"بلوكاج" في لجنة المالية بمجلس النواب بسبب خلافات.. والبرلماني الحموني يقسم ألا يعقد الاجتماع "ولو على جثتي"    "البيجيدي" يطلب رأي مجلس المنافسة في منافسة "الأسواق الكبرى" ل "مول الحانوت"    الجيوش الأوروبية تصل إلى 60% في نسبة الاعتماد على الأسلحة الأميركية    إدارة السجن المحلي ببني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي (بيان توضيحي)    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أمطار إضافية متوقعة في المغرب    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    ذكرى وفاة جلالة المغفور له محمد الخامس.. مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية والاستقلال    توقيف شاب بحوزته 600 قرص مخدر بمحطة القطار بطنجة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    في تناقض فاضح مع تصريحاته.. تبون يأمر باستيراد أضاحي العيد    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    200 مباراة في الليغا.. فالفيردي يعزز أرقامه مع ريال مدريد    الأمطار الأخيرة تنعش حقينة سدود المملكة    كل «التَّلْفات» تؤدي إلى روما: عندما يسعى نظام الجزائر إلى لعب ورقة إيطاليا في خصوماته مع الشركاء الأوروبيين!    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    المرأة المغربية في عيدها العالمي وقفة سريعة مع سنة 2024    وفد إسرائيلي يتوجه الى الدوحة الإثنين لمباحثات بشأن الهدنة في غزة    تعليق الدراسة في عدد من الأقاليم المغربية بسبب الأحوال الجوية    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    المغاربة مطالبون بتغليب مصالح وطنهم في مواجهة الحملات المغرضة    التطوع من أجل نشر القراءة.. حملة ينظمها حزب الاستقلال بالقصر الكبير    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الحوار السياسي في موريتانيا خطوة نحو التوافق أم مناورة لاحتواء المعارضة    كيوسك الإثنين | انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي ب 37,56 % عند متم 2023    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    رجاء القاسمي.. الخبرة السينوتقنية بلمسة نسائية في ميناء طنجة المدينة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    الشركة متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات.. جهود مكثفة لتفادي تجمعات مياه الأمطار وتيسير حركة المرور    جثة امرأة تنتظر التشريح في سطات    مبعوث أمريكي يدّعي أن حماس اقترحت هدنة من 5 إلى 10 أعوام بغزة    نهضة بركان تفوز بثنائية في تطوان    أسعار الخضر والفواكه تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسواق سوس ماسة والمواطنون يطالبون بتدخل السلطات    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    التساقطات المطرية تساهم في الرفع من حقينة سدود المملكة    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن تأزيم وضعية الثقافة في ظل جائحة كورونا
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2020

العالم يَّئِنُّ تحت وطأة جائحة كورونا، الدول تحصي أمواتها، الأجساد العليلة مُنزوية في المستشفيات، الهلع يَسود قلوب الناس، الشلل يعتري اقتصاديات الشعوب، دبيب أقدام البشر خَفَّ على ظهر الأرض، المدن والشوارع خالية، وشعوب المعمور مُنْكَمِشَة في البيوت مُكرهة لَعَلَّهَا تَنْتَظِرُ أمل انقشاع غَد أفضل.
شَبح الموت الذي يُطارد الإنسان، دفع كل أجهزة الدول إلى احتراف ثقافة التوعية والتحسيس بخطورة الجائحة، لِيَسْحب البساط من الأدوار التقليدية للمثقفين، الذين وجدوا أنفسهم مُتفرجين على مأساة الأوضاع، فالثقافة لم تعد تقتصر على المسرح والشعر، بل اتسع مداها ليشمل هذه الأيام الثقافة الصحية، والإبحار لسبر عوالم الفيروسات وأجهزة المناعة ووظائف الجسم الإنساني ووسائل التعقيم، التي اكتسبت زخما كونيا، وانتشارها على نطاق واسع بين كل أرجاء الدول والمجتمعات في إطار الانتقال إلى عولمة صحية جديدة، تستهدف مخاطبة مواطن كوني ظهر في الأفق، يحمل تصور تعزيز سلوك التضامن والوعي بوحدة المصير الإنساني.
الأطباء والخبراء والباحثون في علم الأوبئة والفيروسات اعتلوا المنابر الإعلامية، وأخذوا حيزا مهما على شاشات التلفاز ووسائل الاتصال الأخرى، لِيُحَلِّلُوا ويُقَدموا آراءهم وتَصَوُّرَاتهم حول حَاضر ومُستقبل البشرية، وهي وظيفة لطالما شَغلها المثقف التقليدي، الذي يبدو أنه سينزوي ويتوارى عن الظهور، وينهمك في توثيق هذه اللحظة التاريخية، ويكتفي برصد أبعادها الأدبية والثقافية النظرية في المستقبل، مما يعزز ويرسخ فكرة انفصاله عن الواقع، والمكوث في أبراجه العاجية.
الأزمات منذ مدة هي لصيقة بعالم الثقافة، فزادت جائحة كورونا من تأزيم وضعيتها، المسارح والمعارض الفنية وقاعات الفن السابع مغلقة، المكتبات والمتاحف مقفلة، الأنشطة الثقافية والمهرجانات مؤجلة.
