مرة أخرى، وفي ظل صمت البعض، أجدني مرغما على الإدلاء بدلوي والتعليق على الخرجات الإعلامية الأخيرة لسائق "الجرار"، على الأقل من باب الحق في إبداء الرأي الآخر مهما كان مزعجا للبعض، على الرغم من أن جل تصريحاته تخصه لوحده ولا يتقاسمها معه حتى أقرب المقربين، ناهيك عن السواد الأعظم من مكونات "البام"، حتى وإن أصبغ بعضها بلون مؤسساتي غير شرعي. وأود، في هذا السياق، الحديث عن "الاصطفاف التعسفي" الذي أعلن عنه الأمين العام للحزب، وتوالي خرجاته الإعلامية ومبادراته الميدانية، من أجل استدرار عطف حزب كان يصفه سابقا أميننا العام شخصيا ب"الحزب الإسلاموي". ولأن "اللسان ما فيه عظم"، فإن ربط تأسيس الحزب ومبررات وجوده وسياقات ميلاده بكون "حزب الأصالة والمعاصرة تأسس في ظروف سياسية مطبوعة بصعود المد الإسلاموي".. وقائل هذا الكلام ليس سوى أميننا المبجل في ورقة قدمها للمؤتمر الرابع بعنوان "من نحن؟ وماذا نريد؟". فلماذا السرعة في الارتماء في أحضان أقصى اليمين الإسلاموي، بدون مسوغات وجيهة؛ بل ومن أجل هذا الخيار الجديد لا يجد مانعا في إقحام إمارة المؤمنين في جدل سياسي غير لائق. لما أثار أميننا العام الجدل بسبب تصريحه غير المسؤول وغير المسبوق حول إمارة المؤمنين، في ندوة صحافية قبيل انتخابه أمينا عاما، توالت ردود الفعل من طرف جهابذة الحزب وأطره، كشفت أن خرجاته تلهث وراء "البوز" في غير محله؛ بل تنم عن فقر معرفي وخواء فكري، حيث لم يسترخص الأمين العام ل"البام" فقط الرصيد الانتخابي للحزب ومكانته السياسية وتموقعه الحداثي والديمقراطي، وامتد به التيه، بدون فرامل، إلى إثارة الجدل حول إمارة المؤمنين ومقارنتها برمزيتها التاريخية وحمولتها الدينية وشرعيتها الدستورية والشعبية بحركات الإسلام السياسي، حديثة النشأة والتي كان لجزء كبير منها ماض دموي أسود، ولو توفرت لها الظروف لحكم بلدنا بطريقتها الخاصة لقرأنا الفاتحة على استقرار مملكة اسمها المغرب. حينها، كان من الضروري استحضار آلية المحاسبة التنظيمية للقيادة الحزبية، وتفعيلها تجاه منزلق صبياني يجادل في واحد من الثوابت الراسخة في وجدان الأمة منذ قرون، عوض أن يتحكم في المؤتمر قراصنة الصفقات العابرة للجهات وتنصيبه على رأس الأمانة العامة؛ فإمارة المؤمنين لم يسبق أن طُرحت ب"التعسف" الذي استعمله ربان "البام" حتى من طرف يسار سبعينيات القرن الماضي. وبما أن الحدث الجلل مرّ دون محاسبة، ها هو سائق "الجرار" يعيد الكرة عبر نافدة إعلامية عربية، بل والأنكى من ذلك يصف منتقديه بالغباء... ويختمها بوصف نفسه بالطويل فكريا... كل هذا وأكثر فقط في سبيل كسب ودّ حزب حكومي يُحصِي أنفاسه الأخيرة في قيادة دفة الحكومة. ومع توالي سياسة الانبطاح التي أصبحت ملازمة للقيادة الحالية، أتساءل وإياكم: هل استفاد الأمين العام من تجربة مساندة القوى الحداثية والديمقراطية في تونس المجاورة لحركة الإسلام السياسي، في إطار حركة 18 أكتوبر، وما بعدها من صيغ للتحالفات والتنسيقات كانت تطمئن إليها القوى الحداثية بينما تعتبرها حركة النهضة تكتيكا ظرفيا ليس أكثر؟ أما إذا كانت لكل بلد ظروفه، دعونا نطرح السؤال من وحي واقع المغرب: هل يعلم الأمين العام التكلفة السياسية التي أداها حزب التقدم والاشتراكية، وهو يتماهى مع "البيجيدي" في كل صغيرة وكبيرة؟ خرج الحزب بعدها منهزما في الانتخابات بينما تضاعفت مقاعد "البيجيدي" إلى غير ذلك من تجليات خسارة الرفاق. وبتعبير محلل سياسي، فإن "حزب التقدم والاشتراكية خسر المراهنة على حزب العدالة والتنمية، بعد أن وضع البيض كله في سلة بنكيران وخاض معه حتى حروبه بالوكالة". من جهة أخرى، ألا تحس القيادة الحالية بذرة كرامة وهي ترى كيف قابل صقور حزب العدالة والتنمية "تزلف البام"، برفضهم تواجد الحزب في المشهد السياسي، مهما تغيرت هياكله التنظيمية.. بمبررات غريبة أحيانا، مثل ما قاله عبد الصمد الإدريسي إن "مشكلة الأصالة والمعاصرة تكمن في نشأته وتأسيسه، ومؤسسيه، ومساره، وممارساته، ومصادر تمويله؛ بل اعتبر الحزب "ورماً أصاب الحياة السياسية والحزبية". وهذا عبد العزيز أفتاتي يغلق الأبواب والأفئدة قائلا: "لا أمل في الحوار مع حزب البؤس". على العموم، وبالواضح والمرموز، إن استفحال منزلقات قيادة "البام" الحالية لا يبشر بالخير، وما تم تناوله في هذا المقال بعيد وبشكل متعمد عن موضوع ملف التزوير في رئاسة الفريق؛ بل وليس سوى قيد أنملة من أكوام المنزلقات المتعددة والمتشعبة، والتي يجب تداركها قبل أن تجعلنا كعصف مأكول؛ لأنه ومما لا مراء فيه أن حزب الأصالة والمعاصرة يعيش على وقع أزمة سياسية وتنظيمية وفكرية، تعتبر من بين أخطر المراحل الدقيقة التي مر منها الحزب منذ تأسيسه. دمتم سالمين