تضمنت نشرة منظمة الصحة العالمية لشهر أبريل 2020 بحثاً علمياً لفريق بحث مغربي بلجيكي حول "نمذجة" قدرة نظام الرعاية الصحية المغربي في سياق جائحة فيروس كورونا من أجل التنبؤ بمجموع الإصابات المحتملة جراء الإصابة به. وجرى إعداد هذه الدراسة من طرف أساتذة باحثين ضمن مُختبر الهندسة الإحيائية بكلية العلوم والتقنيات التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، بشراكة مع مركز التقنيات الجزيئية التطبيقي (CTMA) بمعهد البحوث التجريبية والسريرية بجامعة لوفان الكاثوليكية في العاصمة البلجيكية بروكسل. وجاء نشر هذا البحث العلمي بتوصية من لجنة الطوارئ المفتوحة المعنية بتفشي فيروس كورونا المستجد، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ضمن نشرتها الشهرية التي تضمنت عدداً من الدراسات والأبحاث العلمية من مختلف دول العالم بهدف مشاركة التجارب بين الحكومات. ويحمل البحث عنوان: "نمذجة قدرة نظام الرعاية الصحية المغربي على مسايرة انتشار جائحة كوفيد-19"، ويهدف إلى التنبؤ بعدد مجموع الإصابات المحتملة جراء الإصابة بالفيروس، أي الحالات التي يتم التأكد منها من خلال التشخيص المخبري والحالات المفترضة التي لا تظهر عليها أعراض الإصابة. وقد أوضح فريق البحث أن هذه الدراسة التحليلية مكنت من تحديد النموذج الرياضي "التوقعي" للحالة الوبائية في المغرب، الذي جاء بشكل شبه متطابق مع النموذج "الواقعي" لانتشار الفيروس التاجي في الصين. وبحسب الفريق المشرف على الدراسة، تبين أن هذا النموذج الرياضي هو مزيج بين "نموذج النمو الأسي" الذي يتوقع عدد الإصابات بشكل أسي وفقاً لمعدل نمو ثابت (معدل الإصابات)، و"نموذج النمو اللوجستي" الذي يمثل في هذا السياق عدد الإصابات التراكمي الذي من خلاله يتم تسطيح منحنى الدالة اللوجستية. وقد مكن القيام بمحاكاة "نموذج النمو الأسي"، في ظل سيناريو عدم احترام الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، على الساكنة المغربية من تحديد معدل الإصابات في حدود (0.04±0.204) كقيمة متوسطة خلال 12 يوماً الأولى منذ بدء انتشار الوباء. وبحسب الدراسة، فقد ثم تحديد معامل الاستقرار "K K" في حدود 10.000 حالة إصابة محتملة، تمثل نسبة 15 في المائة منه (1500) الطاقة الاستيعابية بشكل تقريبي لنظام الرعاية الصحية المغربي المعلن عنه من طرف وزارة الصحة في بداية انتشار الوباء (1640 سريرا خاصا بالعناية المركزة). وخلصت الدراسة إلى أن نظام الرعاية الصحية المغربي كان سيصل إلى 27 و50 و76 و90 في المائة من التشبع (saturation) في 11 و16 و23 أبريل و4 ماي 2020 على التوالي، وذلك في ظل سيناريو عدم احترام الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي. وبحسب الدكتور محمد مرزوقي، أستاذ الرياضيات الحيوية والإحصاء الحيوي والتسمم البيئي بكلية العلوم والتقنيات ببني ملال، المشارك في الدراسة، فإن هذا البحث يُعد الأول من نوعه على الصعيد الوطني الذي تطرق إلى النمذجة الرياضية لمحاكاة انتشار جائحة "كوفيد-19" بطريقة مبسطة. وذكر الدكتور مرزوقي، في حديث لهسبريس، أن هذا البحث يُسهل على المسؤولين وصناع القرار في الميدان الصحي على الصعيدين الوطني والدولي الاستعانة به من أجل اتخاذ القرارات المناسبة وبشكل استباقي. وأكدت الدراسة فعالية ونجاعة التدابير الاستباقية التي قامت بها السلطات المغربية من أجل التخفيف والحد من انتشار هذا الوباء، إذ أشارت إلى أن عدد الحالات المعلن عنها إلى حدود 11 ماي 2020 هو 6281 حالة عوض 9949 حالة كان من المحتمل تسجيلها في التاريخ نفسه حسب النموذج الرياضي لهذه الدراسة. وأوردت خلاصات الدراسة العلمية أن المغرب تفادى ما يُعادل نسبة 36 في المائة من حالات الإصابة، الشيء الذي كان سيشكل نوعاً من الضغط على نظام الرعاية الصحية بالمغرب، مثلما عرفته بعض الدول في أوروبا. وشدد الأساتذة الباحثون الذين قاموا بهذه الدراسة على ضرورة التقيد بجميع التدابير الوقائية المنصوص عليها من طرف وزارة الصحة، كما دعوا إلى الاستمرار في إجبارية قرار ارتداء الكمامات الواقية المتخذ منذ 7 أبريل 2020. جدير بالذكر أن فريق البحث ضم إلى جانب مرزوقي، الدكتور المصطفى بنطهير، دكتور باحث بمركز التقنيات الجزيئية التطبيقي (CTMA) بمعهد البحوث التجريبية والسريرية التابع للجامعة الكاثوليكية في لوفان ببروكسل أخصائي في البيولوجيا الجزيئية لدى مختبرات وزارة الدفاع البلجيكية. وتشكل الفريق أيضاً من البروفسور محمد نجيمي، أستاذ التعليم العالي في علم الوظائف الإنسانية وعلوم الدماغ مدير مختبر الهندسة الإحيائية بكلية العلوم والتقنيات ببني ملال، والبروفسور فتيحة الشيكر، أستاذة التعليم العالي في علوم الدماغ بالكلية نفسها. كما يُوجد ضمن الفريق البروفسور جون لوك كالا (Jean-Luc Gala)، مدير مركز التقنيات الجزيئية التطبيقية بالجامعة الكاثوليكية في لوفان أخصائي في الأمراض الوبائية لدى مختبرات وزارة الدفاع البلجيكية.