في الأيام العادية، الكتاب في عالمنا العربي مهجور، لا يجد من يَشْتَرِيه، لا تَحْمِلُه الأيادي، ولا تَتَصَفَّحُ العيون سُطُورَه، فما بالك عندما يضرب الحجر الصحي بسوطه مجتمعاته، ويمنعها من حرية الحركة والخروج والتسوق.
الورق يعيش أوقاتا عصيبة، فيروس كورونا لم يستثن أغلفته للالتصاق والركون على أسطحه، والعيش والاختباء بين أوراق كتبه، مما جعله وسيلة من بين أخرى لِنَقْل العدوى، فكان منع التوزيع والتداول من نصيبه، فتوقفت بذلك صناعة الصحف والمجلات والكتب عن الصدور إلى أجل مسمى.
الصحف والمجلات والكتب الورقية، لم تتوقع أن تأتي جائحة كورونا لتزيد من متاعبها، التي تَرَاءَت جَلِيا مع تسارع وتيرة زحف الثورة الرقمية، وتناقص الإقبال على شرائها ومقروئيتها، فاختفت العديد من الصحف والمجلات الورقية، أما البقية المتبقية فهي تنتظر دورها، وما استمرار حياتها إلا نتيجة لدعمها من قبل السلطات الحكومية الرسمية، وقد يكون هذا الحدث، حدثا فارقا، يدفع العديد منها إلى التحول شبه النهائي إلى المجال الرقمي، كما بدأت في تفعيله كبريات الصحف والمجلات الورقية عبر العالم.
في السياق ذاته، يتم الحديث عن ملامح الإقبال على الثقافة الرقمية الافتراضية في بعدها الدولي، من خلال تزايد عدد المشتركين في موقع نتفليكس المتخصص في عرض الأفلام السينمائية، وكذا نظيرتها من المواقع ذات الطابع الترفيهي.
فترة الحجر الصحي، حسب رأي البعض ستكون بذلك مناسبة لدفع الناس للمصالحة مع الكِتاب، حتى ولو كان عن طريق الوسائط الرقمية، من خلال فتح بعض المواقع الإلكترونية للمكتبات الوطنية أو الدولية المجال لزائريها لِوُلُوجِهَا مَجَانا وتَصَفُّحِ كُتبها، لدفعهم لفعل القراءة ومساعدتهم على استكمال دراستهم عن بعد.
حقيقة من الصعب الجزم، بِتَغيير سلوك الناس أثناء الحجر الصحي للرفع من فعل القراءة للكتاب، لغياب دراسات علمية حالية في هذا الباب من جهة، ومن جهة أخرى لصعوبة منافسة وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة، التي تتمتع بجاذبية لا تقاوم في سرعة نشر المعلومة، والقدرة على تقديم خدمات الترفيه والتسلية، التي تطرح إشكالية تجويد المضمون المتداول، بشكل يساعد على تنمية ثقافة ووعي الإنسان.
يبدو أن اغتراف الإنسان من متعة الثقافة له نصيبه حتى في فترة الحجر الصحي، فتكفيه النقرات على شاشات التلفاز والهواتف الذكية، ليجول ويختار فسيفساء من الأفلام السينمائية والوثائقية والبرامج الثقافية والفنية، التي تُشْبِعُ نَهَمَهُ ومُتْعَتَهُ، وتُلبي حاجياته، إلا أنها لا تَكفي بالنظر إلى كونها مُجرد عوالم افتراضية وسطحية، ومزيفة في كثير من الأحيان، تَبِيع الوهم للإنسان، وتَسْتَدْرِجُهُ لبيع هَويته الشخصية ومُعطياته الفردية.
يبقى القول، إن العوالم الافتراضية يصعب عليها تعويض الفضاءات المفتوحة المباشرة للمشاهدة، وكذا تَفاعل الجمهور مَعها بعواطفه وانفعالاته، وقُدرتها على تحقيق الشعور الجمالي وعيش لحظات الدهشة والتعجب وحس المشاركة مع الآخرين.
قد يكون دعم الثقافة في البلدان العربية من أكبر المتضررين من تداعيات هذه الجائحة، بالنظر إلى تَزَايد المطالب بتخصيص دَعْم أكبر لقطاعات حَيوية لَها الأفضلية في سُلم الأولويات، كقطاعات الصحة والتعليم والأمن والرعاية الاجتماعية، وبالتالي تَهميش الفعل الثقافي المهمش أصلا، الذي بدأت العديد من الدول العربية الاقتناع، بكونه خير وسيلة وأداة لتنمية المعرفة ووعي الأفراد والجماعات، وتطوير الإبداع وكذا صد الفكر المتشدد.
على هذا الأساس، سَتطرح أمام المؤسسات الثقافية العربية مسألة، الدفاع عن الفعل الثقافي، وإثبات وجوده واستمراريته، كمكون أساسي لا محيد عنه في حياة الإنسان العربي، والبحث عن بدائل جديدة لمواصلة التواصل معه في ظل الحجر الصحي، والسعي لوضع استراتيجية محكمة تنقذ العديد من العاملين المرتبطين بالفعل الثقافي، وكذا التكيف مع الوضع الحالي بتوفير عروض جديدة للمواطنين، وضمان إيصالها للبيوت، وتيسير الولوج إليها عبر وسائط الاتصال والتواصل.
*كاتب ومهتم بشؤون المعرفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.