قال عدي الراضي، باحث في التاريخ والتراث، إن "كتائب المقاومة المكونة من رجال آيت حديدو شنّت هجوما مباغتا على فرق الجيش الاستعماري بقرية تاحيانت يوم 8 يونيو 1929، حيث خلف هذا النزال ثمانين قتيلا؛ من بينهم خمسة ضباط فرنسيين، زيادة على مئات من الجرحى في صفوف الجيش الفرنسي بكل مكوناته". إذن، ما هي تفاصيل هذه المعركة المتميزة في مسار مقاومة آيت حديدو للاستعمار الفرنسي داخل المجال الوظيفي للقبيلة؟ سؤال محوري تمركز بشأنه مقال الباحث، فصاغ بذلك مقالا عنونه ب"معركة تاحيانت الكمين الناجح 8 يونيو 1929"، بعث بنسخة منه إلى جريدة هسبريس الإلكترونية التي تسلط الضوء على أبرز نقاطه. تبعا لذلك، ينطلق المقال من أنه "لفهم المعركة وأطوارها كما تحكيها الرواية الشفوية؛ أي تقارير مراكز الشؤون الأهلية بالمنطقة ومذكرات الضباط الفرنسيين الذين عايشوا الحدث، بوصفها أهم مصادر تم اعتمادها في هذا المقال التاريخي المتواضع، يجب إلقاء نظرة تعريفية عن القرية التي احتضنت شعابها المواجهة سالفة الذكر انسجاما مع قاعدة تفاعل الزمان والمكان في صنع الأحداث التاريخية". هكذا، يمضي الباحث في التعريف بقرية تاحيانت التي جسدت ميدان المعركة، حيث لفت إلى أنها تعد "من القصور الواقعة بأعالي زيز، التابعة إداريا لقيادة وجماعة أموكر بدائرة إميلشيل في ميدلت بجهة درعة تافيلالت، حيث تتشكل القرية من ثلاث نقط عمرانية حسب المكونات الإثنية والعرقية لساكنة القصر منها؛ إسغي، آيت موش، آيت واعوش، ويعد هذا القسم الأخير أكثر كثافة". "أغلبية ساكنة قرية تاحيانت من فخدة آيت موسى وحدو ضمن فصيل آيت كرهور أحد المكونات الأساسية لقبيلة آيت حديدو، ففي العقود الأخيرة بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الطارئة على بنية العمران وشكل القصور، ظهرت مواقع عمرانية جديدة بكل من “تيوريرين“ وأمازير، حيث يعود استقرار آيت موسى وحدو بالقرية إلى بداية القرن التاسع عشر، بعدما تم إنشاء قصور جديدة بأفراسكو وتحيانت نظرا للنمو الديمغرافي الهائل الذي عرفته القبيلة بآيت يعقوب عاصمة آيت موسى وحدو بامتياز"، وفق المقال المصدر عينه. وتؤكد الوثيقة التاريخية أنها "توسعت على حساب القرى المجاورة وحيازة الأرض بها بطرق مختلفة؛ ذلك أن أغلب قرى منابع زيز عرفت استقرارا بشريا منذ القديم، وكانت موطن لقبائل زناتة، وبعدها صنهاجة من فصائل آيت يدراسن؛ مثل آيت عياش آخر فصيل غادر المنطقة بعد وصول آيت كرهور، فبوجود أطلال عمران مندرس بقمة “أغنبو“ على الضفة المقابلة لموقع إسغي، يؤكد أن القرية عرفت استقرارا بشريا منذ القديم". وتابع الراضي: "تحتل قرية تاحيانت موقعا إستراتيجيا مهما لوجوده في مفترق مسالك طرقية عديدة؛ منها الطريق المؤدي إلى أسامر ن “إلغمان“ وتكندوزت وزيز الأعلى عبر سفح “إكرتال“، والمنفذ الرئيسي نحو قرية أموكر عبر “إسونيف“، وإلى قرية البرج ن ورحمون، مرورا بمضيق “بو كريس“، ومسلك