مع بداية الرفع التدريجي للحجر الصحي، أعدت الدولة مجموعة من المخططات التي تهم قطاعات مختلفة، قصد إخراجها من الأزمة وإعادتها إلى نشاطها الطبيعي في أسرع وقت ممكن، وإذا كان الضرر الذي لحق الاقتصاد جراء الأزمة يهيمن على خطابات المسؤولين، فإن هناك نوعا من التهميش يطال بعض الجوانب الأساسية في المجتمع، وعلى رأسها تلك المتعلقة بالطفولة. فهناك اليوم إجماع من طرف الأسر المغربية، على أن الأطفال من أكثر الفئات التي تضررت نفسيا وبشكل كبير من الحجر الصحي الذي استمر لثمانين يوما، وليس سهلا على طفل أن يظل محتجزا في بيته طوال هذه المدة، خصوصا وأن الخروج واللعب يعتبر حقا مقدسا بالنسبة له، وهذا ما جعل الأمهات والآباء يعيشون تحت ضغط شديد مع كل تمديد للحجر الصحي، وهو ستكون له تبعات ومضاعفات سلبية على نفسية الأطفال حسب المتخصصين في الطب النفسي لهذه الفئة. ورغم كل هذه المؤشرات السلبية المتعلقة بالوضعية النفسية للأطفال، فإن الدولة لم تفصح لحد الآن عن أي مخطط لصالح هذه الفئة، في حين نجد بعض الدول الأوربية مثل فرنسا وإسبانيا قد بادرت منذ الخطوات الأولى للتخفيف من الحجر الصحي، إلى تخصيص ساعات معينة للأطفال وحثت الأسر على إخراجهم للتمتع باللعب في الحدائق والمنتزهات، وذهبت أبعد من ذلك عندما تعهدت بالترخيص للمخيمات الصيفية للأطفال بشروط وتدابير تضمن سلامتهم، بهدف مساعدتهم على تجاوز المضاعفات النفسية للحجر الصحي والاستعداد للموسم الدراسي المقبل. فهل أعدت الحكومة المغربية مخططات من هذا القبيل؟ أم أن انتظارات الأطفال وأسرهم لا تدخل ضمن أولوياتها؟ إن مسألة التخفيف من التأثيرات السلبية للحجر على الأطفال في المغرب ليست بالمسألة التي يمكن تجاوزها بسهولة، خصوصا مع العطلة الصيفية التي ترتبط لدى الأطفال بالسفر والاستجمام والترفيه بعد سنة دراسية طويلة، واستعدادا لسنة دراسية أخرى. وهنا يمكن التمييز بين ثلاث فئات من الأطفال: الفئة الأولى، هي أولئك الأطفال الذين تتوفر أسرهم على الإمكانيات الكافية لقضاء عطلة تستجيب لرغباتهم، والتي تستطيع رغم الأزمة أن تحقق لأطفالها جزءا كبيرا من رغباتهم في السفر والاستجمام. الفئة الثانية، وهي أولئك الأطفال الذين ليست لأسرهم الإمكانيات الكافية لتحقيق رغباتهم، والتي قد تضطر أسرهم لخوض معركة العيش خلال عطلة الصيف لاستدراك الأزمة التي حلت بها خلال فترة الحجر الصحي والتوقف عن العمل، وأطفال هذه الفئة محكوم عليهم بصيف حار لا ترفيه ولا استجمام فيه، وقد يضطر بعضهم للخروج إلى العمل كما هو الحال عند بعض الأسر الفقيرة التي تدفع أطفالها للعمل خلال عطلة الصيف، في الوقت الذي يستلقي أقرانهم من أبناء الفئة الأولى على الرمال الذهبية للشواطئ أو يستمتعون بمياه المسابح. الفئة الثالثة، والمتمثلة في أبناء العاملين في القطاعات التي ستمنع تداعيات الأزمة من الترخيص بالعطل لموظفيها ومستخدميها، رغم أن لديهم الإمكانيات الكافية لقضاء العطلة