موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مآل عقود الشغل بعد تجاوز أزمة كورونا
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2020

تسارع البشرية في كل أرجاء المعمور وباء فتاكا قلب موازين الحياة الطبيعية وحير علماء الطب والأوبئة، ولم يوجد له إلى غاية كتابة هذه الأسطر أي دواء أو لقاح يحد منه، ليبقى السبيل الوحيد لمواجهة تفشيه وسرعة انتشاره هو الالتزام بقواعد الحجر الصحي المعلنة من قبل السلطات الحكومية لكل بلد.
وقد أفادت صحيفة Foreign Affairs بأن الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وبأن الانكماش سيكون مفاجئا وحادا بسبب تفشي فيروس كوفيد 19، متوقعة أن تكون الآثار كبيرة لعقود قادمة.
وقد أقدمت بلادنا على اتخاذ عدة تدابير احترازية لمواجهة تفشي هذا الوباء، بل إن الجميع اعترف بالخطوات الرائدة التي اتخذتها تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، ولعل أهمها إعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم عدد 2.20.293 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020. وتم إحداث صندوق خاص بتدبير هذه الجائحة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، ولجنة اليقظة الاقتصادية من أجل تتبع وتقييم وضعية الاقتصاد الوطني ودراسة التدابير التي يتعين اتخاذها بهدف التخفيف من حدة الأزمة، كما تلتها قرارات وزارية بتحديد القطاعات التي لا يعتبر المشغل فيها في وضعية صعبة جراء تفشي كورونا. ومن هذه القرارات تلك المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 6878 بتاريخ سادس رمضان 1441 الموافق ل 30 أبريل 2020.
ومما لا شك فيه أن هذه التدابير الاحترازية ستؤدي إلى انكماش كبير على مستوى المعاملات التجارية الخارجية والداخلية الوطنية، وستخلق أزمة اقتصادية سترخي بظلالها على المقاولات خاصة الصغيرة والمتوسطة، ما سيؤثر سلبا على سوق الشغل من جراء الإغلاق المفاجئ والاضطراري لمجموعة من القطاعات، سيليه حتما تسريح اليد العاملة وإنهاء عقود الشغل، الأمر الذي سيطرح عدة إشكالات قانونية لما بعد تجاوز جائحة كوفيد وتأثيرها على استقرار علاقات الشغل. لذلك سنحاول التطرق إلى بعض الإشكالات الخاصة لمآل عقود الشغل بعد رفع حالة الطوارئ وإعادة فتح المقاولات (المحور الأول)، ثم نعرج بعد ذلك على تكييف الأثر الناتج عن إنهاء عقود الشغل بسبب أزمة كورونا (المحور الثاني).
المحور الأول: مآل عقود الشغل بين توقف المقاولة ومغادرة الأجير
أدت جائحة كورونا إلى إغلاق بعض المقاولات في حين تم السماح لمقاولات أخرى بالاستمرار في ممارسة أنشطتها، ما يجعل الحكم على أثر هذه الجائحة على إنهاء عقود الشغل مختلفا من مقاولة مسموح لها بالاستمرار في العمل وأخرى ملزمة بالإغلاق، ما يعني أن إنهاء عقود الشغل بعد تجاوز هذه الجائحة لن يخرج على سببين اثنين؛ إما توقف عقد الشغل مؤقتا نتيجة الإغلاق (أولا) وإما مغادرة الأجير لعمله خوفا من الإصابة بهذا الفيروس اللعين (ثانيا).
