للمرّة الرّابعة، يفشلُ ياسين (19سنة) في الوصول إلى ألبانيا عبر الحدود اليونانية التّركية، بسبب الحراسة المشدّدة عند معابر اللّجوء، وبسبب إجراءات أمنية جديدة فرضتها جائحة "كورونا"، وهو ما دفعهُ إلى تركِ حلم "العبور" إلى الضّفة الأخرى بصفة نهائية، والعودة إلى أرض الوطن. وإذا كان بعض المهاجرين المغاربة قرّروا حزم أمتعتهم ومغادرة التّراب التّركي بدون رجعة بسبب فشلهم في الوصول إلى بعض دول العبور إلى "الحلم الأوروبي"، مثل ألبانيا ومونتينغرو، فإنّ آخرين لم يحالفهم الحظ في مجاراة واقع صعبٍ في بلاد الأتراك وجدوا أنفسهم قابعين في زنازين تركية بعيدة. وتنتظر بعض الأمّهات بفارغ الصّبر قرار فتح المعابر الجوية والمطارات من أجل خوض "معركة" البحث عن فلذات أكبادهنّ بين السّجون في بلاد "الأتراك"، لاسيما أن الأمر يتعلّق بشبان لا تتجاوز أعمارهم العشرين. ويتابعُ القضاء التّركي عشرات "الحراكة المغاربة" بتهم مرتبطة بالسّرقة والنّصب والانتماء إلى مجموعات إجرامية لها علاقة بالتّهريب والاتجار بالبشر، إذ شنت السّلطات التركية حملات أمنية واسعة استهدفت مهاجرين مغاربة يعيشون في الهامش التّركي. وتحاول فاطمة (53 سنة)، من مدينة الدّار البيضاء، منذ ما يزيد عن 20 يوماً، الاتصال بابنها الوحيد، "بلعيد ع"، المتواجد حالياً في تركيا، دون أن تتمكّن من سماع صوته، فقد تمّ اعتقاله من قبل الشّرطة التّركية خلال الأسابيع الماضية، كما تؤكّد والدته في حديث مع جريدة هسبريس. وتشير والدة المهاجر المغربي، الذي قصد بلاد "الأناضول" من أجل العبور إلى أوروبا، إلى أنّ ابنها "ترك الوطن قبل أكثر من ثلاثة أشهر رفقة بعض أصدقائه قصد الهجرة إلى إيطاليا"، مردفة: "الاتصال انقطع مع ابني خلال الأسابيع الماضية، وفهمتُ بعد ذلك أنّه اعتقل من قبل السّلطات التّركية". ويوجد في السّجون التّركية عشرات المهاجرين المغاربة المتابعين بتهم مرتبطة بالسّرقة والاحتيال والضرب والجرح. وقبل أسبوعين، قصد 60 شاباً مغربياً القنصلية المغربية العامة بإسطنبول طلباً للإيواء، بعدما وجدوا أنفسهم يبيتون في العراء بعد خروجهم من السّجن. وتبدأ رحلة المعاناة، كما يحكي أحد المهاجرين المغاربة، الذي سبق أن أدين من طرف القضاء التركي بسنة حبسا نافذا لارتباطه بشبكة إجرامية تنشط وسط إسطنبول، بتجريد الموقوفين من وسائل الاتصال الخارجي ومن جوازاتهم وأوراق اعتمادهِم، إذ يصيرُ المرء "مجهول الهوية"، وهو ما يجعله عرضة للاستغلال والانتقام. وتحدّثت هسبريس مع بعض "الحرّاكة" المغاربة المتواجدين في إسطنبول، الذين قدموا من اليونان عبر الحدود البحرية وعاشوا تجربة السّجن لأسابيع، فأكّدوا أنّهم كانوا ينوون الهجرة إلى اليونان قبل أن تعتقلهم سلطات "النّاتو" بعدما قاموا بتجاوز الحدود الفاصلة بين تركيا والمنطقة الأوروبية. وقال ياسين، أحد النّاجين من ويلات السّجون اليونانية، إنّ "رحلة العذاب بدأت عندما اعتقلته قوات الناتو بالقرب من الحدود اليونانية التّركية، ليتمّ إرساله بعد ذلك إلى سجن يوناني يبعد عن منطقة "أوزن أبور" بحوالي 20 كلم، حيثُ عاش كلّ أنواع التعذيب النفسي والجسدي".