يجدر بنا أن نعرف أنّ هوارة هي مسقط رأس المؤلف، الأستاذ عبد اللطيف شمس الدين، كما أن مترجم هذا العمل الأستاذ أحمد الشايب ابن المنطقة أيضاً، مما يعطي لهذا الكتاب "هوارة حبيبتي"، ولهذه الترجمة العربية له، قيمة مزدوجة، قيمة علمية ومعرفية مهمّة بحكم تجربة الأستاذين في البحث العلمي وفي مجال الكتابة، والدافع الشخصي للكتابة والترجمة. وبتفحّص النسختين الفرنسية والعربية، نلاحظ أنّ هناك إضافة نوعية إلى النسخة العربية وهي الحوار بين هوارة و الراوي. الحوار بكامله لم يكن ضمن النسخة الفرنسية، بل أضافه المؤلف مباشرة بالعربية إلى النسخة العربية، بالتالي فإن المترجم الأستاذ أحمد شايب غير مسؤول عن هذا الحوار لأنه لم يترجمه. يكرّم الأستاذ عبد اللطيف شمس الدين في كتابه "هوارة حبيبتي" بلدة هوارة، ويدعو إلى الحفاظ على ذاكرة ومراكز تاريخية لهذه المنطقة وإنقاذ ما تبقى منها. وهذا المؤلف المغربي يعلي من شأن الذاكرة الجمعية الشفاهية في كتابة التاريخ المحلي، كما يبرز أهمية الاعتماد على تمثلات الأهالي وذكرياتهم ويومياتهم وشهاداتهم عن حقبة معينة، هي حقبة السبعينيات وحقبة تولي الباشا بوشعيب الزموري منصب قائد على المنطقة. وكان المؤلِّف قد أهدى هذا الكتاب إلى المغرب الوطن، وذاكرة المختار السوسي، وسوس، والهواريات والهواريين، وكل من يغار على قريته ووطنه. ويولي الكاتب علاقته بالصرخة الوطنية التي أطلقها المختار السوسي اهتماماً أكبر بغاية تخليد الذاكرة الجمعية للقرى والمدن والجهات كتابة وبأشكال فنية أخرى، ومن ثم تخليد الذاكرة المغربية المعتدى عليها من قبل التطور العالمي الحتمي. (ص. 14). يذكر المؤلف أنّ هوارة تسمى إدارياً أولاد تايمة، وهي مدينة تقع بين تارودانتوأكادير، وتقدر ساكنة هوارة عقب الاستقلال وحسب إحصاء سنة 1960 بحوالي ألفي نسمة بما فيها القبائل المجاورة، مع العلم أن هوارة المدينة هي مركز الناحية. وقد حلت الآن أولاد تايمةالمدينة مكان هوارة البلدة الصغيرة، حيث بلغ سكانها 68098 حسب تقدير السلطات المحلية سنة 2004، ومما لا شك فيه أن هذا الرقم سيقفز بشكل كبير في الإحصاء العام للسكن والسكنى لعام 2014. وكيفما كان الأمر، فإن المؤلف يثني على أيام جيله، الأيام التي أعقبت الاستقلال؛ فيؤكد أن معظم جيله، أي جيل السبعينيات، قد نشأ ضمن عائلات كبيرة وفي وسط قروي متأثر إلى حد ما بالغرب، وقد تعلم في مدرسة عمومية تقليدية وعصرية في الآن نفسه، وكانت أياما جميلة، حسب وصف الكاتب في المقدمة، فهي مرحلة سعيدة وحقبة جميلة. كما يتحسر الكاتب بأسى شديد على معالم هوارة التي اختفت وعلى القبيلة الجميلة الهادئة التي تغيّرت إلى مدينة ينعدم فيها الأمن وتنتشر فيها الجريمة، وعلى البلدة الصغيرة التي فقدت روحها بسبب زحف العمران على كل شيء جميل. ومن مثل هذه المعالم التي كانت تميز بلدة هوارة سوق الخميس بخيامه البيضاء وحيوية تجاره البسطاء: كان القلب النابض للقرية الهوارية، لكن الدكاكين التجارية الظالمة قتلته وابتلعته كما ابتُلِعت الفضاءات الطبيعة الخضراء من نخيل وأرض معشوشبة وأشجار الورد البهية التي كانت تزين ساحة البريد، وضاع مشهد الرعاة عند عودتهم من المراعي وإنشاء أول ملعب لكرة القدم في هوارة، في أرض خلاء اسمها "ضيفانضي"، ومعناها الممنوع. ولا ينسى المؤلف