والاستجمام رفقة الأطفال، وهو ما سيحرمهم من قضاء العطلة والتخلص من تداعيات الحجر الصحي. في ظل خطر الحرمان الذي يهدد أطفال الفئة الثانية والثالثة خلال العطلة الصيفية، فإن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الدولة في إيجاد صيغ معينة لمساعدة الأطفال على تجاوز مضاعفات الحجر الصحي، خصوصا وزارة الشبيبة والرياضة التي يجب أن تضطلع بمهمة وضع تصور في هذا الصدد. وهي التي دأبت صيف كل سنة على تنظيم برنامج "العطلة الجميع"، الذي يستفيد بموجبه حوالي 250 ألف طفل من المخيمات الصيفية بمختلف مراكز الدولة المخصصة لذلك، لكن الوزارة لازالت إلى اليوم لم تفصح عن مصير هذا المخطط. يعلم الجميع أن المخيمات الصيفية المخصصة للأطفال، خصوصا تلك التي تندرج في إطار برنامج العطلة للجميع، يستفيد منها بشكل كبير أبناء الأسر المتوسطة والمعوزة، وتقوم الجمعيات المشتغلة في ميدان التخييم بالإشراف على تلك المخيمات، والتي تشكل متنفسا كبيرا لفئات من الأطفال لم يكن لها أن ترى رمال الشاطئ لولا المخيمات المدعمة من طرف الدولة، ناهيك عن الإيجابيات الكبيرة والدور الهام الذي تلعبه الأنشطة داخل المخيمات في صقل مواهب الأطفال وتقويم سلوكهم وتحقيق متعة اللعب والترفيه التي ينشدونها. وبالإضافة إلى المستفيدين من مخيمات وزارة الشبيبة والرياضة، هناك العديد من القطاعات التي تعمل عبر مؤسسات الأعمال الاجتماعية التابعة لها، على تنظيم مخيمات لفائدة موظفيها ومستخدميها، وتكون حلا جوهريا للعديد من الموظفين الذين لا يكون بإمكانهم الحصول على عطلة الصيف لتلبية رغبات أبنائهم. إن استثمار العطلة الصيفية من طرف الدولة في مساعدة الأطفال على تجاوز تداعيات الحجر الصحي أصبح ضرورة قائمة، خصوصا بالنسبة للفئات التي تحدثنا عنها سابقا، وإذا كان السياق يفرض عدم إمكانية تنظيم المخيمات الصيفية بالشكل المألوف، فإنه يمكن إيجاد صيغ أخرى تضمن استفادة الأطفال في ظروف آمنة، من قبيل تخفيض أعداد المستفيدين وتحديد معايير معينة للفضاءات المسموح باستغلالها، وتقليص مدة المراحل التخييمية، وتخصيص شهر واحد – غشت - لتنظيمها طالما أنه يمكن للوضعية الوبائية أن تعرف مؤشرات أكثر إيجابية، خصوصا وأن الدراسة ستنطلق في بداية شتنبر، وستشكل الاستفادة من تلك المخيمات دفعة معنوية إيجابية قوية للأطفال كي يعودوا إلى الدراسة في وضعية نفسية أفضل. إن الوضعية الوبائية التي سمحت باستمرار مصانع تشغل آلاف المستخدمين في مكان واحد، والذين يغادرون أماكن عملهم يوميا نحو منازلهم، لا تحول بالضرورة دون استفادة مجموعات من الأطفال لا تتجاوز 100 طفل مثلا – إذا تم تحديد العدد - من مخيم تربوي وترفيهي يخفف عنهم أشهرا من المعاناة بسبب الحجر الصحي، وإذا كانت الدولة تستثمر كل إمكانياتها الصحية لضمان استمرار الاقتصاد، فإن استثمار هذه الإمكانيات واجب على الدولة لضمان الصحة النفسية لأطفالها. *مهتم بمجال الطفولة والتنشيط التربوي