البرلمان الأذربيجاني يصادق على اتفاقية التعاون العسكري مع المغرب    احتجاج يرفض تمرير الحكومة "قانون الإضراب" ويتشبث ب"الترافع الميداني"    المغرب يستقطب 2 مليون سائح إسباني.. وجهة بديلة عن السفر الداخلي    ارتفاع حصيلة ضحايا حادث تحطم طائرة في كوريا إلى 174 قتيلا    المغرب التطواني ينهزم في آسفي    شخصيات بارزة وجمهور شغوف يحيون ليالي الجاز في دار الصويري    2024 سنة تأكيد تفوق كرة القدم الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    سكوري: الحكومة سطرت خطة جديدة في مجال التشغيل للقضاء على البطالة    موجة برد وزخات قوية تستمر 3 أيام في المغرب    ما الفرق بين قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية !!!    إقالة المدربين الأجانب هل تؤثر على أداء أندية القسم الاحترافي    لجنة الانضباط في الكاف تغرم نادي الجيش الملكي 15,000 دولار أمريكي    مستشار رئيس حكومة القبائل يكتب عن التحرر من قيود النظام الجزائري    الصحة العالمية تكشف سر المرض الغامض في الكونغو    محمد أوشن يناقش أطروحة الدكتوراه في التاريخ المعاصر    مهاجرون ينجحون في الوصول إلى إسبانيا انطلاقا من ساحل الحسيمة    يواجه إسرائيل بردائه الأبيض.. حسام أبو صفية طبيب بغزة "ما هزّته دولة نووية"    تقرير دولي: الجزائر وتونس في مواجهة تحديات أزمة الجوع    دراسة حديثة تظهر وجود تريليونات الأطنان من الهيدروجين تحت سطح الأرض    ما حقيقة استفادة الستريمر إلياس المالكي من تخفيف الحكم؟    دراسة: اكتشاف طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    الولايات المتحدة.. تحور فيروس إنفلونزا الطيور يثير قلقا علميا    جهود متواصلة لقطر سفينة بحرية مغربية جانحة بين الصخور قبالة الناظور    بلجيكا تحظر بيع السجائر الإلكترونية اعتبارا من الشهر المقبل    تحسن الليرة السورية مقابل الدولار    مندوبية التخطيط تتمسك بنسبة الأمازيغية وتوضح اختلافات معدل البطالة    نسبة ملء سدود المغرب تصل إلى 28 % وسط تحذيرات من أزمة فلاحية    انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    وفاة رضيع خامس بالبرد في قطاع غزة    مدينة الفنيدق تحتضن منافسات كأس العرش للفول كونتاكت لمنتخبات العصب    خلال يوم واحد.. 3 حوادث طيران في كوريا والنرويج وكندا    أرضية ملعب العربي الزاولي تُعقد مهمة الرجاء أمام صن داونز    مقتل صحافية فلسطينية بنيران صديقة    مجلة إسبانية: المغرب في طريق ليصبح 'وادي سيليكون فالي' المستقبل    قيادي انفصالي يدعو لاحتلال موريتانيا ويتنبأ بتقسيم الجزائر    في الذكرى الرابعة للقرار الأمريكي لاعتراف واشنطن بمغربية الصحراء :    غانا تعزز الشراكة مع المغرب بإلغاء تأشيرات الدخول    في مؤلف حديث.. صحفيون يروون ما لم يُرْوَ في تغطية زلزال الحوز    أبطال الكيك بوكسينغ والمواي طاي المغاربة يبصمون على موسم جيد خلال سنة 2024    ماكرون يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار بغزة    الولايات المتحدة.. إلغاء أو تأخير آلاف الرحلات الجوية جراء سوء الأحوال الجوية    انتشار "بوحمرون" بإقليم شفشاون يدق ناقوس الخطر ومطالب عاجلة على طاولة الوزير    تحولات جوهرية في قطاع التكنولوجيا المالية خلال سنة 2024    رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ أيت يفلمان بالجنوب الشرقي .. تحالفات قبلية وروابط دموية
نشر في هسبريس يوم 23 - 05 - 2020

قال عدي الراضي، باحث في التاريخ والتراث، إن البحث في موضوع حلف أيت يفلمان "ليس بهدف إثارة النعرة القبلية، أو إيقاظ الضغائن والأحقاد والتشجيع على إحياء القبلية، أو التحريض على التفرقة، وليس جانبا من الشوفينية كما يعتقد البعض، والدافع الأساسي الكامن وراء هذه المحاولة هو الرغبة الملحة في البحث والتنقيب في الماضي البعيد لمنطقة الجنوب الشرقي عامة، وللتحالفات القبلية التي تشكلت بالمنطقة عبر تاريخها الطويل".
