معالي توت الأرض تيمنا بالقول الأثير "وجه اللائمة إلى أهلها وألزمها من هو أحق بها"، أتوجه إلى معاليك: من للاميمونة بعتاب محبر بلون الفيروس التاجي. ومن ويلبا بملامة مدبجة بلون الجسد المستباح بلا رحمة. وبعد، لا يخفى عليك أنك أحق بالخطاب وأولى، لذلك أفردتك بهذه الرسالة التي أريد بها تقريع المستعبِد وتخجيل المتواطئ والتنبيه إلى تلك الأصوات التي ذقت ناقوس الخطر قبل وقوع الكارثة، وقبل انتشار الوباء الفتاك السفاك في جسد العاملات مثل انتشار النار في الهشيم. لكن مع كامل الأسف، لم تلق تلك الأصوات وأنت شاهدة على ذلك الآذان الصاغية. فلا كلمة للأصوات الهشة تسمع، ولا كلمة لمن كان مغلوبا تؤخذ، ولا رأي لمن كان مقهورا مغمورا ينتبه إليه. فقلوب تلك الآذان هي أقرب من حبل الوريد إلى صوت الرأسمال النابض بالجشع والذي يعلن دون مواربة أن صحة الذهب الأحمر أغلى من صحة الوطن. من المؤكد أنه بلغ إلى علمك حجم الكارثة، وهي بالمناسبة كارثة إنسانية قبل أن تكون كارثة وبائية، كارثة يمكن إضافتها إلى سجل العاملات الطافح بالاستعباد والاسترقاق. فكارثة كورونا لا تعدو أن تكون سوى تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، لتميط اللثام من جديد عن الوضعية المأساوية التي تتخبط فيها العاملات المغربيات المقهورات من فرط الاحتقار والإهانة من لدن الأقرباء والغرباء. أكيد أن لك معرفة بهذه الوضعية المأساوية التي انكشف قناعها وبرزت وجوهها للحاضر والبادي، سواء هنا أم هناك، سواء في للا ميمونة أم ويلبا، سواء في الأندلس أم القنيطرة. ومن المحتم أن لك دراية بالعملة الرائجة هنا وهناك، هنا حيث "كورونا مقابل العمل"، وهناك حيث "الجنس مقابل العمل". وبعد، أستميحك عذرا لأنني سأنزاح قليلا عن لغة المنطق والقانون والحقوق، فما عهدت فهمك لها أولا، وثانيا لأنها باتت لا تجدي نفعا. فكثيرة هي الهيئات المدنية والحقوقية، الأجنبية والوطنية التي خاضت معارك حقوقية وإنسانية حامية الوطيس انتهى بعضها برفع دعاوى قضائية، وبتحميل المسؤولية المدنية والجنائية للمقاولات الفلاحية. وكثير هو مداد المجلات الذي سال تنديدا حتى جف، وكثيرة هي أصوات الصحف التي صدحت احتجاجا إلى أن بحت، لكن دار الفراولة بقيت على حالها، لا تسمع داعيا ولا تجيب سائلا. وثالثا، لأننا بتنا مقتنعين تمام الاقتناع، بعد أن طال انتظارنا وقل اصطبارنا، أن مسؤولينا صم بكم عمي، فهم لا يعقلون. لا يعقلون لأنهم أقرب إلى المناصب التي لا يدوم معها عهد، وعمي لكونهم ألصق بالإنكار، وبكم لأنهم أبعد عن الإقرار، وصم لأنهم أقرب إلى تبني الإشاعة وأبعد عن قطع دابر الشك باليقين. بتنا، الآن وهنا، نلتمس لهم العذر بعد أن استولى على قلوبهم سلطان المقعد، فصارت خاوية قاسية جامدة. لهم الحول، وليس لهم القوة والجرأة والشجاعة اللازمة لكي يكونوا أكثر طلبا للحجة ولكشف الحقائق، وأشد حرصا على إدانة الفضائح المقترفة بشكل متكرر وممنهج وعن قصد وسوء نية، وأكثر إلحاحا على إثبات أن صحة الوطن وكرامته وشرفه فوق كل اعتبار. فما عادت هذه اللغة تجدي فائدة. لذلك، سأتوجه إلى معاليك أنت مخاطبا إياك بلغة العاطفة، بلغة تمتح من المخيال الثقافي والشعبي والفني، بلغة لعلها تحقق الرجاء والمطلوب. وهذا ليس استصغارا لأمرك، ولكنه إكبار لك. يا معالي الفراولة، معالي الفاكهة السهلة العطب، معالي الفاكهة المفرطة التلف، معالي الفاكهة المفعمة بالحساسية حد الرهف، معالي الفاكهة المتبتلة في محراب الأحمر حد الشغف والشبق، خبريني إذا سمح لك وقتك الغالي عن إرثك الأسطوري، وما قصة أصل اللون في ابتدائه؟ و متى كنت ترفلين في الأبيض؟ وكيف صارت، ذات زمان، أشعار الحب التي تتغنى بها المزارعات علة لخجلك وسببا لاحمرارك؟ ربما لا تدرين، أنني بحثت في أرشيفك الخاص، واطلعت على إرثك الأسطوري الشعبي والفني الضارب بجذوره في أعماق تاريخك المجيد. لذلك أقف، الآن وهنا، أمام درايتي هذه مستغربا ومندهشا ومشدوها: لم تركت الطبع، وارتميت في أحضان التطبع؟ فما عدت وفية لهذا الإرث، صرت غير آبهة بتلك الطقوس، طقوس توطيد علاقتك الروحية، في مقام الجني، بالعاملات اللواتي يذبن وعثاء الألم والشقاء والقهر والكوابيس في الأهازيج والأغاني والحكايات والأشعار. ما عدت آبهة بإكرام مثواهن وإعظام عادة أسلافك الذين يكنون للعاملات الحرائر كل العشق. هات على الأقل معروفا وعرفانا واعترافا بتلك الأشعار التي كانت تشنف آذان أسلافك كلما مرت بجانبهن. فما لمعذبات الأرض اليوم بيت هن إليه تسكن، ولا شفيع هن به أوثق منك. وبعد، اسمحي لي أن أذكرك ببعض الحقائق الجارحة التي تعلمين أغلبها، لعلها توقظ فيك جذوة الإحساس من جديد، وعساها أن تعيد إليك رشدك، وتردك إلى صوابك وإلى ما هو أولى بك. ما تقولين في الثمن البخس؟ وما تقولين في الساعات الطوال؟ وما تقولين في تنكر الأهل والأحباب؟ وما تقولين في افتراش الهشاشة في المداشر والتلحف بالسقم في المزارع؟ وما تقولين في استباحة بيوت بلا حرمة؟ وما تقولين في فضائح الإجهاض القسري والترحيل الجبري القهري؟ اسمحي لي أن أتوجه إليك أنت بالتحديد، أطال الله في عمرك وأتم نعمته عليك، ما دمت أنت أكثر قربا من أرباب توت الأرض، وأكثر بعدا عن معذبات الأرض، ومادام صوتك مسموعا ومقامك محفوظا في قلوب المستثمرين وجيوبهم. وهذا ليس حسدا زادك الله من فضله ونعيمه، وأبلغك السدة العالية. فأنت تستحقين أكثر من ذلك، تستحقين بيوتا أجمل من البيوت البلاستيكية الحامية، وتستحقين علبا أنيقة خطت بالذهب تليق بمقامك السامي، وتستحقين تعقيما أكثر فعالية في حماية بشرتك الأنيقة الرقيقة، وتستأهلين إجراءات سلامة أشد صرامة تحميك من باقي الثمرات المتعفنة أو الزائدة في النضج، وتحمي توازن الحموضة والحلاوة في عروقك. ولكن أعتقد جازما أنه لا يحق لك أن تبني مجدك على أنقاض أجساد معذبات الأرض، لا يحق لك أن تنسجي حكاياتك الجديدة بحروف من عرق وكلمات من أنين. لا يخفى عليك أن لك العز الأكثر ولهن الذل الأشد، لك الكرامة الأوزن ولهن الوهان الأظهر، لك القلب الحالم الأثقل ولهن القلب الهائم الأخف، لك عيون ساهرة عليك، ولهن عيون باكية عليهن وعليك، لك إجراءات حمائية صافية لا تفل، ولهن إجراءات الطوارئ الصحية المشوبة التي تنقطع. لك نقل خمس نجوم لا ينكسر، ولهن نقل خارج التصنيف لا ينقطع. لك الصحة الألطف