لا يقل أهمية عن المسالك السابقة والذي يربط القرية بقصور آيت سعيد وحدو وآيت يحيى، مرورا بقرية مولاي علي؛ ومن ثمة اهتمت السلطات الاستعمارية بالقرية، وعملت على بناء ثكنات عسكرية لمراقبة كل هذه الطرق لتحصين مركز آيت يعقوب من المواجهات المحتملة بعد معركة 8 يونيو الشهيرة". وبخصوص التوغل الاستعماري بالجنوب الشرقي، يورد كاتب المقال أن "الرواية الشفوية تعد المصدر الوحيد الذي يمكن اعتماده للتأريخ لمسار سلسلة المقاومة بجبال آيت حديدو، حيث أهمل البحث الأكاديمي هذه المعركة رغم الدور الفعال في تاريخ المقاومة بالمغرب، باستثناء بعض الإشارات القليلة والشذرات الشحيحة الواردة في ثنايا الأرشيف العسكري الفرنسي، ففي الغالب عبارة عن مذكرات بعض الضباط المشاركين في عمليات الاحتلال، وتقارير مفصلة لرؤساء مراكز الشؤون الأهلية". واسترسل: "توغلت الجيوش الاستعمارية في التراب المغربي مع بداية العقد الأول من القرن العشرين، حيث تم احتلال وجدة والدار البيضاء 1907، وتسللت في الجهة الشرقية الجيوش الاستعمارية عبر الصحراء الشرقية، حيث كانت معركة بوذنيب أول مواجهة بين قبائل آيت يفلمان والاستعمار، وفي الوقت نفسه آخر مسمار دق في نعش الحلف". "بعد احتلال بوذنيب تقدمت جيوش الاحتلال في الخريطة الجغرافية للمنطقة، باحتلال كرامة، ثم الريش، وتم تأسيس مركز الشؤون الأهلية بالمدينة سنة 1919م. ولإدراكها صعوبة البنية التضاريسية للمجال الوظيفي لقبائل آيت حديدو وتمرس رجالها في الحروب وشجاعة سكانها في المعارك الحربية، فقد استقرت طوابير المستعمر بالريش حوالي عقدين من الزمن من أجل الاستعداد الكافي لاختراق هذه الجبهة الصعبة من الأطلس الكبير الشرقي، بالاهتمام بالبنيات التحتية اللازمة بشق طريق فج "تيزي ن تلغمت"، وحفر نفق زعبل لتسهيل إيصال الإمدادات إلى المنطقة من المؤن والعتاد"، وفق المصدر نفسه. وزادت المقالة: "تميزت سنة 1929 بمجموعة من الأحداث الحاسمة التي غيرت مجرى التاريخ، ليس في المغرب فقط، وإنما في جميع أنحاء المعمور، فقد كانت عام الأزمة الاقتصادية وزمن صعود التيارات النازية والفاشية، وفي المغرب عرفت تغييرا على مستوى الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب بتولية لوسيان (luien saint)بدل ستيك تيودور، كما قررت الإدارة الاستعمارية وفي هذه السنة أيضا التوغل في الأطلس الكبير الشرقي، واستعمال القوة بعد فشل الطرق السلمية التي حاولت نهجها لاحتواء الوضع بالمنطقة؛ واحتداد ضغط المقاومين على المراكز الاستعمارية بالريش وكرامة". إلى ذلك، اعتمدت طوابير المستعمر في هذا الزحف سياسة التطويق لإضعاف المقاومة في كل الجبهات، والتخفيف من الضغط القبلي على الجيوش الاستعمارية، حسَب المقال، حيث قادت فيالق عسكرية هجوما بملوية العليا لمحاصرة جبل العياشي وجبل المعسكر آخر معاقل المقاومة بالمغرب بمواطن قبائل آيت حديدو وآيت يحيى، مبرزا أنه لتطهير