يوم الخميس 25 يونيو، سيتنفس المواطنون الصعداء، وسيكون بإمكانهم الخروج مع أبنائهم إلى المنتزهات والشواطئ، والسفر في مختلف عمالات وأقاليم المملكة المصنفة رقم1، بعد تقييد لحرية التنقل دام حوالي 3 أشهر لمواجهة انتشار فيروس كورونا. هذا الخروج الكبير المنتظر زامن «إنذارا» قادما من جماعة للاميمونة القروية التابعة لإقليم القنيطرة، التي تحتضن ضيعات الفراولة، والتي سجلت أكبر بؤرة إلى حد الآن في المغرب. فما هي دروس هذا التحذير؟ وكيف يمكن المزاوجة بين تخفيف الحجر الصحي والتعايش مع الفيروس والوقاية منه؟ منذ ظهور الفيروس في المغرب في بداية مارس 2020، لم نسجل حصيلة يومية متسارعة وكبيرة كالتي سجلت في وحدات الفراولة في هذه الجماعة خلال الأيام الأخيرة، والتي بلغت خلال بضعة أيام حوالي 700 إصابة. فمنذ ظهور الوباء، كانت الإصابات المسجلة يوميا لا تتجاوز 250 في أقصى الحالات، لكن في «للاميمونة» وصلنا في يوم واحد إلى أزيد من 500 إصابة. من حق المواطنين الذين التزموا بالحجر الصحي وصبروا، طيلة هذه المدة، أن يغضبوا من هذا التطور المفاجئ الصادم، الذي ينذر بالعودة إلى نقطة الصفر، وأن يتساءلوا عن التقصير الحاصل. ومن حقنا أن نطالب بالكشف بشفافية عن نتائج التحقيق الذي أعلنت وزارة الداخلية فتحه، خاصة أن الإصابات ظهرت في هذه الضيعات منذ أسابيع، وارتفعت أصوات النساء العاملات حينها مطالبات بإخضاع الجميع للفحص دون جدوى، ولا حاجة إلى التذكير بأن ظروف العمل في الضيعات لا يُحترم فيها التباعد الاجتماعي، خاصة خلال نقل العاملات بشكل مكدس في سيارات النقل أو خلال العمل. لكن، في انتظار ظهور نتائج التحقيق، لا بد من استخلاص الدروس من هذه الواقعة ونحن نستعد للخروج لمواجهة الفيروس والتعايش معه. أول دروس للاميمونة هو أن الفيروس لايزال موجودا ومنتشرا ولم يُقضَ عليه نهائيا، وهناك من يتوقع أن اختفاءه ربما يتطلب سنة أخرى. هذه الحقيقة يجب أن يستحضرها كل من سيسافر بدءا من 25 يونيو. فالعديد من الأشخاص يعيشون بيننا قد يكونون مصابين، ولا تظهر عليهم أعراض، وقد تظهر عليهم الأعراض فيما بعد أو لا تظهر أبدا، لكن، بسبب رفع الحجر الصحي، سيكون بإمكانهم التنقل بحرية، فينقلون العدوى إلى آخرين، قد تكون مناعتهم ضعيفة. في للاميمونة، لم تُكشف الحالات عبر الاتصال بالأرقام التي خصصتها وزارة الصحة لهذا الغرض، إنما من خلال عمليات الفحص التي خضعت لها العديد من الوحدات الإنتاجية، ومنها ضيعات الفراولة. وهذا يعني أن السلطات انتقلت من مرحلة تلقي التبليغات عن الإصابة بالفيروس، إلى مرحلة البحث عن الفيروس ميدانيا، في المعامل ووحدات الإنتاج وقطاعات النقل والصيدلة، وغيرها... فقد جرى تكثيف الفحوصات التي انتقلت من حولي 1000 فحص يوميا مع بداية ظهور الفيروس، إلى ما يناهز 20 ألف فحص يوميا حاليا. وبفضل هذه العملية أمكن اكتشاف بؤرة للاميمونة التي تبين أن أغلب المصابين فيها نساء دون أعراض، ما رفع عدد المصابين إلى حدود الآن إلى حوالي 10 آلاف إصابة. ثانيا، أن ما وقع في للاميمونة يكشف أن المرحلة المقبلة ستكون أصعب من المرحلة السابقة. ففي المرحلة السابقة، كانت حالات الإصابة متحكما فيها بفعل الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي الصارم، أما في المرحلة المقبلة، التي يتواصل فيها فتح الاقتصاد، والسماح بحرية التنقل، فستزداد فيها فرص تنقل الفيروس، وستكون فرص تكاثره أكبر، ما لم تُحترم تدابير التباعد الاجتماعي والحرص على قواعد الوقاية. وقد تمكن عمليات الفحص المكثف للوحدات الصناعية، وتتبع المخالطين، من اكتشاف المزيد من البؤر الجديدة، لا قدر الله، والتي ستؤدي إلى إغلاق المناطق المحيطة بها للسيطرة على الفيروس. ففي جهة العيون، مثلا، التي كانت حالات الإصابة فيها محدودة، فتبين فجأة أن 25 مهاجرا سريا من جنوب الصحراء مصابون بكورونا، بعدما وصلوا إلى جزر الكناري، انطلاقا من سواحل العيون ما بين 14 و20 يونيو. وإثر ذلك قامت السلطات المغربية بفحص مجموعة من المهاجرين ومخالطيهم، فتبين أن حوالي 40 شخصا مصابون. ثالثا، سيكون من الصعب العودة إلى فرض حجر صحي شامل على كامل التراب الوطني نظرا إلى الأضرار الاقتصادية الكبيرة، وعجز الدولة عن الاستمرار في توزيع الدعم على فاقدي الدخل، ولكن من المتوقع إخضاع المناطق التي ستظهر فيها إصابات لعملية الحجر، مثل ما وقع في للاميمونة، والمدن التي قدمت منها العاملات في الفراولة مثل القنيطرة ووزان والعرائش، وغيرها من المناطق القروية في الغرب. كل المؤشرات المتعلقة بالوباء إلى حد الآن تبقى إيجابية، خاصة نسبة الوفيات التي لا تتعدى 2,3 في المائة، وقلة الإصابات الخطيرة، لكن معدل انتشار الفيروس ارتفع في حالة للاميمونة، ويمكن أن يظهر في بؤر أخرى، لذلك، فإن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المواطن الذي عليه الاستمرار في التباعد الاجتماعي، واحترام تدابير الوقاية والنظافة، خاصة أننا في فصل الصيف الذي يشهد الإقبال بشكل كبير على الشواطئ، كما أن أرباب العمل مدعوون إلى احترام الإجراءات الاحترازية والتحلي بالمسؤولية.. هذه هي دروس للاميمونة.. الفيروس مازال هنا، ولا بد من تجنبه والتعايش معه.