نظمت الجمعية الوطنية للمحامين الشباب ندوة عن بعد حول "واقع المرأة المحامية في ظل أزمة كورونا وآفاق العمل"، وهي الندوة التي جرت، وفق القائمين عليها، في ظل ما تعيشه مهنة المحاماة من إكراهات جديدة فرضها انتشار وباء "كوفيد-19"، الذي أدى بالدولة إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض الحجر الصحي وما تلاه من اعتماد إجراءات المحاكمة عن بعد. بشرى العاصمي، محامية بهيئة مراكش، عضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، طرحت مجموعة من المشاكل التي تمر منها تجربة المحاكمة عن بعد، وأشارت إلى أن هذا الواقع لا يقتصر على المغرب وإنما تعرفه مجموعة من البلدان التي سبقته إلى اعتماد هذا الأسلوب، مؤكدة على حتمية العمل بالوسائط الإلكترونية في قطاع العدالة بشرط الاستعداد الجيد لذلك بالتكوين وبتجويد الخدمات والتنزيل التدريجي، وإلا فإن ذلك سيكون لفائدة من أسمتهم "المحتكرين وأرباب الممارسات غير الشريفة التي لا تنخرط فيها المحاميات لطبيعتهن". وأشارت المتدخلة إلى الضعف الكبير الذي تعرفه تمثيلية المحاميات في هيئات المحامين رغم كونهن يشكلن ما يناهز ثلث مجموع أعضاء هذه الهيئات، كما لم تتمكن إلى الآن أي محامية مغربية عبر الوطن من الحصول على منصب النقيب، ما اعتبرته انعكاسا لتفشي العقلية الذكورية في الوسط المهني وغياب التضامن في ما بين المحاميات من أجل الوصول إلى الهيئات المهنية لإسماع صوتهن، داعية اعتماد الحق في "الكوطا" التي يعمل بها في العالم، والتي ليس منحة أو صدقة. وأشارت الأستاذة العاصمي إلى أن هناك مشروع قانون توافقت بشأنه وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين، يقترح ألا تقل تمثيلية المحاميات في الهيئات عن الربع، معتبرة أن ذلك دون مستوى الطموح، إذ يلزم بالنسبة لها ألا تقل "الكوطا" عن الثلث في أفق المناصفة، وذلك حتى يمكن تحقيق التوازن بين القوى النسائية العاملة في المحاماة والقوى المؤثرة في أجهزة الهيئات المهنية. من جهتها، أبرزت إيطو أوعطار، المنسقة العامة لمنتدى المحامية المغربية العضو في مجلس هيئة المحامين بالرباط، ما أبان عنه الواقع في مختلف البلدان بخصوص الدور الذي لعبته المحامية في الذود عن الحقوق، مؤكدة أن المحامية تسعى إلى دولة تسود فيها الحقوق والحريات كما يصبو إلى ذلك زميلها الرجل، بحيث لا يمكن الحديث عن وضعية المرأة المحامية وعن الإكراهات التي تعترضها بمعزل عن زميلها الرجل، خاصة أن كلاهما يمارس في ظل إطار قانوني واحد منظم للمهنة، وأعراف وتقاليد مهنية واحدة، وهي الوضعية التي لا تخلو بالنسبة لها من خصوصية للمرأة المحامية. وتطرقت المتدخلة لمجموعة من الإكراهات التي اعترضت المهنة زمن كورونا، مشيرة في سياق ذلك إلى قيام الدولة باتخاذ قرارات وتنزيلها مست المهنة دون أن يستحضر رأي المحاميات والمحامين، بالنظر إلى دورهم الإستراتيجي في بناء دولة الحق والقانون، ومن ذلك ما يتعلق بالمحاكمة عن بعد التي كانت نتيجة لقرار الدولة إغلاق مجموعة من المرافق العمومية، إعمالا لحالة الطوارئ الصحية، ما دفع المحاميات والمحامين إلى إغلاق مكاتبهم التي تتميز بالحصانة وتحمي السر المهني، وفيها يتم التخابر مع موكليهم، ليجدوا أنفسهم أمام حادث فجائي يستدعي منهم التهييء لمواجهة مثل هذا النوع من حالات الطوارئ. وأضافت أوعطار أن المحامين رغم ذلك استمروا في ممارسة عملهم تجسيدا للرسالة النبيلة للمهنة، وللدور المنوط بهم في تأطير المواطنين وإرشادهم، كما هو الشأن بالنسبة لحالات النساء المعنفات. أما في ما يتعلق بالإكراهات الخاصة التي تعترض عمل المحامية في ظل جائحة كورونا، فترى المتحدثة أنها تتعلق بالأعباء الأسرية التي تنضاف إلى أعباء الممارسة المهنية في ظل الحجر الصحي، كما تتعلق كذلك بخصوصية التعاطي مع قضايا العنف ضد النساء التي