تعتبر مراقبة مدى مطابقة النظام الداخلي لمجلس المستشارين للدستور من الاختصاصات الموكولة إلى المحكمة الدستورية بموجب المادة 132 من الدستور التي تنص على أنه: "تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور"، ويستتبع ذلك أيضا الاختصاص الحصري لهذه المحكمة في مراقبة دستورية أي تعديل يتم إدخاله وإقراره من طرف كل مجلس على نظامه الداخلي. في يوم 24 يوليوز 2020، أحال السيد رئيس مجلس المستشارين "مقترح يقضي بتغيير وتتميم النظام الداخلي"، إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقته للدستور، وذلك عملا بأحكام الفصلين 69)الفقرة الأولى) و132) الفقرة الثانية( من الدستور، والمادة 22)الفقرة الأولى( من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، ويضم المقرح استحداث 45 مادة جديدة، مجمعة في ست مواد، وتعديل مادتين من النظام الداخلي الساري، والإبقاء على المقتضيات التي صرحت المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور، بموجب قراراتها رقم 93.19 و96.19 و102.20. وفي يومه6 غشت 2020 صرحت المحكمة الدستورية بأن "المقترح يقضي بتغيير وتتميم النظام الداخلي"، المعروض على أنظارها يتعذر البت، على الحال، في مطابقته للدستور، وتأمر بتبليغ نسخة من قرارها إلى السيد رئيس مجلس المستشارين، وبنشره في الجريدة الرسمية. بعد الاطلاع على قرارات المحكمة الدستورية رقم 93.19 و96.19 و102.20 و107.20 المتعلقة بالبت في دستورية النظام الداخلي لمجلس المستشارين بما فيه التعديل الأخير المصاغ في شكل المقترح السالف الذكر، لا بد من تسجيل مجموعة من الملاحظات والتساؤلات: أولا: بنت المحكمة الدستورية قرارها الأخير رقم 107.20 القاضي بتعذر البت في مطابقة النظام الداخلي لمجلس المستشارين للدستور، على مفهوم جديد أسمته الوحدة العضوية للنظام الداخلي، حيث أقرت أن إحالة النظام المعدل في شكل مواد مستحدثة متممة للنظام الداخلي الساري، وتعديلات على مواد أخرى منه، دون تضمينه النص الكامل لكافة مواده، لم تحترم فيها الوحدة العضوية للنظام الداخلي المستخلصة من أحكام الدستور، ولم تراع في وضعه أحكام الفصل 69 من الدستور. ويستشف من ذلك أن هذا المفهوم يحيل على ضرورة إحالة النص برمته بما في ذلك المواد التي سبق للمحكمة أن قضت بدستوريتها، وكذا ضرورة مراعاة تناسق وتكامل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، أثناء وضعهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني. وهذا البيان يطرح بعض الإشكالات: 1- في القرارات السابقة للمحكمة، سبق لها أن قضت بتعذر البت لأن المجلس لم يصوت على نظامه الداخلي برمته وإنما على التعديلات التي أدخلها. وهنا نتساءل ما جدوى التشبث بالوحدة العضوية، وضرورة التصويت على مواد سبق للمحكمة أن قضت بدستوريتها وإعادة إحالتها على المحكمة في نص واحد، ليكون مآلها في الأخير ما قضت به في أحد قراراتها (القرار 102.20) حين نصت على أنه: "لا موجب لفحص دستورية مواد النظام الداخلي المعدل بمجلس المستشارين الذي سبق للمحكمة الدستورية أن صرحت بمطابقتها للدستور" (للإشارة ورد في القرار كلمة الذي والصحيح التي). ألا يعتبر إعادة التصويت على مواد سبق للمحكمة أن قضت بدستوريتها تبخيسا لقراراتها وهي التي لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية (الفصل 134 من الدستور). 