المؤسسة الدينية الأولى بالقرية: المسجد ومدى تأثيره على تديّن الهواريين، فيذكر التراتيل القرآنية البديعة، واللوح الخشبي والصلصال والحبر، وهذا يعني أن المسجد كان يقدم أيضا خدمة التعليم التقليدي، أي ما يسمى في هوارة بالجامع، أو في المغرب بالمسيد. بالإضافة إلى هذه الحقائق، يذكر المؤلف مواسم هوارة الكثيرة مثل موسم سيدي احماد أُ عْمَر الذي يتميز بركوب الخيل، الأحصنة العربية الأصيلة، وكذلك موسم سيدي السايح: يعني الرحالة، أي الباحث عن المعرفة. وهذا الأمر يذَكر برحالة كبير مشهور كرس حياته للبحث عن العلم والمعرفة وهو ابن بطوطة. ويتحدث المؤلف أيضا عن موسم سيدي بوموسى وموسم سيدي أحماد أوعمر، وهما يقعان بالترتيب على بعد كيلومتر أو ثلاثة عن مركز هوارة 44 أولاد تايمة. هوارة إذا قبيلة عريقة بثقافتها التي تعود إلى العصر الوثني واليهودي والمسيحي، ثم الإسلامي. ولهذا، فهي غنية بموروث ثقافي أمازيغي وعربي إسلامي، وتراث ديني جهوي غني جدا ومتنوع بين يهودي وإسلامي كما يتضح ذلك من خلال المواسم الإسلامية واليهودية والزوايا الطرقية والمدارس العتيقة. وتأكيداً على أهميّة دعم الذاكرة، وأهمية الاعتماد على الشهادات الحيّة، وبالإضافة إلى ما قدمه المؤلف من حقائق وقضايا حاولنا ذكر بعضها، حرص هذا الكتاب على تقديم شهادة حيّة لأستاذ فرنسي، هو دانييل هول، أستاذ اللغة الفرنسية المتقاعد عن تلك الحقبة المهمة في تاريخ بلاد أهل سوس، خاصّة أنها شهادة تعطينا لمحة عن وجود الأوروبيين بهوارة. وسيدرك القارئ أن صرخة الكاتب في هوارة حبيبتي تناسب ما عرفه الأستاذ الفرنسي دانييل عن تلك البلدة، وهي الصرخة التي وصفها بأنها جاءت بأسلوب المغالاة المشرقية والمبالغة في وصف المحبوبة. ويؤكد دانييل هول أنه قضى حوالي ست سنوات رائعة بهوارة، بأولاد تايمة كما كان يسميها الأوروبيون، وقبل أن تسمى 44. ويلي هذا حديث الشاهد الفرنسي عن تاريخ إعدادية الحسن الثاني التي كان مدرِّسا فيها، ويعلق على هذه التجربة بأنها كانت مفيدة ورائعة؛ لكنه يشير إلى أنّ الشركي وحرارته الخانقة، والأيام القليلة الماطرة كانت تفسد عليه بعض تلك البهجة. ويتمثل تذكر هذه الإعدادية في استرجاع مشهد البنايات الوردية المتناثرة تحت ظل أشجار "الأوكاليبتوس". ويستشهد دانييل هول على جمالية تك الحقبة بالمثال التالي: هذه التجربة المهنية في إعدادية الحسن الثاني في هوارة جعلته ينفتح على وسط إسلامي متسامح أفاده كثيرا فيما بعد مع التلاميذ من أصل مغاربي في فرنسا. ويتذكر الأستاذ الفرنسي أشجار البرتقال من صنف "نافيل"، وجبال الأطلس المتوجة بالثلوج، ونخيل "أورتيفال"، والنزهات مع الزملاء على ضفاف وادي سوس وتحت ظلال نبتة "البوكانفيلي"، ومباريات كرة الطائرة التي كانت تقام بعد انتهاء الدروس بين مزيج من الزملاء الفرنسيين والمغاربة. (ص. 28.)