إن قيام العلاقات الزوجية لا يثبت إلا بإبرام عقد الزواج وفق ما هو مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 16 من مدونة الأسرة، غير أنه ثمة حالات يتعذر فيها على الأزواج عقد زواجهم لأسباب وظروف قاهرة تحول دون ذلك، وفي ذلك نصت هذه المادة على أنه في حالة توفر هذه الظروف يمكن لطرفي هذه العلاقة أن يقوما برفع دعواهما قصد سماع دعوى الزوجية، معتمدين في ذلك جميع الوسائل الممكنة لإثبات زواجهما من شهادة شهود وخبرة وغيرها من الوسائل، وتأخذ المحكمة بعين الاعتبار في هذه الحالة وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية المزعوم وجودها، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين. وقد منح المشرع لمثل هؤلاء الأزواج فترة زمنية انتقالية حددت حسب آخر تعديل في 15 سنة، لتصحيح وضعيتهم ابتداء من دخول المدونة حيز التنفيذ، وحيث أنه من المعلوم أن هذه المادة، وبالخصوص الفقرة الثانية منها قد انتهى العمل بها بتاريخ 3 فبراير 2019، وبه لم تعد هناك أي وسيلة لإثبات الزواج غير وثيقة أو عقد الزواج نفسه مما يجعلنا نطرح الإشكال التالي: ما مصير العقود التي لم توثق بعد؟ وما أثرها على العلاقات الزوجية المزعوم وجودها وعلى حقوق الأطفال؟ للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأيت تقسيم موضوعي هذا إلى مبحثين أساسيين هما: المبحث الأول: مصير العلاقات الزوجية غير الموثقة بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة المبحث الثاني: وضعية الأطفال ما بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة المبحث الأول: مصير العلاقات الزوجية غير الموثقة بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة لعل الكل يتساءل ما مصير هذه العلاقات أو بالأحرى ما طبيعتها القانونية؟ بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 32 من دستور 2011 فإننا نجده يتحدث عن مصطلح "الزواج الشرعي"، وبتعريفنا لهذا الأخير فهو ذلك الزواج الذي ينعقد بإيجاب من أحد عاقديه وقبول الطرف الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة وعرفا، دون الحاجة إلى توفر شكلية معينة، أي أن الأصل في هذه العقود الرضائية، وباعتبار أن عقود الزواج غير الموثقة تتم وفق الشرع من قراءة الفاتحة وشهادة الشهود وحضور للعائلتين وغيرها.. فمن ثمة لا يمكن اعتبار هذا الزواج باطلا أو مختل الأركان ما دامت شروط الإيجاب والقبول متوفرة، كما أن كل الموانع منتفية (المادة 57 م. أ). كما لا يمكن اعتبار هذا الزواج فاسدا لأن حالات فساد عقد الزواج محددة على سبيل الحصر، ولا تتضمن تخلف شرط الشكلية في هذه العقود (المادتين 60 و61)، بل والأكثر من ذلك أن المشرع عند صياغته للمادة 16 في فقرتها الأولى اعتبر شرط الشكلية هذا شكلية إثبات وليس شرطا من شروط انعقاد عقد الزواج، ولم يرتب أي جزاء لتخلفه، وهو ما يطرح السؤال عن أي غاية للمشرع من وراء حذف هذه المادة ما دامت لا تطرح مشكل شرعية هذا الزواج؟ في نظري المتواضع أن السبب وراء عدم تمديد المشرع للفترة الانتقالية للعمل بهذه المادة مرة أخرى، لا يتعلق بحالة عدم توثيق هذه العقود بحد ذاتها، بل لأجل الحد من التحايلات التي طالتها وأخرجتها من الغاية التي جاءت من أجلها، وأخص بالذكر هنا، استغلالها لأجل القيام بالتعدد بطريق مخالف للمقتضيات القانونية الموضوعة له، وكذلك من أجل تسهيل زواج القاصرات دون سلوك المسطرة المتبعة لذلك. ولأجل ذلك نقترح أنه إذا ما تم تمديد العمل بهذه المادة مرة أخرى يجب أخذ هذه الإشكالات بعين الاعتبار وتقييدها بشكل يضمن فعاليتها وغاياتها. المبحث الثاني: وضعية الأطفال ما بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة إن إشكالات حذف هذه المادة لا تتوقف فقط عند مصير أو طبيعة هذه العقود، بل يمتد حتى للأطفال الناتجين عن هذه العلاقات، حيث أن عدم توثيق الأطراف لعقودهم وعدم التوفر أي وسيلة لإثباتها من شأنه أن يساهم في ضياع حقوقهم، وخاصة تسجيلهم بسجلات الحالة المدنية للاستفادة من بعض الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم، وخاصة أن هذا الأخير يشرط للاستفادة منه توفر وثيقة تثبت زواج الأبوين. ولعل أخطر إشكال يمكن أن يطرح بخصوص حذف هذه المادة هو لحوق نسب هؤلاء الأطفال، فحتى وإن ثبت حقا أنهم ولدوا في ظل العلاقة الزوجية المزعوم وجودها، فلا يمكن إلحاقهم أو نسبهم إلى الأبوين بالفراش باعتبار أن الزوجية لم تثبت بعد، وأن وثيقة الزواج هي الوسيلة الوحيدة لإثباته. وكذلك الحال بالنسبة للشبهة المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة، وإن تشابهت مقتضياتها بمقتضيات الفقرة المحذوفة من المادة 16 في ما يخص حصول الإيجاب والقبول والظروف القاهرة التي تحول دون توثيق عقد الزواج، إلا أن شروطها تنطبق على الخطبة وليس الزواج باعتبار العلاقة غير الموثقة موضوع النقاش، فالزوج يعاشر زوجته معاشرة الأزواج لا المخطوبين، بالإضافة إلى أن هذه العلاقة يمكنها أن تبنى مباشرة دون حصول خطوبة من الأصل. ولا يبقى في الأخير إلا حلا وحيدا وهو المعمول به في غياب نص صريح وهي مسطرة الإقرار المنصوص عليها في المادة 160 من مدونة الأسرة، وإن كانت هي الأخرى تتوقف على إرادة طرفي العلاقة بمعنى تبقى دائما وضعية هؤلاء الأطفال معلقة وفي خطر دائما، وبالتالي وجب إيجاد حل لهذه الإشكالية. وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه في حالة ما تم تعديل هذه المادة وجب على المشرع وضعها بشكل متقن يبعدها عن التحايلات، وبمصطلحات دقيقة غير فضفاضة لاستعمالها وفقا للغاية التي جاءت من أجلها.