تتعلق بقضايا السياسة الخارجية، وبعضهم سفراء وأكاديميون وخبراء. المجموعة الخامسة: مسؤولو وفريق الحملة الذين يديرون أنشطتها على المستوى المحلي في الولايات. 2- الشخصيات الرئيسية في فريق الحملة: يضم فريق حملة بايدن الانتخابية عددًا من الشخصيات الرئيسية في المجموعات الخمس، لكن المجموعة الرئيسية هي فريق إدارة الحملة الرئيسي. وأبرز الشخصيات في هذه المجموعة: أ- مديرة الحملة جينيفر أومالي ديلون: شغلت هذا المنصب من 12 مارس 2020. وقد كانت في السابق نائبة لمدير حملة أوباما 2011-2012، وشغلت منصب المدير التنفيذي للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي من يناير 2009 إلى 2010، ولها خبرات سابقة في عدة حملات انتخابية لشخصيات سعت إلى منصب الحاكم في ولايات مثل ولاية آيوا وفلوريدا. وقبل تولي جينيفر أومالي منصب مدير الحملة، شغل هذا المنصب جريج شولتز ما بين أبريل ومارس 2020، وركز عمله على وضع الخطط التنظيمية للحملة، واستمرار تعزيز التواصل الخارجي للحملة، وهو من الأشخاص الذين عملوا في السابق مع بايدن. ب- أنيتا دن، مستشارة أولى بالحملة: تلعب دورا رئيسيا في التنسيق العام لشؤون الميزانية والأفراد بالحملة، وقد عملت مديرة اتصالات بالبيت الأبيض سنة 2009، وشغلت منصب كبير مستشاري الاتصالات ومديرة الاتصالات والسياسات والبحوث في حملة أوباما في انتخابات عام 2008. بدأت حياتها المهنية في السياسة بالعمل مع رئيس موظفي البيت الأبيض هاملتون جوردان في عهد الرئيس جيمي كارتر. ج- كيت بيدنجفيلد، نائبة مدير الحملة ومدير الاتصالات: شغلت هذا المنصب منذ 25 أبريل 2019، وقد عملت مع جو بايدن حينما كان في منصب نائب الرئيس عام 2015، ولديها خبرات سابقة في العديد من الوظائف المرتبطة بالاتصالات والإعلام. د- بيت كافانو، نائب مدير الحملة: شغل هذا المنصب منذ 25 أبريل 2019، وقد عمل في السابق في حملة هيلاري كلينتون للانتخابات الرئاسية، وكذا حملة أوباما. ه- إيرين ويلسون، المديرة السياسية للحملة: تولت هذا المنصب منذ 25 أبريل 2019، وقد عملت في السابق في حملة السيناتور بوب كيسي في بنسلفانيا من أبريل 2017 إلى أبريل 2019. كما عملت في حملة هيلاري كلينتون ما بين يونيو ونوفمبر 2016. 3- الأداء العام للحملة: التقييم العام لأداء حملة بايدن يشير إلى نجاحها بشكل واضح في أداء مهمتها في تعزيز موقفه الانتخابي، وتحقيق تقدم في السباق الرئاسي، لدرجة أن بايدن أصبح قريبا جدا من البيت الأبيض. وهناك ثلاثة مؤشرات تدعم هذا التقييم: الأول هو تقدم بايدن في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات. والثاني تبني الحملة استراتيجيات وآليات تتلاءم مع تطورات السباق الانتخابي، سواء في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب أو على مستوى المنافسة مع ترامب، فضلا عن نجاحها في إخراج المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بالتنسيق مع اللجنة العامة للحزب، على أفضل صورة وبشكل يتلاءم مع القيود التي فرضتها أزمة "كورونا". والمؤشر الثالث قدرة الحملة على جمع التبرعات والتمويل، فاللافت للنظر أنه في بداية السباق الانتخابي خلال الفترة الانتخابية التمهيدية كان بايدن مهددا بالخروج من السباق الانتخابي لمحدودية موارد التمويل، لكنه في الأيام الأخيرة للسباق جمع مبالغ مالية ضخمة تفوق تمويل حملة ترامب. تباينات واضحة توضّح المقارنة بين حملتي ترامب وبايدن وجود اختلافات واضحة، سواء على مستوى ما يجري داخل كل حملة وتركيبتها أو على مستوى استراتيجيات التحرك والرسائل والآليات التي يتبناها كل منهما، على النحو التالي: 1- اختلاف في الهيكل: تنقسم حملة ترامب إلى فريقين: المجموعة الرئيسية المسؤولة عن الحملة على المستوى الوطني، والمجموعة الثانية التي تدير أنشطة الحملة على مستوى الولايات، في حين تضم حملة بايدن خمس مجموعات رئيسية، الأمر الذي يشير إلى أن حملة بايدن تعتمد على فريق أوسع من فريق ترامب، سواء من حيث عدد المنخرطين في الحملة أو من حيث طبيعة الخبرات والكفاءات. 2- الاستقرار الداخلي للحملة: تشهد حملة بايدن استقرارا واضحا في الشخصيات الرئيسية التي تديرها، خاصة على رأس الحملة أو في بعض المناصب داخلها، في حين شهدت حملة ترامب تغييرا لرئيسها الذي خرج منها وعوضه نائبه، وكذلك خروج مديرها السابق أيضا من الحملة نهائيا، بشكل أضر بصورتها، بالإضافة إلى التغييرات الداخلية التي جرت في هذه الحملة. 3- تأثير المرشح على الحملة: المقارنة بين حملتي ترامب وبايدن تكشف أن ترامب يلعب دورا محوريا في توجيه حملته الانتخابية والتأثير عليها، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال الفترة المتراوحة بين مطلع عام 2019 ويوليوز 2020، فبراد بارسكال، مدير الحملة في هذه الفترة، اعتمد على شخصية الرئيس وإنجازاته في السنوات الثلاث الأولى من الحكم في تحرك الحملة، لكنه لم يقم بجهود كافية للتحرك بما يتلاءم مع المنافسة على المقعد الرئاسي. في الوقت نفسه، فإن الواقع في حملة بايدن يشير إلى العكس، فالمرشح الديمقراطي يستمع إلى حملته ويقوم بتنفيذ ما تضعه من خطط واستراتيجيات. وتخلص الورقة إلى أنه قبل أيام معدودة من التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتزايد فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن في الفوز بالمقعد الرئاسي، في ظل مؤشرات عن تراجع فرص ترامب في الحصول على ولاية ثانية بالبيت الأبيض. وهذا التباين في فرص كل منهما يرجع بشكل أساسي إلى دور قادة الظل الذين يديرون معركة الانتخابات، ففي الوقت الذي ينتهج فريق حملة بايدن كل القواعد والأسس الاحترافية لتعزيز فرص مرشحه، تطغى بعض السلبيات على حملة ترامب، بشكل ربما يقوّض إمكانية فوزه.