ولهن السقم الأرهف، لك الرحب والسعة الأنصع ولهن الضعة الأجهر والظهور المقوسة الأنطق بالشكوى من طول الانحناء، لك الممكن ولهن المستحيل. وبعد، معالي الفراولة كفاك إنشاء للذئاب البشرية ذكرا وللرأسمال قدرا. فذلك أعظم إثما وأفحش ظلما. كفاك اتخاذا الحظوة علة للتخاذل ومانعا للجهر بالحقيقة، فإن لعابد المال فيك أطماعا وليس في قلبه حب لخضرة عيونك. ولا يعرف الشكر إلا لك لأنه يزعم أن الربح لا يأتيه إلا منك، يعطيك خالص المحبة والعناية حتى تعطيه خالص المال. كفاك تصرفا مثل النعامة، أبيني عن صريمتك وعزيمتك. فلا أعلم حال إسماع الصوت بجأش رابط إلى الرأسمال الجبان إلا أشرف من حال الصمت، ولا أعرف حال بعث رسائل التنديد عبر طعمك الطازج المدر لليورو إلى كل من يتخذ من المال دينا إلا أرفع من الحال التي توجب لك التواطؤ، ولا أدري حال الاعتراف بالمعروف الذي يكلل هامة أجدادك إلا أمجد من حال اللؤم. فهن لا يرجون إلا رد الاعتبار ولا يأملن إلا الكرامة، وهن راغبات في التآزر وراغبات عن التآمر. وفي حال الإصرار على اتخاذ الصمت لغة ورفع الانتهازية شعارا، سأقول لك مع كامل الاحترام وببالغ الأسف: أنت وإياه في خندق واحد. فقد استبدلت أنت القناعة بالشراهة مثلما استبدلت معذبات الأرض التكحيل بالمره. أنت مفرطة اللؤم وتدعين أنك مفرطة الإخلاص، وأنت في قمة فساد القلب وأحسبك في قمة سعة الروح. وبعد، تزعمين أن لك ألقابا خالصة لك، وأسطورة مقصورة عليك، ولونا لا يليق إلا بك، ومقاما لا يحسن إلا فيك ولك ومعك وعندك. فزعمك هذا بات محض افتراء، فلم يبق الإرث الأسطوري لائقا بك، سيليق بك تلمود العمة الفراولة، وسيليق بك لعاب المستعمر السائل على كل ثمين نفيس، وسيليق بك كبت المستثمر الغث السخيف، وسيليق بك صوت المستوزر النحيف الضعيف. لن يليق بك شغف الأحمر. سيليق بك غموض الأسود. لن تليق بك ألقاب فاكهة الحب أو شبيهة القلب،،، ستليق بك ألقاب الفاكهة المحرمة وفاكهة العار وفاكهة كورونا. فلن يعود المركز في لوحة "حديقة المسرات الأرضية" لائقا بك. فقد كان هيرونيموس بوش في ذلك الزمان أعرف الناس بجنون إغرائك ، فأزال عن جسدك المختلف الأحجام أوراق التوت مبينا للعيان دورك المقدس في رعاية الطعم الحلو للذة المفعم بالنحيب والعذاب والشر، ورعاية الشهوة المفعمة بعمى الروح والجنون، ورعاية الطريق المحفوفة بالرعب والحسرة والقسوة. ولأنك الآن صرت تضطلعين بدور أشد خطورة وأبعد عن القداسة، بت ترعين الإجهاض في حقول ويلبا والفضائح والحكرة في للاميمونة. بات يليق بك فوضى الجحيم، ذلك الجزء الأيسر من تلك اللوحة التي تسع الجميع. وفي انتظار موقفك الموقر واصطفافك المبجل إلى جانب من أقدحت قلبها الحكرة وأجمد عينها البكاء، لن أستميحك عذرا إن كنت جاوزت حد المقدار، وشنفت أذنك ليس بالأشعار، وإنما بقول للجاحظ جاء فيه "إن حسن الوجه إذا وافق جودة الرأي وسعة الخلق واللسان البين والقول الحق كان أكثر لتضاعف الحسن وأحق بالكمال". وتقبلي مني فائق التقدير الهش والحب القصير الأمد مثل الزجاج. وهب الله لنا ولك الإنصاف وأعاذنا وإياك من الظلم. والسلام إمضاء: من يحمل هم معذبات الأرض