أولا توقف عقود الشغل الناتج عن الإغلاق المؤقت المقاولة
إذا كان للدائن في القواعد العامة أن يتمسك بعدم تنفيذ العقد للانسلاخ من التزاماته التعاقدية في حالة امتناع المدين عن تنفيذ ما بذمته من التزامات طبقا للفصل 235 من قانون الالتزامات والعقود، فإن هذه القاعدة ليست مطلقة في عقد الشغل لما له من خصوصيات على مستوى إنجاز العمل وأداء الأجر كمحل لعقد الشغل، إذ يبقى التوقف عن تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين طرفي عقد لشغل لمدة مؤقتة قد تطول وقد تقصر حسب سبب التوقف، وقد أحسن المشرع المغربي فعلا عندما بادر إلى تحديد حالات توقف عقد الشغل في المادة 32 من مدونة الشغل، وهي حالات منها ما يعزى إلى الحالة الصحية للأجير، كالمرض مهنيا كان أو غير مهني أو تعرضه لحادثة شغل أو خلال فترة الولادة بالنسبة للأجيرة الحامل، حيث يتوقف سريان عقد الشغل بسبعة أسابيع قبل التاريخ المتوقع للوضع المثبت بشهادة طبية وبسبعة أسابيع من بعد الوضع؛ بل قد تطول إلى مدة عشرين أسبوعا بثمانية أسابيع قبل الوضع وأربعة عشر أشهر أسبوعا بعد الوضع إذا ترتب عن الحمل أو النفاس مرض للأجيرة. كما يتوقف عقد الشغل بسبب مناسبات عائلية كالولادة والختان والزواج أو بوفاة أحد أصول الأجير أو أحد أبنائه أو زوجته، أو خلال فترة الإضراب المشروع، كما يتوقف خلال فترة أداء المهام التمثيلية من قبل مندوبي الأجراء في حدود خمس عشرة ساعة في الشهر. وقد يكون التوقف بسبب مهام نيابية كما هو حال الأجير البرلماني أو مستشار جماعي، ناهيك عن المشاركات الرياضية للقيام بالتداريب الرياضية بخصوص الأجراء المشاركين في أندية رياضية، أو قد يكون التوقف بسبب المناداة على الأجير للخدمة العسكرية.
ومما لا شك فيه أن جائحة كورونا ستكون لها آثار وخيمة على عقود الشغل، ما يدفعنا إلى التساؤل عن مآل عقود الشغل خلال فترة الحجر الصحي، هل ستؤدي هذه الجائحة إلى توقف عقد الشغل أم ستنهي العقد وتعفي أطراف العلاقة الشغلية من التزاماتها تجاه الطرف الآخر باعتبارها قوة قاهرة.
تجدر الإشارة بداية إلى أن المشرع المغربي ميز بين حالات توقف عقد الشغل وحددها في المادة 32 من المدونة في حين أورد في المادة 33 القوة القاهرة، والتي تخول لأطراف علاقات الشغل إنهاء العقد دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض للطرف الآخر. ونعتقد أن جائحة كورونا لا يمكن اعتبارها قوة قاهرة تخول للمقاولة إنهاء عقود الشغل وتسريح عمالها، طالما أن هذه الجائحة لن تؤدي إلى استحالة تنفيذ عقد الشغل واستمرارية المقاولة في ممارسة أنشطتها من جهة، وطالما أن السلطات الحكومية ببلادنا قد حددت في إطار التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس كوفيد 19 القطاعات المعنية بالإغلاق لمدة قد تطول أو تقصر، أملا أن تعود إلى ممارسة نشاطها بشكل عاد بعد الانتصار على الفيروس اللعين، من جهة أخرى؛ وهو ما أكدته عليه المادة الثالثة من القانون رقم 25.20 من أنه " تعتبر الفترة المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه، ( أي الفترة الممتدة من 15 ماري إلى غاية 30 يونيو 2020) بالنسبة للعاملين المشار إليهم في المادة المذكورة، في حكم فترة توقف مؤقت لعقد الشغل بالنسبة للأجراء وفق أحكام المادة 32 من القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، وفترة توقف مؤقت لعقود التكوين بالنسبة للمتدربين قصد التكوين من أجل الإدماج، وتظل بالتالي العلاقة التعاقدية مع مشغليهم قائمة. وتحتسب الفترة المذكورة كمدد تأمين لتخويل الحق للأجراء المشار إليهم في الفقرة السابقة في التعويضات المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1.22.18 الصادر بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 الموافق ل 22 يوليوز 1922 المتعلق بالضمان الاجتماعي وفي القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، وتحول هذه المدد إلى أيام باعتبار الشهر ستة وعشرين يوما.
