بعد بروز أصوات تدعو إلى حكومة إنقاذ وطني لتدبير المرحلة الراهنة، عبّر عدد من الفاعلين السياسيين، شاركوا في ندوة نظمها ماستر الأداء السياسي والمؤسساتي وفريق البحث في الأداء السياسي والدستوري بكلية الحقوق الرباط، حول موضوع "كوفيد-19 وأسئلة الحقل السياسي المغربي"، عن رفضهم لطرح "حكومة التكنوقراط"، وشددوا على ضرورة التمسك بأن تكون صناديق الاقتراع هي الفيصل في تشكيل الحكومات التي تدير شؤون البلاد. محمد أوجار، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، قال إن أهم درس يمكن أن يتم استخلاصه من التحديات التي طرحتها أزمة جائحة كورونا، هو ضرورة الاحتكام إلى دستور المملكة، والتمسك بالاختيار الديمقراطي، مضيفا أن "هناك حكومة عليها أن تقوم بما عليها، ومعارضة عليها أن تقوم بدورها بعملها". وأردف أوجار أن الهدف من الإصلاحات السياسية التي يشهدها المغرب هو إقناع المواطن بضرورة الانخراط في العمل السياسي، وتشجيع الطاقات المغربية في كل المجالات على الانخراط في العمل الحزبي، مبرزا أن الغاية من تبخيس العمل السياسي هي إفقاد المواطنين للثقة في الحياة السياسية. وعبر القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار عن قناعته بضرورة وضع نمط انتخابات يمكّن من تشكيل أغلبية حكومية منسجمة، وأن يوازي ذلك إعادة تأهيل المشهد الحزبي المغربي، معتبرا أن المواطن المغربي مستعد للمشاركة الإيجابية والانخراط في العمل السياسي متى ما توفرت الشروط لذلك. وانطلاقا من الاجتماعات التي عقدها حزب التجمع الوطني للأحرار مع ساكنة المغرب العميق، قال أوجار إن الإحساس الذي يعتري سكان هذه المناطق هو "الشعور بالحڭرة والتهميش وانعدام الثقة، وغياب الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة". وأردف: "نريد نخبا جديدة تحكم بالنزاهة والشفافية، وتحرص على محاربة الفساد والإثراء غير المشروع، وتتبنى سياسة جديدة تقوم على قاعدة الشفافية والضرب بيد من حديد على الفساد والمحاولات التي تسيء إلى علاقة المواطنين بالمؤسسات"، لافتا إلى أن المرحلة الراهنة "تتطلب منا أن نتأهب لشهور صعبة اقتصاديا واجتماعيا، وعلينا أن نعيد الاعتبار للمؤسسات السياسية". سلميان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، قال إن جائحة كورونا لم تُرْخ بتداعياتها العميقة على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل أثرت أيضا على المشهد السياسي والحزبي، موضحا أن السؤال الذي أفرزته الأزمة الحالية، هو هل ما زالت الأحزاب المغربية قادرة على الصمود وعلى إفراز أجوبة لأسئلةِ المرحلة المقبلة؟ من جهته عبر نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، عن رفضه للدعوات التي تنادي بحكومة إنقاذ وطني مشكّلة من التكنوقراط لتدبير المرحلة الحالية، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وذهب إلى وصف الجهات التي تتبنى هذا الطرح ب"الأصوات الشاذة التي تعيش خارج السياق المغربي، ولا يمكن اتباعها". القيادي في حزب الاستقلال المعارض دافع عن بقاء الحكومة الحالية إلى غاية إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، معتبرا أن الدعوة إلى حكومة تكنوقراط بمثابة ضرب للمكتسبات الديمقراطية المحققة، التي يقتضي الحفاظ عليها، يردف المتحدث، أن تتحمل الحكومة مسؤولية تدبير الشأن العام، مع ما يتبع ذلك من ربط المسؤولية بالمحاسبة. وبخصوص تدبير أزمة جائحة كورونا، قال مضيان إن الأزمة الحالية يجب أن تكون درسا لتصحيح الوضع القائم ومعالجة مختلف الاختلالات الموجودة حاليا، "ووضع حد للانتهازية التي أثرت على الحياة السياسية، من أجل رفع منسوب الثقة لدى المواطنين في المؤسسات المنتخبة وفي العمل السياسي"، على حد تعبيره. ويرى مضيان أن أزمة جائحة كورونا أظهرت الحاجة الماسة إلى العمل على إعادة الثقة إلى العمل السياسي، بهدف الحد من ظاهرة العزوف السياسي وانخراط المغاربة، خاصة الشباب، في العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات لصناعة خريطة سياسية حقيقية قادرة على إفراز حكومة قوية، منسجمة وقادرة على تدبير التحديات التي تواجهها البلاد. وجهة النظر التي عبّر عنها مضيان أيّدها رشيد العبدي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، بقوله إن الوضع السياسي القائم حاليا لا يستدعي الدفع بتشكيل حكومة إنقاذ، رغم وجود ضعف في عمل الحكومة وغياب الانسجام بين مكوناتها، بسبب عدم وضوح توجهات التحالف المشكّل لها، ما أدى إلى ضعف ثقة المواطنين فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن العبدي يرى أن ضعف تدبير الحكومة للمرحلة الراهنة ليس مدعاة لطرح اختيار حكومة التكنوقراط لتدبير الوضع الحالي، موضحا بالقول: "صحيح أن التكنوقراطي له تكوين خاص، ولكنّ الإشكال هو أنه لا يخضع للمحاسبة، بينما المسؤول السياسي يحاسبه حزبه الذي يحاسَب بدوره من طرف المواطنين في الانتخابات". ويرى العبدي أن الأحزابَ السياسية المغربية مطالبة بإعادة النظر في آليات اشتغالها وتجديدها لتتماشى مع الوضع الجديد الذي أفرزته جائحة كورونا، خاصة وأن الدستور، يردف المتحدث، أعطى صلاحيات للمجتمع المدني لمراقبة العمل الحكومي والتأثير على صناعة القرار السياسي، ما يجعله يراكم إنتاجا ينافس الإنتاج الحزبي. عبد الحميد جماهيري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أشار في مستهل مداخلته إلى أن المنجز المحقق في تدبير جائحة كورونا، بقيادة الملك محمد السادس، "هو منجز لكل المغاربة وللتعبيرات السياسية، ولا يمكن استغلاله لأي أغراض سياسوية حتى لا تكون التوافقات الكبرى طريقا إلى المتاجرة بقضايا الوطن". وشدد جماهيري على أن الحفاظ على الزخم الوطني الذي تمخض عن الأزمة الحالية يقتضي وضع قواعد لعب مدنية وسياسية شبه نهائية ليحتكم إليها المغاربة والفاعلون السياسيون، وعَنى بكلامه وضع نظام انتخابي قارّ، وعدم تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في كل استحقاق انتخابي، "حتى لا يكون هناك تشويش على التنافس السياسي الديمقراطي"، على حد قوله.