تدعيماً لتبنّي الزراعة الحافظة الرامية إلى تشجيع الممارسات الزراعية المتلائمة مع النظام الإيكولوجي، في سياق الاهتمام الدولي المُنصبّ على ما صار يُعرف ب"الزراعة الذكية مناخياً"، انخرطت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) في جهود أقلمة الفلاحة المغربية مع التغيرات المناخية. تبعا لذلك، من أجل تقوية قدرة الفلاحة في المملكة على مواجهة التغيرات المناخية، قامت مجموعة ال OCP بتسريع وتيرة تبني تقنية "الزرع المباشر"، باعتبار أن هذا النظام الزراعي يعد أحد أعمدة الزراعة الحافِظة التي تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية اللازمة لاستقرار واستدامة الإنتاجية. تقنية "الزرع المباشر"(semis direct)، التي يُشرف عليها برنامج "المثمر"، ترتكز على زرع الأرض بدون عملية الحرث، قصد المحافظة على تكوين التربة البنيوي والبيولوجي، وعدم تعرضها لعوامل التعرية والتآكل بفعل الحرث؛ ما يوفر للمزارع العديد من المزايا البيئية والاقتصادية والفلاحية. وعليه، وفّر برنامج المثمر للزرع المباشر أكثر من 35 بذارة خلال المرحلة الأولى، استفاد منها أزيد من 2000 فلاح وفلاحة، من أجل تغطية مساحة مزروعة تزيد عن 10 آلاف هكتار، موزعة على أكثر من 72 جماعة ترابية على صعيد 18 إقليما عبر المملكة. وقد خصّص البرنامج سالف الذكر أكثر من 600 منصة تطبيقية للزرع المباشر لمقارنتها مع منصات الزرع العادي من حيث مختلف النتائج المتحصّل عليها في مختلف مراحل الإنتاج؛ من بينها منصة تطبيقية في إقليمخريبكة، حققت مردودية فلاحية عالية، بتعاون وثيق مع جمعية البركة للزرع المباشر والزراعة الحافظة بدوار أولاد بريش. هسبريس حضرت أطوار عملية الحصاد المتواصلة في المنصة التطبيقية، ضمن برنامج المثمر للزرع المباشر، حيث قال محمد والهراوي، مسؤول برنامج "المثمر" في إقليمخريبكة، إن "الطاقم جاء لحصد منصة تطبيقية للزرع المباشر، وهي التقنية التي أدخلها مجموعة من الشركاء بالمنطقة". وأضاف والهراوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "البرنامج وضع في إقليمخريبكة هذه السنة رهن إشارة عديدٍ من التنظيمات المهنية أربع بذارات للزرع المباشر، حيث تمكّنا من تجاوز 800 هكتار للزرع المباشر في الإقليم، استفاد منه أكثر من 110 فلاحين، بفضل انخراط التنظيمات والفلاحين الذين يشتغلون معهم بجدية، إلى جانب مجموعة من الشركاء، نذكر بينهم المندوبية الإقليمية للفلاحة والسلطات المحلية والمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية". وأوضح المسؤول عينه أن "نتائج البرنامج أصبحت واقعية في المنصات التطبيقية"، مستدركا: "نتوقع أن نتجاوز 20 إلى 25 قنطارا في الهكتار، بينما سيحقق الزرع العادي ما قدره 6 إلى 7 قناطر في الهكتار بفعل المشاكل المتعلقة بالتغيرات المناخية، وهو الفرق الذي نريد إظهاره للفلاح حتى يتبنى التقنية". من جانبه، أوضح هشام ضاوي، رئيس جمعية البركة للزرع المباشر والزراعة الحافظة، أن "أول ما بدؤوا الزرع المباشر كان في منطقة واد زم سنة 2012، في إطار منصة تجريبية من خلال البرنامج الذي كان يشرف عليه المعهد الوطني للبحث الزراعي في سطات، إذ دامت التجربة ثلاث سنوات، اكتسبنا من خلالها العديد من المهارات الميدانية". ولفت المتحدث إلى أن "المعهد الوطني للبحث الزراعي والمندوبية الإقليمية للفلاحة استمرّا في التعاون مع الفلاحين إلى أن نُسج مشروع الزرع المباشر"، ثم زاد: "المساحة التي كانت تُزرع من خلال البذارة التي وفرها المعهد الوطني للبحث الزراعي لم تتعد 250 هكتارا في السنة". وتابع الفاعل ذاته حديثه: "بدءاً من 2018، وفرت لنا آلية المثمر العديد من البذارات التي رفعت من حجم المساحة المزروعة؛ ذلك أن دائرة واد زم حققت ما يفوق 900 هكتار للزرع المباشر بواسطة البذارات هذه السنة، إلى جانب 600 هكتار عبر مشروع الزرع المباشر الذي يخص المندوبية الإقليمية للفلاحة". "كلها مشاريع أخرجت الفلاح من قوقعة الزرع التقليدي ذي الكلفة المرتفعة"، يورد ضاوي، الذي أكد أن "الزرع المباشر أدى إلى انخفاض التكاليف، مقابل حفاظه على مياه الأمطار في حالة الجفاف"، خاتما بالإشارة إلى أن "التقنية تحافظ على البيئة، وتختصر الوقت، وتوفر أموال الفلاح؛ ما يجعلها بمثابة تدبير للمخاطر التي ترافق الفلاحة طيلة السنة". أما أحمد لمقدم، مهندس زراعي في برنامج المثمر بإقليمخريبكة، فأكد لنا أن "البرنامج استطاع تحقيق 56 منصة تطبيقية مخصصة للزرع المباشر في أربع مناطق بإقليمخريبكة"، مبرزا أن "مردودية المنصة التطبيقية للزرع المباشر دائما ما تفوق نظيرتها العادية تبعا للنتائج التي نحصل عليها". ومضى لمقدم بالقول: "ذلك راجع بالأساس إلى الدور المحوري الذي يلعبه الزرع المباشر في ظل التغيرات المناخية التي نشهدها حالياً؛ ما يدفعنا إلى نصح الفلاحين بتبني هذه التقنية، لأنها ستكون ذات مفعول إيجابي في السنوات المقبلة بسبب انخفاض التساقطات المطرية، من خلال الحصول على مردودية عالية بمعدل تساقطات قليلة".