ما يعني أن المقاولات غير المعنية بالإغلاق لا يمكن اعتبار فيروس جائحة كورونا بخصوصها قوة قاهرة، وبالتالي أي فصل للأجير ناتج عن ذلك سيعتبر فصلا تعسفيا كما سنبين ذلك في المحور الثاني.
أما بالنسبة للمقاولات التي تم توقيف أنشطتها بسبب القرارات الحكومية كتلك المتعلقة بالمقاهي وقاعات الألعاب الرياضية والحلاقة ودور السينما وأنشطة النقل العمومي وغيرها، فتعتبر تلك القرارات قوة قاهرة (بفعل الأمير) لكنها لا يمكن أن ترتب إنهاء علاقات الشغل وفسخ عقود الشغل، وإنما يتوقف عقد الشغل خلال فترة الإغلاق المحددة بموجب قرار المنع على أن يستأنف العمل ويعود الأجير إلى عمله بعد رفع الحجر والمنع المفروض على هذه الأنشطة وتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي.
وإذا كانت تلك المقاولات غير المشمولة بوقف أنشطتها مجبرة على الاستمرار في ممارسة أنشطتها، إلا أنه قد تظهر بعض حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 في محيطها، كإصابة أحد الأجراء فتكون المقاولة ملزمة بإيقاف العقد مع الأجير المصاب أو المكتشف من حالات المختلطين، ويتوقف العقد مؤقتا إلى حين تماثل الأجير للشفاء أو انتهاء مدة الحجر الصحي المحدد من قبل وزارة الصحة، على أن يعود إلى عمله بعدما يتبين خلوه من الفيروس أو بشفائه وأن تتخذ المقاولة كل تدابير حفظ الصحة والسلامة. ويمكن للمقاولة تجنبا لمخاطر تفشي فيروس كورونا داخل محيطها التعجيل باستفادة الأجراء من عطلتهم السنوية المؤدى عنها بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثل النقابي عند وجودهم وحصول توافق على ذلك.
ثانيا: المغادرة بسبب جائحة كوفيد 19.
إن واقعة المغادرة التلقائية غالبا ما تثار كدفع من قبل المشغل ويتمسك بها متى تغيب الأجير عن عمله بدون مبرر أو خارج الحالات المحددة قانونا، والتي تمكن الأجير من التغيب لمدد محددة تختلف من حالة لأخرى. ويقع على المشغل إثبات واقعة المغادرة التلقائية للأجير طبقا للمادة 63 من مدونة الشغل، وهي واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة وسائل الإثبات لتبقى شهادة الشهود والإنذار بالرجوع إلى العمل هما الوسيلتان الأكثر اعتماد في الإثبات لبساطتها.
ومما لا شك فيه أنه ستكون لجائحة كورونا آثار سلبية على علاقات الشغل الفردية، سواء خلال فترة الحجر الصحي أو بعد رفعه، إذ قد تؤدي لا محالة إلى توقيف عقود الشغل أو إنهائها، وما سيترتب عنه من فصل وتسريح لعدد من الأجراء؛ كما قد تكون سببا لمغادرتهم أو فرصة للمقاولة للتخلص من الأجراء غير المرغوب فيهم، وهي صور من الفصل عن العمل تفرزها الجائحة بعد انتهائها، وستكون للقضاء كلمة للحسم في تكييف صور إنهاء عقود الشغل الناتجة عنها وإعطائها الوصف القانوني وترتيب الأثر القانوني عنها حماية لأطراف العلاقة الشغل.