وأضاف الراضي أن "النظم العرفية والقانونية والأعراف الاجتماعية والاقتصادية والأنساق الفكرية والذهنية المؤطرة والمحددة لجميع التكتلات المذكورة في التاريخ بإسهاب كبير تشكل أرضية خصبة ومادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في الدراسات الإنسانية بمختلف فروعها، لكونها قواعد خاصة ناتجة ونابعة من الانشغالات والمثبطات والعراقيل اليومية والمستجدات الطارئة التي تهم الأنشطة اليومية للإنسان الأمازيغي محليا".
وأوضح الباحث عينه أن "البحث في مجال وتاريخ أيت يفلمان في الماضي يساعدنا للوقوف على اللبنات الأولى لكل التجليات البارزة على سطح قشرة البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالجهة، التي تختفي في عمقها ألباب عبارة عن حقائق علمية وتاريخيو وسوسيولوجية وأنثربولوجية؛ تمكن الباحثين في الميادين المختلفة لبلورة تصور عام يهم ويلامس البنيات العامة للنسيج الاجتماعي والفكري للمجتمعات بالجهة".
تبعا لذلك، أوردت المقالة أن "القبائل الصنهاجية عرفت بتكوين الأحلاف والاندماج العشائري عبر تاريخها الطويل ولا غرو؛ فقد ساهم تحالف أقوى الفروع المكونة للقبيلة (لمثونة؛ جدالة؛ مسوفة) في ميلاد الدولة المرابطية، أول مشروع وحدوي بزعامة القوى المحلية للمغرب الكبير وبلاد "تيموزغا"، مهد لقيام الدولة الموحدية أعظم إمبراطورية في تاريخ شمال أفريقيا".
"معاهدات "تايسا" "تاضا" سمة عرفية وقانونية أمازيغية لتنظيم المجتمعات عبر التاريخ الطويل؛ فقد تكونت اتحاديات كبيرة من القبائل أفضت إلى قيام ممالك أمازيغية، بسطت سيطرتها على رقعة جغرافية مهمة من أرض تيموزغا أنكرها التاريخ الرسمي"، وفق ما جاء في الوثيقة ذاتها.
وبالنسبة إلى حلف أيت يفلمان، فأكد الراضي أنه "بمتابعة تاريخ القبائل المكونة لهذا الحلف نجدها قد استوطنت الجنوب الشرقي، وانتشرت على ضفاف الأودية الشهيرة بالمنطقة، خاصة غريس وزيز وكير بكل من تودغا، فركلة وتافيلالت منذ القرن ال10 ميلادي، على اتفاق جميع المصادر التاريخية والرواية الشفوية، وإذا سألت أحد العارفين والمهتمين بأنساب القبائل حول قبائل أيت يفلمان، سيجيب بدون تردد بأن أصل أيت حديدو وأيت مرغاد هو امضغاس وأيت يحيى، غادرت أغبالو نكردوس في ظروف تاريخية معروفة، وأصل أيت يزدك تيزكي".