2- تنزيل المقتضى المتعلق بضرورة مراعاة تناسق وتكامل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، أثناء وضعهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني هو مهمة مسندة إلى المحكمة الدستورية كما جاء في قرارها، وبالتالي فالوحدة العضوية تدل على وحدة النص في مشمولاته وتكامل مقتضياته بغض النظر عن مقتضيات النظام الداخلي للمجلس الآخر، الذي ستتولى المحكمة الدستورية الحرص على تناسق وانسجام مقتضياتهما في الوقت المناسب لذلك، وإلا فإن وضع كل مجلس لنظامه سيستوجب وجود لجنة بين- مجلسية؟؟ 3- إذا كانت المحكمة الدستورية في بناءات قرارها رقم 107.20 ذكرت قراراتها ذات الأرقام 93/19 و96/19 و102/20، في شأن البت في مطابقة النظام الداخلي لمجلس المستشارين للدستور، فما الجدوى من ضرورة إحالة النص الكامل للنظام الداخلي للمجلس بعد إدراج التعديلات التي تم إقرارها، مع العلم أن هذا البناء يغني المجلس من ذلك بحجة أن المحكمة قد سبق لها البت في النص، وبالتالي فالتعديلات ستبت فيها المحكمة بالنظر إلى المقتضيات الدستورية لا بالنظر إلى باقي المقتضيات بالنظام الداخلي، كما أنها تتوفر أصلا على النسخة السارية المفعول؟ إذا كان الأمر كذلك، ففي جميع قراراتها التي نجد في بناءاتها قرارات أخرى فيلزم إرفاق الإحالة بالنصوص موضوع هذه القرارات!!!! وهو ما لا يستقيم. ثانيا: قضت المحكمة الدستورية في قرارها رقم 107.20 بأنه: "كان يجب إحالة التعديلات الواردة على النظام الداخلي، بعد المصادقة على النص برمته، على النحو المحدد في مقتضيات الجزء العاشر من النظام الداخلي المذكور، إلى المحكمة الدستورية، مضمنة في النص الكامل لهذا النظام، احتراما للوحدة العضوية للنظام الداخلي المستخلصة من أحكام الدستور المشار إليها". بالرجوع إلى الجزء العاشر من النظام الداخلي المذكور، أي المواد من 367 إلى 370 والتي صرحت المحكمة بمطابقتها للدستور في قرارها رقم 102.20، نجد أن المادة 369 تنص على أنه: "بعد موافقة المجلس على التعديلات الواردة على النظام الداخلي، يحيلها رئيس المجلس إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها لأحكام الدستور، طبقا لمقتضيات الفصلين التاسع والستين 69والثاني والثلاثين بعد المائة من الدستور، والمادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية". ومنه فالمادة تتحدث عن إحالة التعديلات وليس النص برمته، وحتى المادة 22 السالفة الذكر تطرقت إلى وجوب إحالة النظامين الداخليين فورا إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقهما وكذا التعديلات المدخلة عليهما بعد إقرارها وهو ما يفيد التمييز بين الاثنين، وإلا كان الأحق (عملا بمبدأ مفهومية النص القانوني) صياغة النص الوارد بالمادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية بما يلي: يحيل رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين على الفور النظام الداخلي لمجلس النواب والنظام الداخلي لمجلس المستشارين إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقهما، وكذا هذين النظامين متضمنين للتعديلات المدخلة عليهما والتي أقرها المجلسان المذكوران قبل الشروع في تطبيقها. ثالثا: إن توجه المحكمة الدستورية في قرارها رقم 107.20 قد يعكس فرط انغماس مراقبة دستورية النظام الداخلي في الجانب الشكلي على حساب الموضوع، وهو ما قد يفوت الفرصة للبت في مواضيع حساسة أبانت الظرفية الحالية جديتها (المساطر الخاصة بالأحوال غير العادية،، قانون المالية المعدل، تطبيق القانون التنظيمي رقم 26-16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، إخبار اللجنة المكلفة بالمالية بإحداث حسابات خصوصية للخزينة خلال السنة المالية)، كما أنه قد يمس بحرية أعضاء مجلس المستشارين في إدخال أي تعديل على نظامه الداخلي، واحترام استقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية. *باحث في القانون العام والعلوم السياسية.