إن مغادرة الأجير لعمله بخصوص المقاولات التي لم تشملها القرارات السلطة الحكومية بالإغلاق خوفا من إصابته بفيورس كوفيد 19 سيكون في حكم المغادر تلقائيا لعمله، ويحق لمشغله الاستغناء عنه ولا يمكن له بعد رفع الحجر الصحي التمسك بالفصل التعسفي طالما قد اختار مغادرة عمله طوعا وفي وقت تكون المقاولة في حاجة ماسة لأجرائها لتجاوز الآثار السلبية للجائحة. ويكفي للمشغل في هذه الحالة إثبات مغادرة الأجير لعمله خلال فترة الحجر الصحي رغم استمرار المقاولة في ممارسة أنشطتها بواسطة شهادة الشهود دون حاجة إلى توجيه إنذار للرجوع إلى العمل، طالما أنه قد يتعذر عليها ذلك بسبب ما تعرفه المحاكم ومساعدي العدالة من التزام بالحجر، ماعدا تلك القضايا الاستعجالية والقضايا الجنحية التلبسية. وقد أكدت لجنة اليقظة الاقتصادية على الحرمان من الأجر بالنسبة للأجير الذي يغادر عمله دون أن تكون المقاولة متوقفة كليا أو جزئيا عن العمل. أما في حالة مبادرة المقاولة خوفا من تفشي فيروس كورونا داخل محيطها إلى الإغلاق دون أن يشملها قرار السلطة الحكومية فإنها تظل مسؤولة عن هذا الإغلاق ويحق للأجير تقاضي أجرته طيلة مدة الإغلاق طالما أنه يظل مستعدا لأداء عمله ويضع نفسه رهن إشارة مشغله، وهو الموقف الذي نص عليه المشرع المصري في المادة 41 من قانون العمل، حيث نصت على أنه: "إذا حضر العامل إلى مقر عمله في الوقت المحدد، وكان مستعدا لمباشرة عمله وحالت دون ذلك أسباب ترجع إلى صاحب العمل، اعتبر كأنه أدى العمل فعلا واستحق أجره كاملا، أما إذا حضر وحالت بينه وبين مباشرة عمله أسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل استحق نصف الأجر".
ويترتب عن إغلاق المقاولة وتسريح العمال من تلقاء نفسها فصلا تعسفيا إلا إذا اختارت المقاولة الاستمرار في صرف أجور العمال رغم توقفها عن العمل. ويبقى طرح هذا الاحتمال بعيدا إن لم يكن مستحيلا، وهو ما سيولد خلافات بين المقاولات وعمالها بعد انتهاء فترة الحجر وحالة الطوارئ ورفع القيود عن الممارسة الاعتيادية لكل الأنشطة.
وقد تكون مغادرة الأجير لعمله اضطرارية بسبب تفشي مرض كورونا داخل المقاولة. وفي هذه الحالة ستكون المقاولة ملزمة باتباع واتخاذ التدابير الاحترازية المعلن عنها من قبل وزارة الصحة، ويتعين عليها إغلاق المقاولة، ويكون إغلاقها مشروعا ولا يحتاج إلى إذن عامل العمالة أو الإقليم، ويتعين عليها التصريح بأجرائها المتوقفين عن العمل للاستفادة من الدعم المخصص لهذه الفئة، والمحدد في مبلغ 2000 درهم يصرف من قبل الصندوق المحدث لمواجهة تدابير كورونا من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن الفترة الممتدة من 15 مارس إلى غاية متم شهر يونيو 2020.
