بعض المغاربة الشجعان خرجوا ضدّ الأسد. الأسود تعرف أسوأ أيامها في المغرب، فهي مثل القطط في ملاعب الكرة، ولذلك نعاقبها بالتهميش في حدائق الحيوانات، وننتظر أن تنقرض قريبا. هيلاري كلينتون، ويا للمصادفة، تحلّ ضيفة علينا لترى شوارعنا ملأى باليافطات ضدّ الأسد، لكنها لو غيّرت برنامجها وذهبت إلى أقرب حديقة حيوان ستتأكد بأننا ساخطون على كل الحيوانات. الغريب أن هيلاري كلينتون حذّرت في تصريحاتها من حرب أهلية في سوريا ومن تسليح المعارضة الذي سيستفيد منه تنظيم "القاعدة"، لأول مرة تخاف أمريكا علينا من الطائفية، وكأنها نادمة على ما اقتُرف في العراق وليبيا، وتشير إلى "المعارضة القوية للتدخّل الأجنبي". كل هذه التصريحات الأمريكية والرحلات المكوكية، لا تعني الأسد في شيء، فهو يجرّ فريسته إلى أغرب استفتاء حول الدستور، سيصوّت فيه السوريون، مرة أخرى، على مَن ينتش لحمهم كل يوم. "أبو حفص" السلفي الذي أُفرج عنه مؤخرا، دعا وزير الخارجية سعد الدّين العثماني إلى طرد سفير الأسد في الرباط. الداعية السعودي عائض القرني، الذي تمّ تغريمه مؤخرا بعدما ثبتت سرقته لكتاب إحدى الكاتبات السعوديات، يُفتي بقتل الأسد و"أن هذا أوجب من قتل الإسرائيليين". أمثال هؤلاء الدعاة، الذين أصبحوا آلة إفتاء عسكرية، ليست لديهم الجرأة الكافية لإصدار فتوى بسيطة في حكام بلدانهم، وكأن السعودية جنة العدل والديمقراطية. خريج كلية أصول الدين عائض القرني، كغيره من شيوخ الوهابية أصبحوا صورة سيئة عن إسلام لا يتورّع في الدعوة السياسية إلى القتل والدعوة إلى تطبيق شرائع بدائية لا يقبلها لا العقل ولا العصر. الأسد ينهش الشعب السوري، وجرائمه فرجة عالمية مفتوحة على شاشات عالية الدقة، لكننا لسنا همجا مثله، وعلى السوريين المطالبة بمحاكمته، إن كانوا فعلا يريدون إسقاط الديكتاتورية والقطع مع الهمجية السياسية وتفعيل دور العدالة، رغم أن البعض سيقول أن الأسد لا يستحقّ حتى حقوق الحيوان للفظائع التي اقترفها في حقّ شعبه، وهذا أمر يبدو منطقيا، لكن ثقافة الثأر والانتقام لا تنتج نظاما يضمن الأمن للجميع، وتنتمي لمعجم الانحطاط السياسي الذي تغلغل في الثقافة العربية وهي تصنع بيداغوجيا الاستبداد التربوية. نتذكّر جميعا إعدام صدام حسين يوم عيد الأضحى، وكيف احتفى العراقيون بذبيحتهم، ونتذكّر الطريقة المهينة التي قُتل بها القذافي ورُمي عاريا في مكان تحوّل إلى متحف معاصر للثأر. الديكتاتوريون العرب يستحقّون أكثر من ذلك، لما قاسته شعوبهم من وحشيتهم، لكن علينا ألا ننجرّ إلى الهمجية التي جعلها هؤلاء أوكسجيننا المتاح. لم نعد نستطيع التفكير بدون عمى القتل والسّحل والانتقام. أنظروا إلى العراق اليوم، كيف تحوّل إلى دولة للمافيات الطائفية. أنظروا إلى ليبيا التي أصبحت بيوت الليبيين فيها مخازن للأسلحة ومدافن للكراهية والإبادة. ببساطة، لأن ما بُني على باطل، فهو باطل. أسد سوريا وكل حيوانات نظام البعث عليهم أن يحاكموا، وعلى المحكمة أن تقضي آنذاك بإعدامهم، لكن قبل ذلك أن تكشف للشعب السوري عن الكثير من القضايا الغامضة والملفات السياسية الداخلية والدولية، فالقذافي تمّت تصفيته بتلك الطريقة السريعة والمفاجئة، لكن ماذا لو تخيّلنا محاكمته؟ كنا سنشهد أمتع محاكمة في التاريخ، لأحمق ديكتاتور عرفته البشرية. كان القذافي سيقذف العالم بملفات ربّما ستحرق دولا عظمى، أو على الأقل سيكون بإمكان الليبيين الكشف عن الجرائم التي اقترفها النظام وبقيت طيّ الكتمان. كنا سنرى بعض الأدعياء العرب، الذين أكلوا من "رفيسة" القذافي وشربوا، محرومين من النوم حتى يعلن القضاء إعدامه. الديكتاتور العربي ليس هو الأسد أو مبارك أو حمد بن عيسى آل خليفة. انه كل عربي من المحيط إلى الخليج، مستعدّ للقتل والانتقام من أجل فكرة في رأسه لا يؤمن بها الآخرون. إننا للأسف شعوب من الديكتاتوريين الصغار يتناوبون على بعضهم البعض.