وتابع الكاتب: "لقد عرفت هذه الجهة من المغرب ميلاد أحلاف قبلية لعبت أدوارا مهمة وحاسمة في كثير من الأحداث خلال العصر الوسيط والحديث، منها اتحادية أيت تيايرت؛ أهل تدغت وأيت سنان وأيت يزدك حسب البيدق أحد المؤرخين في بلاط عبد المؤمن بن علي، حيث دون هذه المعلومات أثناء حملة هذا الأخير إلى المنطقة خلال القرن ال12 وأيت ادراسن"، وزاد: "كلها قوى قبلية لها في تاريخ المغرب شأو كبير، وبانتماء سجلماسة إلى هذا المجال الجغرافي، فقد كان الجنوب الشرقي محط أنظار جميع القوى السياسية المتعاقبة على حكم المغرب سواء محلية أو انطلاقا من القيروان (العبيديين مثلا) أو من الأندلس (المروانيين).
ولفت الباحث عينه إلى أنه "بتصفح المصادر التاريخية المهتمة بأنساب القبائل وأماكن استقرارها، لم نجد ضمن أسماء هذه القبائل المشكلة لحلف أيت يفلمان في بدايات العصر الوسيط إلا أيت يزدك والعناصر الأخرى، ولم يتم الإشارة إليها إلا في المصادر الحديثة، ليس أنها بعيدة عن المنطقة، ولكن الأسطوغرافية التقليدية تهتم بأخبار الملوك والقبائل المحيطة بالعواصم المغربية القديمة، ولا تهتم بنظيرتها النائية إلا في من خلال مصادفتها في الحركات السلطانية".
ويعود الباحث للحديث عن تسمية أيت يفلمان، موردا أنها "عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين؛ أيت وتعني أهل، ويفلمان بفتح الياء وتعني وجد الأمان، وبضمها تعني الأمان، أحسن وأفضل، ولعل المغزى العام من العبارة والشعار هو تحقيق الأمان ونبذ الفوضى والسبة واللااستقرار، وتفادي الصراعات القبلية غير المفيدة لجميع الأطراف، وهذه الغاية الكبرى من تأسيس هذا الحلف في ظرفية سياسية واقتصادية متميزة عرفها المغرب بعد وفاة المنصور الذهبي المتسم بعهد بالرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والوحدة الوطنية".
لكن "انقلاب الوضعية إلى عكسها جاء نتيجة صراع أبنائه حول السلطة، وتشتت المغرب إلى كيانات وإمارات متصارعة؛ واتحادات قبلية لتقوية الذات وضمان الموقع ضمن الخريطة السياسية للبلاد، خاصة باستحضار الفترة الزمنية التقريبية التي تأسس فيها الحلف من طرف أربع قبائل؛ أيت يزك، أيت مرغاد، أيت حديدو، أيت يحيى وعرب الصباح (1055ه/م 1646م) المتميزة بالصراع القوي المحتدم حول السيطرة على سجلماسة والجنوب الشرقي عموما بين الدلائيين ومحمد الشريف"، تبعاً للمقالة.
وتابعت الوثيقة: "ولن نحسم بأن تلك السنة هي البداية في تاريخ تشكيل وإنشاء الحلف، حيث يبقى من الإشكاليات التاريخية من الواجب التعمق فيها، وتخصيص بحوث مستفيضة في شأنها، وعلى ما يظهر سواء من الرواية الشفوية المتواترة بين الأجيال. وانطلاقاً من بعض الإشارات الواردة في الحوليات التاريخية، يتبين أن حلف أيت يفلمان لم يتكون دفعة واحدة، وإنما تأسس عبر مراحل، وخلال فترات تاريخية متباعدة، ويتجدد بعد الأزمات والاضطرابات الناتجة عن الحروب، وضعف السلطة المركزية".
هكذا، أوضح الباحث أنه "في البداية ضم كروان وأيت يزدك لتلتحق القبائل الأخرى في الأزمنة اللاحقة، ولعل وثيقة سيدي بويعقوب خير دليل على كون الحلف يتجدد وفق رغبة السلطة وبإيعاز من الزوايا المحلية، بمبادرة من القبائل المعنية لإعطاء الشرعية السياسية والدينية للتحالف، ولم تنسحب قبائل كروان الحلف إلا بعد معركة زيان بين السلطان المولى سليمان وأيت ومالو1820م".
