عدد كبير من الاطفال لن يكتشفوا هذه السنة وطنهم، لأن المخيمات لم تعد مدرسة برحابة الوطن، لم تعد تتسع ، كما كانت في السابق، لجميع الأطفال في المدن والقرى والبوادي والمناطق، نائية وأخرى معزولة، لن يسمع الآباء هذه السنة مخيمات القرب، لن تكون للجمعيات المحلية المنتشرة عبر التراب الوطني مكانة في فضاءات التخييم! فالوزارة الوصية لها منطق أخر ، منطق يخرج عن كل السياقات التي راكمها برنامج عطلة للجميع منذ سنة 2003 حين قررت الحكومة وقتها الرفع من نسبة الاستفادة من المخيمات إلى 100 ألف ثم 150 ألفا ف 200ألف وجعل العطلة خدمة عمومية ، وسخرت لها كل الإمكانيات كما كان للتضامن الحكومي دور كبير في إخراج هذا البرنامج من القطاعية و جعله برنامجا حكوميا وطنيا يحظى باهتمام الجميع. لم تعد اليوم المخيمات في متناول الأطفال، والخاسر الأكبر هم أطفال الفئات المعوزة التي انشئ من اجلها هذا البرنامج وسخرت له الدولة المساعدة العمومية لضمان حق الأطفال في العطلة، تبخر كل شيء حتى الصورة الايجابية التي راكمها برنامج عطلة للجميع تم اغتيالها، وفي ذلك اغتيال للبعد النبيل ذي الحمولة التربوية والوطنية الذي جعل من المخيمات مدرسة للحياة وكرس مفهوم العطلة المفيدة لتصبح مجرد عطلة وترفيه فقط... هكذا و من دون سابق إنذار ومن دون إعلان رسمي ، كما تم السنة الماضية ، تم إخراج برنامج العطلة الصيفية للأطفال هذه السنة تحت شعار مبتذل ومن دون أدنى حمولة وطنية «العطل والترفيه»! إلا أن أهم ما يميز العطل والترفيه هذه السنة هو تقليص عدد المستفيدين من المخيمات من الأطفال إلى مادون السبعين ألفا وبالضبط 65339 مستفيدا من الأطفال عوض 154ألفا السنة الماضية ، وهو مايمثل أقل من نصف العدد . تقليص العدد رافقه تقليص في عدد مراكز الاصطياف المفتوحة في وجه الجماعات المخيمة ، وهو الأمر الذي سيخلق لامحالة ارتباكا في العملية التخييمية هذه السنة . الارتباك لن يقتصر فقط على عدد المراكز وعدد المستفيدين من المخيمات، بل سيهم أيضا عملية التغذية، حيث سنكون أمام مخيمات محظوظة يشرف على التغذية فيها متعهدون متخصصون و مخيمات تسير وفق النظام القديم مع ماتشوبه من نواقص، وهو ماسيصنف المراكز إلى مخيمات من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة الاقتصادية. الارتجال والعشوائية التي طبعت التهييء لمخيمات صيف 2009 والتي أرادت لها السيدة نوال وخلية التصفية أن تكون مجرد عطلة وترفيه، جعلت الوزارة تلغي جولة الصحافة الوطنية ورجال الإعلام لزيارة مراكز التخييم التي تقول الوزارة إنها مهيأة ومستعدة لاستقبال أعداد المخيمين في حين أن جلها مازالت الأشغال جارية به، وهو مايفسر إحجام السيدة الوزيرة عن عقد ندوة صحفية لتقديم مشروعها وتصورها لقطاع التخييم ببلادنا، إلا أنه و في غفلة من الجميع، وأمام «تواطؤ» مكشوف من قبل مجموعة من المتدخلين في المجال التخييمي ببلادنا، وفي ظل انشغال الجميع بالانتخابات الجماعية والسجال السياسي والاجتماعي، مررت وزيرة الشباب والرياضة نوال المتوكل مشروعها القاضي بإعدام قطاع التخييم تدريجيا، وهو قرار اتخذته الوزارة في عهد المتوكل وحددت له خلية التصفية سقفا زمنيا لن يتجاوز الثلاث سنوات وسيتم بشكل تدريجي بعد استدراج الجمعيات العاملة في الميدان! غريب أمر بعض الجمعيات الوطنية فقد كانت تنتظر منذ زمن طويل من سيأتي ليفتح نافذة صغيرة تسمح لبعض الضوء أن يشع على مخيماتنا وكلنا رجاء ان لا يأتي من يعم الظلام روحه وفكره ويقفلها إلى الأبد! فهل يعقل أنه في الوقت الذي وصلت فيه المخيمات لما وصلت إليه اليوم من تدرج في اتجاه توسيع قاعدة المستفيدين من الأطفال، ان نتعامل مع طفولتنا بهذه الدونية والاستخفاف؟ قاموس الكلمات والمفاهيم التي رسخها برنامج العطلة للجميع عند مجموعة من الأسر المغربية و بالخصوص عند الأطفال لن يموت بجرة قلم او تعويضه بأنشطة العطل والترفيه! أليس معيبا أن نحرم الأطفال من مكتسباتهم، والتي ناضل الجميع ، جمعيات ومسؤولين، من أجلها، فبالأمس كانت فضاءات التخييم تصل إلى 180 فضاء بما في ذلك المؤسسات التعليمية لتتقلص هذه السنة الى 40 فضاء مع احتساب الفضاءات التي تم الاعلان عنها من طرف الوزارة ولا تتوفر على شروط التخييم (تيومليين مثلا)، فكيف ستتعامل الوزارة مع الأعداد التي كانت تستفيد من المؤسسات التعليمية علما بأن برنامج عطلة للجميع يدرك أن إمكانيات البلد من حيث فضاءات التخييم محدودة وأن تجربة مثل برنامج عطلة للجميع يجب أن تلعب دورا في انتشال الاطفال من فراغ الصيف وأخطار الشارع، اطفال لاحظ لهم من السفر خارج الوطن أو لهم امكانيات العيش في (الشاليات) قرب البحر أو في الجبل؟! كيف يمكن تفسير تقليص العدد إلى مادون النصف وكيف تقبل النسيج الجمعوي هذه القرارات والتزم الجميع الصمت أمام هذه التراجعات الخطيرة في هذا القطاع الحيوي في حياة أطفال الأسر المعوزة؟ كيف تدبرت الوزارة الوصية أمر توزيع المقاعد واستفادة مجموعة من الجمعيات المحلية من موسم التخييم أمام تقليص العدد وهو ماسيفتح الباب على مصراعيه للولاءات والزبونية في عملية الاستفادة؟ لماذا الإصرار على إعدام برنامج العطلة للجميع وتصفية قطاع التخييم بشكل تدريجي ؟ لماذا التراجع عن استغلال الفضاءات التعليمية بالرغم من نجاعتها ومساهمتها في توفير فضاءات صالحة للتخييم وتغيير نظرة الأطفال للمدارس من مجمع للدراسة والتحصيل إلى فضاءات للتربية والتخييم؟ إن من يطلع على شعار مخيمات هذه السنة يدرك جيدا الاندحار الخطير الذي اصاب برنامج عطلة للجميع على مستوى القيم والابعاد التربوية التي ناضل الجميع ودافع من أجل ايصالها الى المجتمع لأجل اعادة الاعتبار للمخيم وترسيخ ثقافة العطلة عند الاطفال. كلنا يتذكر «عطلة بنكهة الحياة»، كلنا يستحضر شعار «المخيم مدرسة برحابة الوطن، المخيم مدرسة للحياة »، جميعنا يتذكر شعار« احبك ياوطني».انها شعارات لا أحد يجادل في عمقها ودلالاتها التربوية والوطنية، كما ان ترديدها كل يوم عبر الوصلات الإشهارية في الإذاعة والتلفزة جعل المغاربة يرددون جهرا وسرا أحبك ياوطني ، فهل استبدلت الوزارة في عهد المتوكل الوطن بالترفيه؟ هل استبدلت «المخيم مدرسة للحياة» بكلمات جامدة لامعنى ولاوقع لها على المستمع؟ كلنا يتذكر إصرار الجمعيات الوطنية على إطلاق عبارة المخيمات التربوية عوض المخيمات الصيفية للتذكير بالحمولة التربوية للمخيمات، فهل هذا «انتصار جبان» على حساب طفولة هذا الوطن؟ كان حريا بالوزارة التفكير في تجاوز اشكاليات الفضاءات وتبني مشروع حكومي تتضافر فيه جهود كل القطاعات من اجل ان ينعم الاطفال اينما كانوا بعطلتهم ، كان على الوزارة أن تستمر في عملية الاصلاحات لتعرف اليقين في عين المكان وليس بناء على المزايدات الاعلامية او التقارير الواهية. نحن اليوم على بعد اسبوع واحد من بداية المخيمات، هل اطلعت الوزيرة على وضعية مخيمات الاطلس، مخيمات الشمال، مخيم سيدي حمزة ، مخيم السعيدية... الخ؟؟ ماهي ظروف السلامة التي اتخذتها الوزارة ، علما بأن هذا الموسم من المرتقب أن يعرف عواصف رعدية وتقلبات جوية؟ كيف ستدبر برنامج التغذية والتفاوت بين منح الاطفال؟ إن الاجتهاد في العلم لايكون بالزيادة كما يقول المثل بل بالقدرة على الحفاظ على مكتسبات الاطفال وتطويره لما هو احسن لابالاجهاز عليها، إن ما يمكن قوله إن الوزارة تحدت كل الالتزامات التي صادق عليها البرلمان خلال مناقشة ميزانية الوزارة والتي تقرر خلالها ان تنظم برنامج عطلة للجميع لفائدة 200الف طفل وطفلة ومنحت لها من أجل ذلك الميزانية الكافية للالتزام ببرامجها ، كما أن التصريح الحكومي جاء متضمنا للعدد والبرنامج، فكيف يعقل ان تقفز الوزارة على التزامها امام الشعب المغربي، وتقلص من عدد المستفيدين من برنامج عطلة للجميع خلال صيف 2009؟