الجهة الجنوبية تمت محاصرتها من الجهة الشمالية والغربية؛ فالقوات القادمة من ايتزر تمكنت من احتلال تونفيت بعد مواجهة شرسة خلفت 35 قتيلا في صفوف رجال المقاومة. وزاد صاحب المقالة: "بعد شيوع خبر المعركة، اضطرت بعض فصائل من قبيلة آيت يحيى (حوالي 400 بندقية) على مغادرة تجمعات المقاومة بمنابع زيز والعودة لمؤازرة إخوانهم، ومع بداية سنة 1929 حسمت السلطات الاستعمارية أمر الدخول إلى جبال آيت حديدو بعد كل هذه الإجراءات، وتم اختيار فصل الربيع توقيتا مناسبا لاستحالة المغامرة زمن أيام القر والزمهرير"، مؤكدا أنه في "26 أبريل من سنة 1929 غادرت الفيالق الاستعمارية مدينة الريش في اتجاه زاوية سيدي حمزة، بينما تم احتلال آيت يعقوب في 29 من الشهر نفسه، ومن الجهة الأخرى خضعت قرية البرج بعد الوصول إليها عبر اموكر انطلاقا من مزيزل". وشدد الكاتب على أن "الجيوش الاستعمارية اخترقت المجال الوظيفي لآيت حديدو بعد احتلال القريتين، وغادرت الساكنة قصورها بافراسكو وتحيانت في اتجاه إسلاتن وأسيف ملول، ثم اجتمعت الأسر الباقية قصر آيت يعقوب، واختار المقاومون قرية تزارين التي تبعد عن البرخ بحوالي 14 كيلومترا نقطة تجمعهم، ومنها توجه الدعوات إلى المناطق بآيت مرغاد وأسيف ملول، وذلك بتأطير مجموعة من الزعماء الروحيين من أتباع الزاوية الدرقاوية، مثل سيدي محمد بن الطيب وسيدي عمر ابن اخته وسيدي الطيب ابن محمدا ولحاج وسيدي الهواري الذين يقومون بتنسيق الجهود بين قبائل آيت يفلمان للهجوم على المراكز الاستعمارية بمزيزل والبرج وآيت يعقوب". وتابع: "يبقى سيدي بنحماد بنطالب الزعيم الروحي والعسكري الموجه والمرشد والقائد العام لمقاومة آيت حديدو للاستعمار، وسر قواتها منذ مراحلها الأولى إلى غاية استشهاده بترغيست؛ ولعل اعتماد اسمه كلمة بين عناصر المقاومة ليلة 18يونيو 1929 بآيت يعقوب خير دليل على هذا الاستنتاج، حيث وصلت فرق من آيت مرغاد إلى مركز التجمع المقاومة بقرية تزارين بعد شهر من المشاورات، وبدأت مناوشات بين المقاومة وفرق الكوم بكل من قرية إكلي وافراسكو والبرج أواخر ماي من سنة 1929". ولفت الباحث في التاريخ إلى أنه "مع بداية يونيو من السنة نفسها بعد شهر من وجود الاستعمار بآيت يعقوب، اقتنع الجميع بضرورة الهجوم على المركز الاستعماري الكائن بالقرية، خاصة بعد وصول بعض الشخصيات الدينية البارزة إلى قرية تازارين، وتم دراسة الوضع بالمنطقة لإعداد خطة محكمة لضمان النصر وتفادي الهزيمة، ثم اتفق الجميع على قطع خط الهاتف جسر التواصل الرابط بين مركز البرج وآيت يعقوب بهدف عزلها عن بعضها، ووضع كمين لمباغتة العدو والهجوم عليه في حالة غفلة". بعدها، انقطع التواصل بين البرج وآيت يعقوب، وجندت كتيبة من الكوم لإصلاح العطب، ثم سمع دوي طلقات نارية ناحية البرج وبمنطقة مولاي علي على الساعة السابعة والنصف، حيث بداية المناوشات بين المقاومين ومجموعة الكوم بعد ترصدهم بمكان