وفي هذا الصدد، لفت الراضي إلى أن "المسألة التي ينبغي التأكيد عليها هي أن الأحلاف القبلية تكونت بالجنوب الشرقي إبان انهيار السلطة المرينية، وظهور قوى محلية جديدة في شخص القبائل المعقلية المستفيدة من الوضع المتميز الذي منح لها من قبل السلاطين المرينيين، بينما أشار الأستاذ لحسن أيت الفقيه إلى أن الحلف تكون إبان مجاعة 1522م".
وبخصوص أيت يفلمان والزاوية الدلائية، فعلى الرغم من "تمكن الزاوية الدلائية من إخضاع عدة قصور بمنطقة زيز وغريس، فإن أيت يفلمان لم يساندوا هذه الإمارة من قريب أو بعيد في حروبها مع مختلف الإمارات المتصارعة حول السلطة، ولم تذكر المصادر التاريخية حضور هذا الحلف إلى جانب الإمارة الدلائية، وبعد الحرب التي شنها المولى إسماعيل سنة 1679م على أحمد بن عبد الله بن محمد الحاج الدلائي العائد من نفيه بتلمسان الذي حاول إحياء أمجاد أجداده، ساند أيت يفلمان السلطان ضد أيت يدراسن العصبية القبلية لأهل الدلاء بإيعاز من أحد أبناء سيدي بويعقوب دفين أسول بأمر السلطان المولى إسماعيل الذي زار الزاوية خفية".
وأكد أنه "بعد هزيمة القوة الدلائية تم تفتيت الفصائل المكونة لجيشها واستغلت قبائل أيت يفلمان الوضع لتتقدم أكثر نحو أعالي زيز بعدما كان معظمها بغريس وتودغا العليا، لتستوطن المجال الوظيفي الخاضع سابقا لأيت يدراسن، وأصبحت هي المتحكمة في المحور الطرقي العمود الفقري للتجارة بالمغرب فاس سجلماسة، ثم السودان، ومنذ سيطرتها على واحة تعلا لين في شخص قبائل أيت يزك، تبوأ حلف أيت يفلمان مكانة بارزة في الأطلس الكبير الشرقي وتافيلالت، وساهمت في إعادة توازن القوى بالمنطقة، خاصة بعد الهزيمة النكراء التي ألحقت بايت ومالو بعد محاصرتهم من جميع الجهات، وقد شاركت أيت يفلمان في هذه الحرب إلى جانب السلطان، حيث بعث إلى أهل تدغة وفركلة وغريس والصباح أن يقدموا بجموعهم على علي بن يشي، وبعث إليه مع ذلك بعسكر الطبجية بالمدافع والمهاريس وسائر آلات الحرب، ونزل أيت يمور بقيادة علي بن بركات تغالين ومساهل نزل خلف ايت يسري بوادي العبيد".
وبشأن حلف أيت يفلمان والزاوية الدرقاوية، فقال الكاتب إن "تأسست الزاوية الدرقاوية بشمال المغرب على يد عبد الله بن محمد بن يوسف المعروف بودرقة نسبة إلى واقية من الرصاص يضعها في المعارك والحروب، وامتد نفوذها وإشعاعها الروحي ليشمل ويعم مناطق عديدة من المغرب خلال القرن التاسع عشر الذي عرف بقرن الزاوية الدرقاوية بامتياز، وبناحية تافيلالت تم تأسيس فرع للزاوية الدرقاوية على يد ابن القاضي المدغري المشهور محمد بن الهاشمي المسمى محمد العربي الدرقاوي (1801م -1892م)، وبسرعة فائقة امتد نفوذها الدعوي إلى كل التجمعات السكانية بالأطلس الكبير الشرقي".
وأضاف الباحث عينه أن "مركز الزاوية بأكاوز كان قرب قصر تينغراس التاريخي بأحواز سجلماسة ثم مركز آخر برحمة الله بالرتب لتقريب الزاوية من قبائل القسم الجبلي من تافيلالت، وتحتفظ الذاكرة الجماعية لساكنة أعالي زيز بروايات شفوية تشكل أدلة تاريخية ومصدر أساسي لكشف حقائق تاريخية حول العلاقة الوطيدة بين مولاي العربي الدرقاوي وحلف أيت يفلمان، وتنير الكثير من الأركان الدامسة والزوايا القاتمة حول تاريخ تافيلالت ومحيطها الجبلي خلال القرن ال19م المتسم بوضع خاص واستثنائي بعد استعمار الجزائر 1931م وبعد هزيمة اسلي التي كان الآثار البالغ على المنطقة خاصة والمغرب بشكل عام والمغرب".
