الدورة الأولى من السنة التشريعية 2025-2024 تنتهي بالمصادقة على 38 مشروع قانون و4 مقترحات قوانين    الأمين العام لأكبر نقابة في المغرب يتهم رئيس مجلس النواب بانتهاك حقوق مستخدميه بمعمل النسيج بتطوان    السفير البريطاني بالرباط : المغرب والمملكة المتحدة شريكان مهمان لبعضهما البعض    وزير الداخلية المغربي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة ريال مدريد وأتلتيكو .. المغرب وإسبانيا يوحدان جهودهما لتأمين مونديال 2030    شدد على أهمية اتخاذ تدابير لخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة .. صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى استهداف التضخم ومواصلة توسيع الوعاء الضريبي    لقجع: تنزيل الإصلاح الجبائي مكن من تسجيل تطور مستمر للمداخيل الجبائية التي بلغت 300 مليار درهم سنة 2024    إدارة مشروع Elysium بكورنيش طنجة توضح: ملتزمون بأعلى معايير الجودة وننفي مزاعم استرجاع الشقق لإعادة بيعها    تحدث عن إمكانية قطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يوافقا على استقبال الفلسطينيين.. ترامب يواصل تهديداته ويتوعد حماس ب «الجحيم» إذا لم تفرج عن «جميع الرهائن» بحلول السبت    جبور للدار: آخر زلزال شهدته منطقة وزان سنة 2010 ولا علاقة له بالزلازل التي حدثت في العالم    الدرك الملكي بالحسيمة يحبط عملية تهريب دولي للمخدرات    النيابة العامة تأمر بتنفيذ العقوبات الصادرة في حق المتابعين في ملف كازينو السعدي    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    المعارضة تنتقد تدبير الحكومة لمنظومة الاستثمار و"فشل الدعم الفلاحي"    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    تجديد التصريح الإجباري بالممتلكات    المغرب-ألمانيا: توقيع إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون الثنائي في مجال الشؤون الدينية    البحرية الملكية تنقذ 41 مهاجرًا غير نظامي قبالة سواحل طانطان    ألطاف إلهية تحف حافلة مدرسية إثر حادث انقلاب بجماعة ملوسة وعامل الإقليم يزور المصابين    بسبب أزمة الديون.. لقجع يجتمع برؤساء الأندية    المغرب يستعد للمونديال بقانون جديد لتعزيز الأمن في الملاعب    نواب برلمانيون: توصيات المجلس الأعلى للحسابات أرضية لتقوية الرقابة    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    وزير الأوقاف يستقبل وزير الحج والعمرة السعودي في سياق تعزيز التعاون بين البلدين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    الرياضة .. سلاح فعال لمواجهة مشاكل النوم    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    هيركوليس يعلن عودته لتشجيع فارس البوغاز من المدرجات    أشرف بنشرقي يقوم بلفتة مميزة اتجاه عبد الحق نوري    "النهج" يدين المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين ويدعو لتكثيف النضال لإسقاط التطبيع    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    "هِمَمْ" تدين اعتقال الناشط المناهض للتطبيع رضوان القسطيط    ترامب: "أوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما"    وزير الخارجية المصري لنظيره الأمريكي: العرب يرفضون خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة آخرين جراء تصادم طائرتين بأمريكا    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    رئيس أولمبيك آسفي ومدربه في لقاء مصالحة لإنهاء الخلافات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    باحثون صينيون يكشفون عن آلية عمل نظام غذائي يحاكي الصيام لتعزيز المناعة المضادة للورم    "صولير إكسبو": 120 عارضًا و10 آلاف زائر لاستكشاف حلول الطاقات المتجددة    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"روتيني اليومي".. نموذج من مجتمع الاستعراض
نشر في هسبريس يوم 22 - 10 - 2020

تعج مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة منها "يوتيوب"، بالصور والفيديوهات التي يضعها أصحابها موثقين مجموعة من الأحداث يشاركونها جمهورهم، ويستعرضون تجاربهم الشخصية. إلا أن ما يهمنا بالملاحظة في هذا المقال هو ما اصطلح عليه ب"روتيني اليومي" الذي تقوم فيه نساء بعرض تفاصيل أشغالهن المنزلية على قنواتهن على "يوتيوب"، فهل الأمر يتعلق فقط بالشهرة والمال، أو بظاهرة تعكس التغيرات التي تعرفها المجتمعات بصفة عامة والمغربي بصفة خاصة نتيجة غزو تكنولوجيا المعلوميات؟
أدت دمقرطة وسائل التواصل من كاميرات وهواتف ذكية، وبروز عدة منصات للتواصل الاجتماعي ك"يوتيوب" إلى تمكين العديد من إيصال صوتهم وإبراز مواهبهم وعرض تجاربهم على جمهور واسع، بل وأضحت مصدرا مهما للمال؛ حيث عمد كثيرون إلى إنشاء قنوات "يوتيوبية" يعرضون فيها محتويات مختلفة ومنهم من اتخذها لعرض تفاصيل حياته اليومية والشخصية كبرامج "روتيني اليومي".