العطب في السلك الهاتفي، وغادر طابور من فيلقين آيت يعقوب على الساعة الثامنة صباحا لإنقاذ المحاصرين بين البرج وتحيانت بقيادة LE commandant Emmaniel وتم إغاثة الناجين من الجنود بمسح فضاء مولاي علي بالمروحيات. ومضى قائلا: "لقد استغل آيت حديدو الطبيعة التضاريسية للمنطقة، التي هي عبارة عن شعاب وأخاديد، وفرت لهم مخابئ آمنة لنصب كمائن للعدو بالانسياب داخلها مثل الأفاعي وإتقان الضربات، ولم تتمكن الطائرات من رصدهم. وفي أثناء العودة ومتابعة الفارين، فطن المقاومون إلى وجود فرق الدعم، وتمت محاصرة قرية تاحيانت من جميع الجهات، وتم الهجوم بشكل مباغت على فيالق الجيش الاستعماري، وكانت الحصيلة عبارة عن خسائر مادية وبشرية قدرت بثمانين شخصا؛ من بينها خمسة ضباط كبار، على رأسهم القائدين إيمانويل واليوتنان ليماغشون، ذلك أن المكان الذي شهد أغلب أطوار المعركة يعرف بالنيمرو". "لقد نجحت فرق المقاومة من رجال آيت حديدو في إعداد خطة فعالة بنصب كمين ومصيدة للجيوش الاستعمارية والهجوم على العدو في غفلة؛ فالتفكير في قطع خط الهاتف دليل قاطع على تمرس وخبرة آيت حديدو في الحروب والمعارك، لأن ذلك سوف يساعد المقاومين معلى مباغتة العدو وإلحاق الهزيمة به"، خلاصة وردت في ثنايا المقال. وزاد مستدركا: "شكلت معركة تاحيانت طفرة نوعية في مسار المقاومة بالأطلس الكبير الشرقي، خاصة كآخر معاقل المقاومة بالمغرب، فقد شجعت رجال آيت حديدو على الاستمرار في المقاومة وحفزت المقاومين، وبثت في نفوسهم شحنات معنوية مرتفعة زادت من حماسهم في الإعداد لمعركة الحسم بآيت يعقوب، وبعد الانتصار الباهر ضد الجيوش الاستعمارية، اشتد ضغط آيت حديدو على مركز آيت يعقوب إلى حد أصبح الحصول على المياه من العيون والجداول من المغامرات غير المحسوبة العواقب". وأشار أيضا إلى أنه "تم نقل مقر تجمع المقاومين من تازارين إلى أفراسكو للاقتراب من العدو أكثر، وتم الهجوم على عناصر الحراسة يوم 12 يونيو 1929 بجبل ثسكدلت وقتل 10 أشخاص، وعملت القيادة العليا للإدارة الاستعمارية بمكناس على تشكيل أربعة كتائب بأمر من الجنرال نيجي(niéger) لإغاثة الفريق الاستعماري المحاصر بمركز آيت يعقوب، بينما احتدت المشاورات والتنسيق بين فلول المقاومة في الوقت نفسه، في انتظار وصول بعض القبائل المجاورة، خاصة آيت مرغاد". "في الليلة التي تم الهجوم فيها على آيت يعقوب، وصلت فرق الدعم في الوقت المناسب، ما غير مسار المعركة المجزرة المعروفة بمعركة آيت يعقوب18يونيو1929. لهذا، فإن معركة تحيانت تعد بداية حقيقية لسلسلة من المعارك التي قادتها قبائل آيت حديدو وبعض من جيرانهم ضد الغزو الفرنسي، خلال الفترة الممتدة بين 8 يونيو 1929 إلى غشت 1933 بجبل بادو؛ مرورا بمعركة آيت يعقوب، ومعركة أزغار إلس؛ ومعركة ترغيست التي استشهد فيها الزعيم الروحي والعسكري للمقاومة سيدي بنحماد بنطالب؛ ومعركة مصطريد؛ ثم معركة بادو"، بتعبيره.