واستطرد: "فقد استغلت قبائل أيت عطا الوضع المختل بالمنطقة بتحالف مع بعض البطون المعقلية عن طريق مؤسسات عرفية" (تافركانت وتاضا") مثل بني محمد وأهل فزنة للسيطرة على المنطقة ومضايقة القبائل المجاورة في مجالاتها الوظيفية، وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر تم تجديد وإحياء حلف أيت يفلمان بمباركة الزاوية الدرقاوية لمواجهة أيت عطا في معركة تلوين الشهيرة التي أفاض ميشيل دوفوكو في وصفها، فقد خلالها اللفين المتحاربين خيرة من رجالها وأبطالها الشجعان وكانت الهزيمة من نصيب أيت عطا".
وزاد مستدركا: "اجتمع الزعماء التاريخيين لقبائل أيت يفلمان بامطغاس للمشاورة وتحديد بنود الاتفاق منهم؛ "سكو بويخف قائد أيت حديدو، وعلي وهناش قائد أيت مرغاد، وإبراهيم نتاعكيت قائد أيت يزدك، وموحى وعقا قائد أيت يحيى ثم عرب الصباح؛ ذلك أن المبدأ العام المتفق في شأنه هو الوحدة في إطار الاحتفاظ على بعض الخصوصيات المحلية لكل قبيلة، فهذه نقطة هي ضعف حلف أيت يفلمان لأنه لم يصل إلى مستوى الاندماج الكلي، عكس لف أيت عطا المبني على قاعدة الجد الموحد "دادا عطا" شعار يجسد الرابطة الدموية العنصر الأول والأخير في الانصهار العشائري وتكوين الحلف".
"أما أيت يفلمان، فالمصلحة الاقتصادية المشتركة تشكل القوة الكامنة وراء ظهور الحلف؛ لهذا فالتحالف ظرفي ومؤقت ومهدد بالتصدع في كل اللحظات. وبالرجوع إلى القيادة، نلمس ذلك الاختلاف بشكل جلي، فإذا كان الحلف الأول (أيت يفلمان) بقيادة جماعية ممثلة في زعماء القبائل الأربع، فإن الحلف الثاني كان بزعامة فردية مجسدة في القائد العطاوي المشهور سعيد وفول الذي قاد اللف خلال معركة تلوين. وانطلاقا من التفاوت والاختلاف البارز على مستوى طبيعة القيادة، ذهب البعض بعيدا للحديث عن كفدرالية ايت يفلمان بدل الحلف"، بتعبيره.
إلى ذلك، أشارت المقالة إلى أنه "من البداية طرح مشكل الزعامة، حيث تم الاتفاق على اعتماد مجلس للقياد من خلاله يتم التفاوض للحسم على الإشكالات المطروحة؛ من بينها على سبيل المثال الخطة الحربية لمواجهة أيت عطا إبان معركة تلوين. وقد لاحظ ولامس الشيخ محمد العربي الدرقاوي ذلك المشكل القائم حول القيادة، وحاول إصلاح ذات البين كما تحكي الرواية الشفوية بإلقاء خطبة موعظة على الزعماء، شبه في مضمونها الحلف بشجرة نخلة يشكل أيت حديدو جذعها، وأيت مرغاد عرجونها، وأيت يحيى سعفها، بينما أيت يزك لقاحها المعروف محليا ب"الذكار"، والنخلة الشجرة الوحيدة التي تشبه الكائنات الحية من الثدييات في عملية التخصيب والإنجاب، حيث يتم رش العرجونات الأنثوية بنظيرتها الذكرية فيتحول البلح إلى ثمرة حلوة قابلة للاستهلاك، وإذا لم تتم العملية لن يأخذ التمر ذلك المذاق الحلو الفريد؛ وهذا التميز يمنح للنخلة مكانة مقدسة لعدة اعتبارات في لب الذهنية العامة للساكنة".