تعرض على المحامية بشكل خاص، حيث تكون والحالة هذه ملزمة باستعمال الرقمنة بما تعرفه من إكراهات يتعلق جانب منها بحفظ السر المهني. وفي هذا الصدد أشارت المتدخلة إلى أن رقمنة المحاكم أضحت واقعا يتعين معه إعداد البنيات التحتية لاستقبالها بشكل مواز مع باقي الشركاء، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المهنة ورسالتها، بما يراعي سرية المعلومات وتحصينها وتحقيق المحاكمة العادلة، مشيرة إلى المؤتمر 30 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد في فاس خلال أبريل من السنة الماضية، الذي عرف تنظيم ست ورشات عمل أفضت إلى مجموعة من التوصيات، منها التوصية بالانخراط في ورش المحاكم الرقمية والتقاضي عن بعد، مع إحداث منصات خاصة بهيئات المحامين، إلى جانب ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية للمحاميات والمحامين، وأكدت في هذا الإطار على أن تنفيذ هذه التوصيات سيكون كفيلا بمساعدتهم على تجاوز الإكراهات في الأوضاع المماثلة ولتجويد وضعية المحاماة لتأدية رسالتها النبيلة. وبخصوص تمثيلية المحاميات في الهيئات المهنية فقد أكدت الأستاذة أوعطار أن الهدف لا ينحصر في تحقيق التمثيلية عدديا، وإنما المبتغى هو التمثيلية الحقيقية التي تعبر عن واقع الممارسة المهنية للمحاميات، نظرا لتواجد المحامية الرائد على مستوى الممارسة المهنية إلى جانب زميلها الرجل كفاءة وحضورا وعددا. وذكرت المتحدثة في هذا الصدد أن من ضمن أعضاء مجلس هيئة الرباط ثلاث محاميات شاركن زملاءهن المحامين خلال حالة الطوارئ الصحية في جميع الاجتماعات التي انعقدت في إطار التباعد لإيجاد حلول للمشاكل المطروحة، إذ يمارس على مستوى هذه الهيئة ما يناهز 500 مكتب محامية، كما أن منتدى المحامية المغربية باعتباره مؤسسة تابعة لجمعية هيئات المحامين بالمغرب يضم العضوات المنتخبات من الجمعيات العمومية للهيئات، وفي حالة عدم انتخاب أي محامية عضوا كما هو حال بعض الهيئات فإنها تنتدب محاميتين للمهمة. كما أشارت المتدخلة إلى أن من ضمن توصيات المحاميات والمحامين في مؤتمر فاس المذكور ضرورة اعتماد تعزيز تمثيلية المحاميات في الانتخابات المهنية في أفق تحقيق المناصفة. وفي مداخلتها أشارت نادية نوعم، رئيسة الجمعية الوطنية للمحامية المغربية محامية بهيئة الجديدة، إلى المساهمة المالية التي قدمتها جميع هيئات المحامين لصندوق تدبير الجائحة من أجل تجاوز الآثار السلبية لجائحة كورونا، رغم أن المحاميات والمحامين أنفسهم عانوا من آثارها التي مست مداخيلهم المالية جراء توقف المكاتب عن استقبال الموكلين، إلا أنهم استمروا في العمل عن بعد مع استمرار التزاماتهم المالية المتعلقة بتسيير مكاتبهم؛ وفي هذا الصدد دعت إلى ضرورة إلى تعميم إنشاء أنظمة اجتماعية تكافلية على مستوى كافة هيئات المحامين، كضرورة ملحة، وهو ما أبانت عنه جائحة كورونا التي لا يعلم متى ستكون نهايتها؛ كما دعت إلى تعزيز الحماية للمحاميات والمحامين، مع مراعاة خصوصية المحامية في فترة الولادة، إذ تتوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر دون أي دخل على عكس ما هو الشأن بالنسبة للقطاعات أخرى. وفي ما يتعلق باعتماد المحاكمة عن بعد، أكدت المحامية أن له إيجابيات على الممارسة المهنية خصوصا وعلى قطاع العدالة عموما، ما يستوجب الاستعداد والانخراط في ورش التحول الرقمي، وذلك عبر التكوين في مجال المعلوميات وتقنيات التواصل والعمل على تحديث وتطوير المكاتب نفسها لتواكب هذا التغيير، داعية الهيئات المهنية إلى الإسراع في وضع برامج تكوينية في هذا الصدد لضمان الانخراط الناجح في العدالة الرقمية. أما في ما يتعلق بتمثيلية المحاميات داخل الهيئات فأكدت المحامية على ضعفها في العديد من الهيئات، وكذا انعدامها في أخرى، ما يعد بالنسبة لها نتاجا لسيادة العقلية