إن ظاهرة استعراض تفاصيل الحياة الشخصية للأشخاص بدأت مع برامج "تلفزة الواقع" "téléréalité"، التي يستدعى فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص للحديث عن تجاربهم أو قصصهم أو حتى خصوصياتهم أمام الجمهور. لقد اختلط الخصوصي بالعمومي في المجتمعات الحديثة أو ما يمكن نعته بالمجتمعات "الشفافة" أو "المسامية"؛ حيث أضحت مشاعرنا وتحركاتنا مكشوفة للآخرين، وحيث أضحت الحياة الشخصية أو الحميمية "كتابا مفتوحا للجميع" حسب تعبير المفكر الإنجليزي "انتوني جيدنز"، ولم تعد "محرمة" أو مستورة. فبعدما كان المغاربة يسترون مقتنياتهم في أكياس البلاستيك الأسود "ميكا كحلة" خشية أن يعرف الآخرون ما بداخلها، وبعدما كنا نلغي الشرفات "les balcons" من المنازل لكي لا تنفذ عين الغريب إليها وتهتك حرمتها، وبعدما كنا حريصين على حفظ وكتم أسرار منازلنا ونعاقب أطفالنا إذا نطقوا أمام الغريب بشيء خاص بالأسرة. ها هي الكاميرات تدخل هذه المنازل من أبوابها ومن طرف أصحابها، وتصور أدق تفاصيلها، بل وتفاصيل جسد صاحبته ليشاهدها جمهور عريض من المتتبعين، وهذا ما توضحه نسبة المشاهدة المرتفعة جدا وعدد المشاركين في هذه القنوات.
تتجاوز في بعض الأحيان نسبة مشاهدة هذه الفيديوهات 700 ألف مشاهدة في مدة وجيزة، كما يتجاوز عدد المشاركين في بعض القنوات 100 ألف مشارك. تقوم صاحبة القناة بتصوير سير أشغالها المنزلية الخاصة بالتنظيف وغسل الملابس، أو الطبخ أو ترتيب غرف المنزل بما فيها غرفة النوم مرتدية ملابس تمكنها من عرض تفاصيل جسدها كذلك، لتشارك "أحبابها" و"حبيباتها" كل ما لديها "هادشي لي كاين ماخبيت عليكم والو" كما قالت صاحبة إحدى القنوات موضحة أنها لن تبخل عليهم بأي شيء لترضيهم وتزيد من نسب المشاهدة التي تعتبر معيارا مهما لنجاح القناة.
لقد غيرت تكنولوجيا المعلوميات من حياة الأشخاص وأضحت المجتمعات بتعبير المفكر الفرنسي "جي ديبور" مجتمعات "استعراضية"، أو مجتمعات "الفرجة"؛ تلك المجتمعات التي أضحت العلاقات الاجتماعية فيها بين الأشخاص تتوسط فيها الصورة. هذه الصورة التي غدت أهم من الشيء نفسه والنسخة أفضل من الأصل والتمثيل أهم من الحقيقة كما عبر عن ذلك الفيلسوف الأماني "فيوباخ"، مجتمعات أصبح فيها استعراض الصور من ثوابت وجودها وشعارها "أنا أصور إذن أنا موجود"؛ يسافر أحدهم فينشر صوره، يأكل فينشر صوره، يمارس رياضة فينشر صوره، ينظف منزله فينشر صوره... أصبح الفرد يعيش بحسب صورته لدى الآخرين لا وفق ما يكون عليه في الواقع. لقد احتلت الصورة بشكل كامل الحياة الاجتماعية حيث بات الكثيرون يقيسون وجودهم في الحياة ونجاحهم بعدد المعجبين و"الليكات" على قنوات التواصل الاجتماعي، ولو على حساب حياتهم الشخصية التي أضحت سلعة تباع في معارض المواقع الافتراضية، تلك المعارض المفتوحة للجميع لعرض سلعهم على الزبائن، هؤلاء الزبائن الذين باتوا هم كذلك سلعة في يد "ملوك الانترنيت" أو ما يطلق عليه ب (GAFAM) نسبة إلى (غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون وميكروسوفت)؛ هذه الشركات العملاقة جعلتنا "نستهلك" وقتنا "الثمين" أمام شاشات الهواتف الذكية لتتبع "الماجريات" وقشور الأحداث والمهاترات الشبكية والهاشتاغات ومختلف عروض الفضاء الأزرق التي لا تنتهي (انظر كتاب "الماجريات" للكاتب إبراهيم بن عمر السكران) .
إن برامج "روتيني اليومي" على "يوتيوب" ليست سوى نموذج، أو مشهد من مشاهد مجتمع الاستعراض أو الفرجة؛ فالمشاهد كثيرة جدا والعروض متنوعة ولكل جمهوره الخاص الذي يشجعه ويدعمه ب"اللايكات" والمشاركات والمشاهدات التي تعتبر معيارا لنجاح العرض، فمن هم جمهور روتيني اليومي الذين ساهموا في رفع نسبة المشاهدة لهذا النوع من العروض؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.