"هذا التشبيه العجيب دليل واضح على الذكاء الخارق للشيخ الدرقاوي؛ فاختيار النخلة ليس اعتباطيا فهي الشجرة المقدسة في الواحات الصحراوية المغربية والعربية عامة، لما توفره من مادة غذائية مفيدة للساكنة وكونها وسيلة للعيش، وبفضل الحلاوة الطبيعية التي تميز ثمارها والمنافع العامة للشجرة على الإنسان، زيادة على وجودها في الأرض المقدسة بالحجاز مكان دفن الرسول وبقعة نزول الوحي ومحاج المسلمين من جميع بقاع العالم؛ ذلك أنه شكل من أسلوب الصوفية والطرقية بالمغرب، حيث استحضار الديني والروحي في الوصايا والمواعظ وكل الخطوات اليومية بين الشيخ والمريدين والأتباع والمناصرين بهدف غرس وزرع بذور الوحدة والتضامن وجمع الشمل، ونبذ الخلاف والصراعات بين القبائل"، حسَب المصدر ذاته.
وأورد الباحث أن "الحلف شجرة نخلة مقدسة بدون الجذع لا وجود للجريد والأغصان، وبلا اللقاح يستحيل إعطاء ثمار جيدة يستسيغ أكلها، فكل مكون له وظيفته الخاصة، وينطبق ذلك على الحلف؛ فلكل قبيلة مكانتها الخاصة، وأن غياب ركن من الأركان الأربعة للحلف لن يصمد كثيرا ومصيره التصدع والانشقاق؛ وفي التكامل تكمن القوة، والكل لن يتشكل إلا بدعم من أجزائه الرئيسية، وبطريقة ذكية ولبقة قسم الشيخ الدرقاوي الأدوار بين الزعماء دون إقصاء وبإرضاء جميع الأطراف، وحسب الرواية الشفوية المتداولة بالتواتر بين الأجيال بأعالي زيز، فقد كانت القبائل تزور الزاوية لتقديم الزيارات والتبرك بالشيخ بشكل دوري".
ومضى مسترسلا: "وخلال إحدى زيارات قبائل أيت حديدو لمقر الزوايا كان الطقس باردا منغمسون ومدثرون في البرانس والصمت يعم جمعهم ودخل الشيخ إلى قاعة الضيوف فوجدهم على هذه الحالة، فخاطبكم الشيخ ما خطبكم يا أخوالي من أيت حديدو صامتون؟ فأجاب زعيمهم يا شيخ نحن عوام لا نتقن الأمداح مثل المريدين، فقال لهم بالأمازيغية التي كان الشيخ يتقنها "kat asanfe t zwourmtne"، ثم أضاف: "inite".."hate orda itmoune d ighboula ghasse isnnane.. لا إله إلا الله واستغفر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ونحاول ترجمة المقولة لتقريب مضمونها للجميع".
ثم عاد ليوضح مضمون المقولة، قائلا: "فقد حث الشيخ زواره من أيت حديدو على المرور عبر طريق مختصر للوصول قبلهم (أي المريدون)، والمسلك القصير والقريب المسافة حسب الشيخ هو الإكثار من ذكر الله، والقيمون بالزاوية رغم حفظهم للقرآن والأوراد فالزوار أفضل منهم بكثير، والنية أبلغ من العمل لأن قصد الزاوية من أماكن بعيدة مع إحضار الهدايا من الزرع والماشية دليل واضح على قوة وصفاء إيمانهم عكس الأتباع، ولعل تشبيههم من قبل الشيخ بالأشواك المحيطة بعين جارية خير برهان على أن مكانة وقيمة الزوار أحسن بكثير من مرددي الأوراد والأمداح؛ فوجود الزاوية رهين بالعطايا والهبات والأوقاف المحبوسة عليها من طرف الأنصار والزوار لكونها موارد قارة؛ تعتمد عليها الزاوية في عملية الإطعام وإيواء المحتاجين من الفقهاء والطلبة وغيرهم".