الذكورية التي تعبر عنها الكثير من المحاميات وليس المحامين الرجال فقط، داعية إلى تكثيف النضال من أجل المطالبة بتطبيق مقتضيات الفصل 19 من الدستور المتعلق بالمساواة بين الجنسين. من جانبها ترى سعاد الرغيوي، عضو مجلس هيئة المحامين بتطوان، أن الخصوصية الوحيدة التي تميز المحامية عن زميلها المحامي تتعلق بالتمثيلية، إذ إن كلاهما يمارس وفق القوانين ذاتها وتواجههما الإكراهات نفسها ويتطلعان معا للآفاق نفسها، حيث لا وجود داخل المحاكم لقضايا خاصة بالمحاميات وأخرى خاصة بالمحامين، مؤكدة أن المحاميات يترشحن لتقلد المناصب داخل الهيئات لكن دون أن يتمكن من تحقيق التمثيلية المرجوة، رافضة تحميل المسؤولية للمحامية وحدها والقول إن من المحاميات من لا يصوتن على المترشحات منهن، إذ أرجعت ذلك إلى طريقة إجراء العملية الانتخابية، داعية إلى مراجعتها وتخليقها. أوضحت المتدخلة أن الوضع المتعلق بحالة الطوارئ الصحية مقلق بسبب فجائيته، إذ لم يكن هناك مجال للاستعداد له، ما أدى بالتالي إلى إغلاق مكاتب المحاماة، ومن ثم فقدان شريحة واسعة من المحاميات والمحامين مواردهم المالية المهنية في ظل استمرار أدائهم مصاريف مكاتبهم ومعيشة أسرهم، مشيرة إلى الخطوة التي قامت بها في هذا الصدد هيئة تطوان بتقديمها مساعدات مالية، على غرار ما أقدمت عليه هيئات أخرى، غير أنها تمتاز بمحدوديتها بالنظر إلى حجم مصاريف المكاتب، وداعية إلى إيلاء الجانب الاجتماعي أهميته على مستوى الهيئات. وبخصوص المحاكمات عن بعد، أشارت الرغيوي إلى جملة من المشاكل التي عرفتها هذه التجربة، من قبيل انقطاع صبيب الأنترنيت خلال الجلسات، وعدم جاهزية مكاتب المحاماة للخوض في هذه التجربة، سواء من حيث التجهيزات أو من حيث التكوين في مجال المعلوميات، منتقدة اقتصار وزارة العدل في وضع هذه السياسة على تجهيز المحاكم وتكوين القضاة في هذا المجال، دون أن تلتفت إلى المحاميات والمحامين باعتبارهم من أسرة القضاء. كما عرفت هذه الندوة مشاركة لبنى الماجري، محامية من تونس عضو الاتحاد المغاربي للمحامين الشباب، التي أكدت بدورها على عدم وجود تمييز على مستوى الممارسة المهنية في ما بين المحامية والمحامي، على اعتبار أنهما يمارسان سويا في إطار قانوني واحد، إذ تسري عليهما القوانين والمراسيم ذاتها، كما أنهما يؤديان الرسالة ذاتها التي تحملها مهنة المحاماة، مشيرة إلى الدور الذي تلعبه المرأة في تونس على جميع المستويات وفي مختلف المؤسسات. وأوضحت المتدخلة كذلك تعرض مهنة المحاماة في تونس لأزمة شبيهة بما جرى في باقي البلدان بسبب جائحة كورونا، إذ أثرت، حسبها، في منظومة العدالة، وأبانت عن هشاشتها وتأخرها وتخلفها، وبسبب ذلك تأثرت مداخيل المحاميات والمحامين سلبا، ما جعلهم يعيشون مرحلة بطالة قسرية في ظل غياب دعم الدولة لقطاع المحاماة، مؤكدة أن هذا الوضع أبان عن النقص الذي يعاني منه التشريع في ما يتعلق بتدبير مثل هذه الأوضاع. وأشارت الماجري إلى أن إقدام تونس على إصدار مرسوم ينظم المحاكمة عن بعد كما هو الشأن بالنسبة للمغرب قد تم باعتباره تدبيرا خاصا لمواجهة انتشار الوباء، مؤكدة أن الأمر إنما يتعلق بتدبير جلسات المحاكمة دون حضور المتهم، وليس فعلا تنظيما للمحاكمات عن بعد كما عرفتها التجربة الفرنسية والجزائرية، مستغربة بقاء مشاريع القوانين المنظمة لها في تونس حبيسة أدراج وزارة العدل منذ سنة 2008 تقريبا. وفي ما يتعلق بضعف تمثيلية المحاميات في الهيئات المهنية، أكدت المحامية ذاتها أن الأمر لا يقتصر على المغرب، وإنما هو واقع تعرفه تونس والجزائر وكافة البلدان العربية، معلنة في هذا الصدد أن سبب ذلك لا يرجع إلى زميلها المحامي، وإنما يتعلق أساسا بالمحامية، لأنها من تركت المجال فارغا، مستغربة غياب تمثيلية حقيقية للمحاميات رغم أن عددهن أكبر من عدد زملائهن المحامين.