هذا كل ما يتعلق ببعض التصورات لمآل عقد الشغل بعد تجاوز جائحة كورونا ومحاولة تكييفه بين حالات التوقف وحالات المغادرة، فماذا عن أثر الجائحة عن إنهائه. هذا ما سنحاول التطرق إليه في الفرع الثاني:
المحور الثاني: أثر انتهاء عقد الشغل بين إغلاق المقاولة وفصل الأجراء
مما لا شك فيه أنه ستكون لجائحة كورونا آثار وخيمة ليس فقط على مستوى المنظومة الصحية فحسب، بل ستتعداه لأكثر من ذلك لتصيب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وما ستخلفه من ركود اقتصادي واجتماعي، وستؤدي حتما إلى نشوب نزاعات اجتماعية بين الطبقة الشغيلة وأرباب العمل، وهو نزاع سيعرض على المحاكم بدون شك، الأمر الذي يفرض على القضاة المكلفين بالبت في هذه القضايا الإلمام بكل هذه الظروف والآثار السلبية لهذه الجائحة على عقود الشغل وعلى المقاولة أيضا حتى تتسنى لهم المساهمة في التخفيف من تداعياتها؛ وذلك من خلال إعطاء التكييف القانوني الصحيح وترتيب الأثر القانوني على ذلك صونا للحقوق.
إن إنهاء عقد الشغل بسبب مرض كورونا المستجد لن يخرج عن سببين أساسيين، الأول قد يكون إغلاق المقاولة (أولا) والثاني محدد في فصل تعسفي غير مبرر تكون كورونا ذريعة من ورائه (ثانيا).
أولا- أثر الفصل الناتج عن إغلاق المقاولة:
حدد المشرع المغربي حالات إغلاق المقاولة وجعلها لأسباب منها ما يرجع لعوامل تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو لأسباب اقتصادية، كما حدد المسطرة الواجب على المقاولة سلوكها قبل الإقدام على تسريح الأجراء وحثها على استشارة مندوب الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم وتمكينهم من كل المعطيات والمعلومات الضرورية المتعلقة بموضوع الإغلاق؛ وذلك وفق ما تنص عليه المادة 66 من مدونة الشغل.
وإذا كان الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية متاح للمقاولة بخصوص الأجراء غير القادرين على مواكبة التقنيات والوسائل التكنولوجية الجديدة التي أدخلتها المقاولة على نمط أداء نشاطها، وكذا التقنيات الحديثة المدخلة على طريقة ممارسة الأنشطة، فإن الفصل لأسباب اقتصادية يتعلق بالصعوبات المالية والاقتصادية التي تمر منها المقاولة، والمرتبطة عموما بالسوق والتسويق والعرض والطلب وتأثيرهم على مردودية المقاولة. ويترتب عن مرور المقاولة بهذه الصعوبات إغلاقها وتسريح الأجراء، وقد يكون الإغلاق كليا (فصل جماعي للأجراء) أو إغلاق جزئي حيث ينحصر الفصل على عدد معين من الأجراء، في حين يبقى أثر الفصل بالنسبة للأجراء يختلف حسب ما إذا كانت المقاولة قد احترمت الإجراءات المسطرية الواردة في المادة 66 من المدونة حيث يستحق الأجراء تعويضا عن هذا الفصل يشمل التعويض عن الأخطار والتعويض عن الفصل طبقا للمادة 51 و52 من المدونة. أما في حالة عدم احترام المقاولة لمسطرة الإغلاق فإن الأجير يستفيد بالإضافة إلى التعويضات المذكورة أعلاه من التعويض عن الضرر. وإذا كانت الأسباب الاقتصادية والهيكلية والتكنولوجية تخول للمقاولة الإغلاق وتسريح العمال فهل ينهض مرض كورونا وتداعياته سببا آخر يمكن للمقاولة بسببه اللجوء إلى مسطرة الإغلاق؟.