هكذا، استرسل المتحدث: "لقد بلغ حلف أيت يفلمان أوج وذروة قوته خلال النصف الثاني من القرن ال19 بالسيطرة على الطريق الرابطة بين فاس وسجلماسة في شخص قبيلة أيت يزدك التي استوطنت واحة تعلا لين والخنق وفم اغيور، ولم تكتف بهذا، بل تم الاستحواذ وتعمير كل الأراضي التابعة سابقا لكروان وأيت عياش بعد إجلائهم عن المنطقة بداية النصف الثاني من القرن ال19، ليمتد نفوذ أيت يزك إلى قصور أوطاط بالسفح الشمالي لجبل العياشي، وشمل أيضا قرى كير ومناطق بواحات الصحراء الشرقية؛ تحت قيادة إبراهيم وسومور اليزدكي، فوظيفة اللقاح وما يحمله من رمزية التي منحها الشيخ لأيت يزدك ضمن نخلة حلف أيت يفلمان، برزت دلالته بوضوح بعد سنوات من تجديد وأحياء الحلف؛ فقد فطن الدرقاوي، بل تنبأ بمستقبل أيت يزك في إطار اللف بصيغته الجديدة، وانطلاقا من الوضعية العامة لتاقيلالت خلال الفترة المعنية".
وأبرز أن "وجود القبيلة بالمراكز المهمة حول الطريق التجارية فاس تومبوكتو وعلى مسافة طويلة والسهر على تأمين المرور مقابل إتاوات ورسوم جمركية باللغة المعاصرة، يجعل من القبيلة الفصيل الأكثر قوة والأكثر حضورا المغرب خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخ المغرب الحديث"، مؤكدا أن "معركة تلوين 1883 كانت آخر معركة بين اللفين المتصارعين حول المجال. وبعد هذا النزال، بدا المستعمر الجاثم على الجارة الجزائر يتحرش بالواحات الشرقية، فانكمشت واضمحلت الخلافات والنزاعات المحلية والداخلية بمنطقة تافيلالت، فانطلقت التعبئة الشعبية من أجل التأهب والاستعداد لمواجهة المستعمر الغاشم، واتحد الجميع بهدف مقاومة الغزاة. وبعد تسع سنوات من المعركة، توفي الشيخ محمد العربي الدرقاوي، وانعكس الوضع الجديد سلبا على الحلف، وعمت الفوضى جموع الأطلس الكبير الشرقي بعد أن كان مجتمعا منضبطا ومؤطرا من طرف الزاوية الدرقاوية".
وأوردت المقالة أن "السلطان الحسن الأول قام بزيارة إلى المنطقة في إطار الحركات السلطانية 1894، وتوفي سنة بعدها بتادلا، ثم ازدادت الأمور تعقيدا بعد وفاة السلطان الحسن الأول، واشتدت أعمال النهب والسرقة، وانعدم الأمن في الطرق، وأمسى وضع الحلف صوريا، لم تعد بنوده تلزم الكثير من البطون القبلية، واحتدمت الصراعات الثنائية بين حلفاء الأمس حول المراعي في الحدود بين القبائل، فمن جديد التحم الحلف مؤقتا لمواجهة الاستعمار خلال معركة بوذنيب 1908، وانفضت جموع المقاومة تحت وابل من القنابل والرصاص، وكان ذلك آخر مسمار يدق في نعش حلف وتعاقد أيت يفلمان".
وزاد: "حيث اكتسح المستعمر أراضي داخل المجال الوظيفي لقبائل أيت يزذك بمقاومة طفيفة، وبعد سنوات قليلة وصل إلى الريش، وبدأ يهدد المجال الوظيفي لقبائل أيت حديدو الذي شهد أعنف المعارك بالأطلس الكبير الشرقي، وكانت معركة أيت يعقوب أولها، فالتفت خلالها بعض فصائل أيت يفلمان، فإلى جانب أيت حديدو نجد أيت مرغاد وأيت يحيى، وآخرها معركة بادو1933".
