باحثا في إشكالات إحدى أصعب أشكال التّرجمة، يضاف للخزانة المغربية والعربية كتاب جديد صادر عن دار خطوط وظلال للنّشر والتّوزيع، للباحث المغربيّ مراد الخطيبي. وفي كتابه الجديد المعنون ب"الترجمة الأدبيّة: الممكن والمأمول"، يقول مراد الخطيبي إنّ الترجمة الأدبية تعتبر "مِن أهم وأصعب أنواع الترجمة"؛ لأن "إشكالياتها تتجاوز في بعض الأحيان المبنى، والمعنى، والوقع أو الأثر، لتصبح عملية ذات رهانات أقوى"، ف"الكتابة الإبداعية تنحاز نحو ما هو جمالي وفني تحديدا. ويصبح رهان المترجم هو كيفية المحافظة على العناصر الاستطيقية الموجودة في النص الأصلي، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية للغة المترجَم منها واللغة المترجَم إليها". وينضمّ الخطيبي إلى الإجماع العامّ حول "أهمية الترجمة وصعوبتها في الآن نفسه"؛ نظرا لكونها "تؤدي أدوارا ثقافية واجتماعية وسياسية وحضارية وتساهم في الحوار والتواصل في شتى المجالات المعرفية والفكرية والسياسية والدبلوماسية وغيرها؛ بيد أن صعوبتها تتجلى أساسا في ما هو لغوي وثقافي وسياسي، وقد تتجاوز هذه الحدود فتصبح بالتالي عملية معقدة يصعب فك رموزها وحل خيوطها الملتبسة". ويؤكّد الكاتب أنّ الترجمة، رغم من هذه الصعوبات والحواجز، تبقى "عملية ممكنة"، كما يقول الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، الذي يؤكد أيضا أنها ليست "انتقالا من محتوى دلالي قار نحو شكل من التعبير مخالف، وإنما هي نمو وتخصيب للمعنى بفعل لغة تكشف، بفضل عملية التخالف الباطنية، عن إمكانيات جديدة". ويعالج هذا المؤلَّف الجديد مجموعة من المشاكل والصعوبات التي تواجه المترجمين في عملية الترجمة، من بينها سؤال الإبداع في التّرجمَة، ويورد حلولا يقترحها بعض المترجمين لتذليل هذه الصعوبات، كما يتطرّق ل"قيمة الترجمة، وقدرتها على نفض الغبار عن بعض الكتب الإبداعية التي طالها النسيان؛ وبعثها إلى الحياة من جديد، وإعادة طرح ما جاء فيها للنقاش والتداول، سواء على مستوى سماتها الفنية أو الفكرية والثقافية". ولنقدِ عملية الترجمة ومحاولة الإجابة عن إشكالية الترجمة بين الممكن والمأمول، يضم هذا المؤلف مجموعة من الدراسات، تتوزع بين ترجمة الشعر وترجمة الرواية وترجمة الهايكو. ونظرا للارتباط القويّ الذي يجمع الفلسفة بالأدب، يقترح الكتاب في بدايته فصلا نظريا يبسط فيه بعض الإضاءات والأسئلة حول الترجمة بين الطرح الفلسفي والتأويل الثيولوجي، من خلال قراءة في مشروعي عبد السلام بنعبد العالي وطه عبد الرحمان. في باب الرواية، تتمحور الدراسة الأولى حول موضوع الترجمة الأدبية، ورهانات المحافظة على المعنى والخصائص الجمالية لرواية "الحضارة أمي" لإدريس الشرايبي. كما تتطرّق الدراسة إلى تحليل عملية الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية عبر جرد أمثلة، وتحليل آليات الترجمة التي لجأ إليها المترجم من أجل حل المشاكل التي واجهته. أما الدراسة الثانية فتتطرّق إلى ترجمة رواية "الذاكرة الموشومة" للأديب عبد الكبير الخطيبي، إلى اللغة الإنجليزية، انطلاقا ممّا أحيته الترجمة من "إشكالية الهوية" التي طرحتها الرواية منذ صدورها سنة 1971؛ وتحاول تناول هذا العمل باعتباره رواية ما بعد كولونيالية، قادرة بكل مقوماتها الفنية أن تكون واحدة من المراجع المهمة في الأدب ما بعد الكولونيالي، خاصة لدى قراء اللغة الإنجليزية. أما في باب الشعر فيتضمن المؤلف دراستين، تتمحور أولاهُما حول مقارنة بين بعض ترجمات "النبي" لجبران خليل جبران من الإنجليزية إلى اللغتين العربية والفرنسية، محاولة، انطلاقا من المنهج البنيوي، تناول موضوع الترجمة الأدبية وتحدياتها على مستوى المبنى والمعنى والعناصر الجمالية، وتحاول أيضا البحث عن الترجمة المبدعة من خلال هذه الترجمات التي تم تناولها. وتتناول ثاني الدّراستَين الواردتين في باب الشّعر، في أحدث كتب مراد الخطيبي، موضوع ترجمة الشعر أو شعرية الترجمة من خلال المجموعة الشعرية "ما لم يقل بيننا" للشاعرة فاتحة مرشيد، الذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية، من خلال تحليل بعض العينات والإستراتيجيات المستعملة من طرف المترجِم، قصد "ملامسة عنصر الإبداع في عملية الترجمة". وتهم آخر الدّراسات التي يتضمّنها كتاب "الترجمة الأدبيّة: الممكن والمأمول" موضوع "الهايكو"، وتتطرّق لإشكالية ترجمة الصورة، باعتبار هذا الفن يرتكز أساسا على الصورة، بانية فرضيّاتها، ومنطلقاتها المنهجية والبحثية على مجموعة "100 هايكو" للشاعر المغربي سامح درويش.