تجدر الإشارة أولا إلى أن كورونا مرض ناتج عن فيروس كوفيد 19 لا علاقة له بالمحيط الداخلي للمقاولة ولا يسببه الاحتكاك والممارسة اليومية لأنشطة معينة، ما يعني أنه لا يمكن إدخاله في زمرة الأمراض المهنية حتى وإن تم نقل العدوى إلى الأجراء داخل المقاولة، طالما أن جميع الأبحاث العلمية لم تثبت أي علاقة بين هذا الفيروس وأنشطة معينة، في حين تظل حالة اعتباره حادثة شغل واردة في الحالة التي يقوم فيها أجير مصاب بنقل العدوى إلى رفاقه داخل المقاولة، ففي هذه الحالة تظل شروط حادثة شغل متوفرة طالما أن الإصابة وقعت للأجير أثناء العمل وبمناسبته، طبقا للمادة الثالثة من القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل التي تعتبر حادثة شغل كل حادثة، كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر، للمستفيد من أحكام هذا القانون، سواء كان أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين، وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به، ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها، إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة. ويقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز جزئي أو كلي، مؤقت أو دائم، للمستفيد من أحكامه. وما داما أن المشرع اعتبر الحادثة التي يتعرض لها الأجير في الطريق بين منزله ومقر عمله حادثة شغل فكان بالأحرى أن تعتبر المرض الذي يصيب الأجير داخل المقاولة بعدوى من أحد رفاقه المصابين حادثة شغل.
إلا أنه بالمقابل يمكن إدخال مرض كوفيد 19 في زمرة الأسباب الاقتصادية لما له من تداعيات اقتصادية وخيمة على المقاولات، خاصة تلك المرتبطة أنشطتها بالتصدير والاستيراد بفعل إغلاق الحدود، نفس الشيء بالنسبة للمقاولات التي شملتها قرارات السلطة الحكومية بالإغلاق، فهذه المقاولات تكون مضطرة إلى الإغلاق وتسريح عمالها مؤقتا، طالما أن فترة الحجر وإغلاق الحدود والمنع بفعل السلطة (بفعل الأمير كما يقال) هو أمر مؤقت، وبالتالي سيكون تسريح الأجراء خلال هذه الفترة تسريحا مؤقتا. وقد بادرت السلطة الحكومة بتخصيص مبلغ 2000.00 درهم لكل أجير منخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يؤدى من الدعم المخصص لمواجهة جائحة كرونا من الصندوق الخاص المحدث بتعليمات ملكية، ما يعني أنه بعد رفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ على بلادنا ستعود الأمور إلى طبيعتها، ولا يمكن منع الأجراء من استئناف عملهم بذريعة أن تسريحهم خلال فترة الحجر الصحي كان قانونيا؛ بل وقد يبادر بعض المشغلين إلى مباشرة مسطرة الفصل التأديبي واستدعاء الأجير المتوقف عن العمل للاستماع إليه، على أن تغيبه عن العمل تجاوز المدة المسموح بها ويعتبر خطأ جسيما يؤدي إلى الفصل عن الشغل.
أما بالنسبة للمقاولات التي لم تشملها القرارات الحكومية بالإغلاق فإنها تبقى ملزمة بالاستمرار في مزاولة نشاطها واستقبال أجرائها، ولا يمكن تسريحهم كليا أو جزئيا، مع العلم أنه يمكن لهذه المقاولات التخفيض من ساعات العمل والاشتغال عن بعد وفي منازلهم، وهذا العمل الأخير منظم في المادة الثامنة من مدونة الشغل.
ثانيا- الفصل عن العمل بسبب كورونا
قد يلجأ المشغل إلى فصل الأجير أو عدة أجراء لسبب أو لعدة أسباب، وقد يكون الفصل مشروعا في حالة ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم، وتم احترام مسطرة الفصل المنصوص عليها في المواد 62 و63 و64 من مدونة الشغل. ويبقى هذا الفصل في جميع الأحوال خاضعا لرقابة القضاء، سواء من حيث جسامة الخطأ الموجب للفصل أو من حيث سلامة مسطرة الفصل، وذلك للحد والتصدي لأي تعسف من قبل أطراف العلاقة الشغلية في إنهاء العقد.