إلى ذلك، بعد استكمال عمليات التهدئة بلغة المستعمرة والقضاء على المقاومة بالجنوب الشرقي، تم تعيين قواد محليين على قبائل أيت يفلمان (عدي وبيهي ايت يزدك- رهو ونو أيت حديدو – علوبان على أيت جرهور-وعرجي على أيت مرغاد)، وتم تأسيس المحاكم العرفية بمراكز ضباط الشؤون الأهلية للفصل في القضايا المعروضة على أعيان القبائل يسمون أيت المجلس الذين يتداولون في القضايا حسب العرفي المحلي، إذا لم يستطيع المجلس الحسم والبث في القضية تعرض على محكمة الاستئناف بمركز "ولغازي بإميلشيل"، وفقاً للوثيقة التاريخية.
وأوضح الراضي أن "قبائل أيت يفلمان خضعت للمستعمر الفرنسي مدة وجيزة، خاصة بالقسم الجبلي، إذ لم يمكث فيه الاحتلال إلا ربع قرن من الزمن تقريبا، ونال المغرب الاستقلال الشكلي 1956، وتم تعيين عدي وبيهي عاملا على تافيلالت، وانتعشت القبائل المنضوية تحت لواء الحلف مدة وجيزة، لكن بعد عصيان هذا الأخير تم تعيين محمد بن العربي العلوي بديلا عنه. ونظرا لتغيير الأنشطة الاقتصادية للساكنة، حيث لم تعد الفلاحة النشاط الوحيد الممارس بالمنطقة؛ استقطبت المدن الكثير من الساكنة القروية، واختل التوازن بين المدينة والبادية، فظهرت مدن محل مراكز قروية بمنطقة أيت يفلمان مثل الرشيدية والريش وكولميمة وميدلت ببناء الإدارات العمومية من الجماعات المحلية والمستشفيات والمدارس".
وشدد على أن "الأطر العاملة بكل هذه المؤسسات قدمت من المدن والقرى من خارج المنطقة، وبدأت تتشكل مجتمعات متجانسة بقبائل مختلفة، وأيت يفلمان اختزل بعد كل هذه التحولات الطارئة على بنية المجتمع المغربي بعد الحماية الفرنسية في مجال شاسع يشمل الأطلس الكبير الشرقي ثم واحات غريس وزيز، واختفى التحديد العرقي والقبلي ليصبح المعيار الجغرافي هو المحدد الفعلي في تعريف اسم أيت يفلمان".
واستطرد: "بعد جفاف 1980-1981م، نفقت الكثير من رؤوس الماشية للرحال، وأنصاف من أيت يفلمان، واستقر الكثير منهم بهوامش المدن الرئيسية بالمنطقة، خاصة مدينة الريش التي أصبحت خلال العقود الأخيرة عاصمة أيت يفلمان بدون منافس. ومن المطالب المستعجلة التي لا تقبل التأجيل ضرورة جعل المدينة إقليما على غرار ميدلت وتنغير، إذ على كل الفعاليات بالريش الاهتمام بهذا المطلب الملح، مع الانكباب على إنجاز البنيات التحتية، خاصة الطرق لفك العزلة على مجموعة الدواوير البعيدة بين شعاب الجبال لربطها بالريش المدينة التي تمارس سلطتها ونفوذها الاقتصادي على المجال الجغرافي المعروف بأيت يفلمان".
ومضى قائلا: "فلا وجود للمدينة بدون محيطها من القصور الممتدة على مسافات طويلة 150 كيلومترا نحو إميلشيل، 60 كيلومترا في اتجاه أفراسكو آخر قصر على واد أيت يعقوب، 50 كيلومترا نحو زاوية سيدي حمزة وتازروفت، 70 كيلومترا تسراولين آخر قصر على واد بنرات، 90 كيلومترا نحو أسول، 50 كيلومترا في اتجاه كرامة والقرى المجاورة لها.. فكل هذه المعطيات البسيطة تبين أن مدينة الريش سوف تنمو وتزدهر اقتصاديا، ولن يتحقق ذلك إلا بتنمية المجال الجغرافي لأيت يفلمان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.