في موسكو، يعمل المحللون السياسيون في الكرملين ومجلس الأمن القومي الروسي التابع له، على قدم وساق، من أجل إعداد سيناريوهات للمناورات التي يمكن القيام بها، في حالة إذا ما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وتشعر روسيا بقلق متزايد من احتمالات خروج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الأبيض، وتحاول تحديد تداعيات هذا الاحتمال على قضايا شائكة تتنوع ما بين السلاح النووي والعلاقات مع الصين، مرورا بتصدير الطاقة والعقوبات، وانتهاء بالصراعات العالمية ذات التأثيرات بعيدة المدى، على حد قول أشخاص مطلعين على الجهود الروسية في هذا الصدد. ورغم أن الكثيرين لا يرون آفاقا واسعة لتحسن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا في حالة إعادة انتخاب ترامب، ترى مصادر مقربة من القيادة الروسية أن فوز بايدن لن يكون بمثابة أخبار سارة بالنسبة لموسكو. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن مصدر وثيق الصلة بالكرملين اشترط عدم الكشف عن هويته قوله إن فوز الديمقراطيين ربما يعطي الكرملين سببا آخر لتغيير برنامجه الانتخابي، والمضي قدما في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الربيع المقبل، للانتهاء من هذا الاستحقاق، قبل أن تجد الإدارة الأمريكيةالجديدة الوقت الكافي لفرض عقوبات إضافية على روسيا. ومع وجود هذه المخاطر الجمة، يقول مسؤولون أمريكيون إن روسيا تتدخل بالفعل في الحملة الانتخابية الأمريكية، وإن كان الوضع قد اختلف عن عام 2016، عندما جاء فوز ترامب بمثابة مفاجأة، حتى بالنسبة لمن كانوا يساندونه في موسكو. ويرى مسؤول كبير في الاستخبارات البريطانية أن الاستقطاب استشرى بشدة في الحياة السياسية الأمريكية إلى درجة أنه لم تعد هناك حاجة كبيرة كي تتدخل روسيا، وتبتكر قضايا جديدة مثيرة للجدل. غير أن كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي، صرح الأسبوع الماضي بأن روسيا تقود حملة "نشطة للغاية" لكي تحط من قدر بايدن وتزرع الفرقة في المشهد السياسي الأمريكي. ويقول جليب بافلوفسكي، المستشار السابق بالكرملين، إن القيادة الروسية لم تخرج ترامب من حساباتها حتى الآن، مضيفا: "ليس من الواضح نوعية المساعدة التي يمكن أن تقدمها لترامب، ولكنها سوف تقدم له يد العون طالما أن ذلك لن يسبب فضيحة كبيرة"، وأضاف: "إنهم لا يريدون التسبب في نتائج عكسية". ويسهل الرئيس الأمريكي من مهمة روسيا من خلال نوعية حرب المعلومات التي يخوضها، بما في ذلك تكرار المزاعم بأن التصويت عبر البريد سوف يؤدي إلى عمليات تزوير واسعة النطاق، وهي تأكيدات تحرص وسائل الإعلام الرسمية في روسيا على تسليط الضوء عليها وتضخيمها. وينفي المسؤولون الروس التلاعب في الانتخابات الأمريكية، سواء الحالية أو تلك التي جرت عام 2016. واقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا أن تتبادل الولاياتالمتحدةوروسيا تقديم الضمانات بعدم تدخل أي من البلدين في الانتخابات التي تجرى في الدولة الأخرى، حسبما جاء في بيان على الموقع الإلكتروني للكرملين، كما دعا إلى إجراء محادثات بشأن أمن المعلومات واستئناف التعاون في مجال الأمن الإلكتروني، ليطرح بذلك من جديد الاقتراح الذي سبق أن قدمه بعد الانتخابات الأمريكية عام 2016. ومنذ تلك الانتخابات، انقضى الافتتان الروسي بالرئيس ترامب. ويقول مسؤولون روس إن "الخوف المرضي من روسيا" داخل أروقة الإدارة الأمريكية لن يتغير بصرف النظر عن الرئيس الذي يجلس داخل البيت الأبيض، وإن كان هناك اختلاف شاسع بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي. ففي حين صرح ترامب الأسبوع الماضي بأن الصين والتصويت البريدي يمثلان خطورة أكبر من روسيا، ذكر بايدن أنه سوف يجعل روسيا تدفع ثمن التلاعب في الانتخابات الأمريكية، ووصف موسكو بأنها غريم. وتعود خصومة الكرملين مع بايدن إلى زمن بعيد مضى، على الأقل عندما زار موسكو عام 2011، وكان آنذاك نائبا للرئيس الأمريكي، وأعرب لزعماء المعارضة الروسية عن اعتقاده أن فلاديمير بوتين لا يجب أن يترشح للرئاسة مرة أخرى.. وهذه النوعية من الإهانات لا تنسى بسهولة، على حد قول شخص مقرب من الكرملين. وتحرك بوتين في ذلك العام لتمديد حكمه حتى عام 2036. وتتلهف الزعامة الروسية على اغتنام الفرصة كي تقلب المائدة على واشنطن بعد انقضاء عقود مما كان الكرملين يعتبرها جهودا أمريكية فجة، في بعض الأحيان، للتلاعب في الحياة السياسية الروسية، على حد قول شخص مقرب من السلطات الروسية. لكن فيسبوك وغيره من شركات التواصل الاجتماعي اتخذت موقفا نشطا للتصدي لحملات المعلومات المزيفة، وأوقفت حسابات على صلة بالكرملين. وأعلن فيسبوك الأسبوع الماضي أنه تصدى للمزيد من الجهود الروسية لنشر المعلومات الخاطئة. وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في الوقت ذاته عقوبات على مسؤول سياسي أوكراني وصفته بأنه عميل روسي، بسبب جهوده لتلويث سمعة بايدن بتهم تتعلق بالفساد، على صلة بالمعاملات التجارية لنجله في أوكرانيا. وترى فيونا هيل، التي شغلت منصب مدير مجلس الأمن القومي الأمريكي للشؤون الأوروبية والروسية، حتى عام 2019، أن هناك انقسامات داخل الكرملين بشأن مدى الحكمة من مواصلة "الألعاب القذرة" في الحملة الانتخابية، التي قد تقود إلى نتائج غير واضحة، وربما تعود في الوقت الحالي بمكاسب محدودة. وتقول هيل إن ثبوت ضلوع روسيا في محاولة تخريب الديمقراطية الأمريكية يكلف موسكو خسائر باهظة، موضحة: "لقد خسروا الطبقة السياسية الأمريكية برمتها، وقاموا بتسييس الروابط بين الجانبين، إلى درجة أن مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية الآن أصبح يتوقف على الفائز في انتخابات نوفمبر المقبل".