والأكيد أن تأثيرات مرض كورونا على عقد الشغل وأطرافه ستمتد إلى ما بعد كورونا بعد الإعلان عن السيطرة عنها، ومن تأثيراتها لجوء بعض المقاولات إلى إنهاء عقود الشغل وفصل الأجراء بسبب التدابير الاحترازية التي تكون قد اتخذتها خلال فترة تفشي الفيروس، وهو ما سيؤدي إلى نزاعات عمالية داخل المقاولة قد تنتهي بالفصل عن العمل لعدة أجراء، وهو ما يستوجب إعطاء تكييف قانوني لهذا الفصل، وذلك عن طريق تحديد الحالات التي يعتبر الفصل بسبب التدابير الاحترازية فصلا مشروعا تم الحالات التي يعتبر فيها فصلا تعسفيا يستحق عنه الأجير التعويض.
من بين التدابير الاستثنائية التي قد تتخذها المقاولة لمواجهة جائحة كورونا اتخاذ المشغل قرار تجاوز مدة الشغل العادية وتمديد مدة الشغل العادية، وهو ما يحتم على الأجير الامتثال لمثل هذه القرارات، طالما أنها لم تتجاوز الحد القانون المسموح به مقابل استفادته من أجرة تعادل الأجرة المؤدى عن مدة الشغل العادية، ما يعني أن إنهاء عقد بسبب هذه التدابير لا يعتبر فصلا تعسفيا. كما قد تلجأ المقاولة إلى استدراك ساعات الشغل الضائعة بعد استشارة مندوب الأجراء والممثلين النقابيين في حالة وجودهم شريطة عدم تجاوز مدة الاستدراك المدة القانونية المحددة في المادة 189 من مدونة الشغل. الأمر نفسه بخصوص التقليص من ساعات العمل متى الاتفاق مع مندوب الأجراء والممثل النقابي، على ألا يتجاوز التقليص من ساعات العمل تجاوز الحد القانوني المسموح به ودون المساس بالحد القانوني للأجر؛ على أن يؤدى هذا الأخير عن مدة الشغل الفعلية وألا يقل في جميع الحالات عن 50% من الأجر العادي. هذا يعني أن كل التدابير المتعلقة بمدة العمل والأجر محددة قانونا، وبالتالي لا يجب استغلال جائحة كورونا لتجاوز الحد المسموح به، سواء بخصوص مدة العمل أو استدراك أوقات العمل الضائعة أو توقيف الأجرة والمس بأجرتهم بالنسبة لأجراء المقاولات التي لم يشملها قرار الإغلاق. كما أنه للمشغل بخصوص بعض المقاولات التي عرفت بسبب كورونا ازديادا غير عاد في أنشطتها كتلك المقاولات المصنعة للكمامات والمواد المعقمة من حقها أن تفرض على أجرائها الاشتغال أيام الراحة الأسبوعية، كما يمكنها أن تفرض عطلا سنوية سابقة على أوانها بعد الاتفاق مع مندوب الأجراء والممثل النقابي في حالة وجوده، شريطة حصول الأجير على تعويض يساوي ما كان سيتقاضاه لو بقي في عمله، على أنه يعتبر أي إنهاء لعقد الشغل بسبب تجاوز هذه التدابير أيا كانت دوافعه فصلا تعسفيا يستحق عنه التعويض.
هذه إذن بعض التدابير الاستثنائية التي يمكن للمقاولة اتخاذها لمواجهة تداعيات مرض كورونا، والتي يترتب عن عدم احترام شروطها الموضوعية والمسطرية فصلا تعسفيا مهما كانت الأزمة الداعية إلى اتخاذها.
خلاصة القول إن هذه الآراء ستكون محل نقاش واسع وستثير كثيرا من الجدل الفقهي في وسط المهتمين والباحثين والممارسين لقضايا نزاعات الشغل، وستنتج اتجاهات مختلفة، ما سيثقل كاهل القضاء المطالب بتوحيد الاتجاه والتطبيق السليم للنص القانوني، ولن يتأتى له ذلك إلا من خلال القراءة المتأنية لواقع النزاعات الناتجة عن جائحة كورونا والدراسة القبلية للملفات المعروضة عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.