، وينقل إلينا هذا الشاهد الغربي طبيعة حياة الأوروبيين في هوارة فيقول: "كانت أولاد تايمة في سنوات السبعين بلدة تجولها بسرعة، غير أننا نجد فيها كل ما يؤمِّن احتياجاتنا اليومية من مواد تجارية. فالأساتذة المتعاونون والمزارعون الفرنسيون المالكون للضيعات الفلاحية أو المسيّرون لضيعات الملك كانوا يشكلون طائفة كبيرة بما فيه الكفاية، الشيء الذي حذا بالبعثة الثقافية للسفارة الفرنسية إلى فتح مدرسة من فصلين بدروس متعددة ومعلمين، الأمر الذي سمح بالحفاظ على نوع من الاستقرار داخل طاقم الأساتذة المتعاونين الذين يشتغلون في إعدادية الحسن الثاني". (ص. 29). والحقيقة أنّ المتعاونين الأوروبيين لم يكونوا منعزلين عن الهواريين في حياتهم اليومية، فالمؤلّف الأستاذ عبد اللطيف شمس الدين ينقل إلينا بعد ذلك أن بعض المتعاونين الأجانب يقاسمون أبناء هوارة احتفال استقبال الملك محمد الخامس وعملوا على تخليده في صور تاريخية. ومن المعالم التي وسمت حياة الأوروبيين في هوارة، وبالتالي حياة الهواريين، نجد حانة وفندق "روز أطلس" أي وردة الأطلس التي وسمت المدينة بطابع غربي. كما نجد الفندق الأسطوري الذي يوجد في مدخل مزرعة "فورنيي"، على الطريق الوطنية الرئيسية رقم 10 الرابطة بين أكاديروتارودانت، وهو المكان الوحيد الذي كان الهواريون يتزودون منه بالمشروبات الكحولية خفية، والذي يضم حانة مدام علي، تدير شؤونه سيدة فرنسية متزوجة من مغربي. وكانت بعض هذه الأماكن ملتقى نخبة هوارة وشبابها في كل مساء. كما أن المؤلف لا يفوته أن يذكر أن هوارة كانت تتميز بتسامحها الديني وانفتاحها على الديانات والطوائف الأخرى مثل المسيحية واليهودية، فيذكر وجود الكنيسة الوحيدة "التي هجرها المؤمنون، فسكنها الحب، أمامها كانت تضرب مواعيد الغرام". يضم هذا الكتاب أربعة أقسام: التقديم: ويضم مقدمة للمؤلف، ومقدمة المترجم، ومقدمة للأستاذ الفرنسي المتقاعد دانييل هول. والقسم الثاني يتعلق بقصيدة نثرية: "هوارة حبيبتي"، والتي تميزت بتكرار لازمة "هوارة حبيبتي". أمّا القسم الثالث فيضم قصيدتين باللغة العربية: "رجال هوارة"، و"توحشت نشوف". والقسم الثالث يعرض تاريخا موجزا لهوارة من خلال بعض المصادر التاريخية، وبعض الشهادات الحية. كما يقدم الملحق الرابع والأخير ملاحق عبارة عن وثائق عائلية، وشهادات حية، وصور. وبخصوص الصور، فنجد 13 صورة في الملحق، و12 صورة موزعة بين صفحات الكتاب الأخرى. ونجد صورا للطبيعة مثل صورة منظر من ضيعة "أورتيفال" 1969، وصورا لبعض البنايات والمؤسسات مثل ثانوية الحسن الثاني، درج الصعود إلى الأقسام 1968 ومسجد محمد الخامس، سنوات الستين، وصورة لرياض القايد بوشعيب وصورا خاصّة لملوك المغرب مثل الملك محمد الخامس رحمه الله، كما نجد صورا عائلية خاصة بالقائد بوشعيب وعائلته، ونجد أربع خرائط لهوارة. ويتحدّث المؤلف عن بعض مظاهر الثقافة الهوارية، فيذكر الفضاءات الخصبة، التي يعرف الجميع فيها الجميع، ويتم فيها تبادل السلام باستمرار: "السلام عليكم، وعليكم السلام، السلام عليكم... وعليكم السلام". ويصف سوق الخميس باعتباره حفلا شعبيا حقيقيا، كما يذكر مباريات كرة القدم التي كانت عيدا حقيقيا، والمقاهي الشعبية التي كانت مكانا أثيرا للعب الرامى، والاستماع لأغاني الغيوان الأثيرة لديهم، وأنشئت أول مجموعة هوارية تؤدي أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة وتكادا، وكان "إبريق الشاي أميرا والكسكاس ملكا"، وكانت ليالي رمضان مضاءة بنور الإيمان وسحره، وكانت العائلات في ضريح سيد السايح وفي ولائم المعروف تتسلى بتبادل الحديث، ولم يكن الجيران يحتاجون إلى أواصر القرابة، ولم يكن المجتمع الهواري منغلقا على نفسه، فقد كان منفتحا كما رأينا على الأوروبيين، وعلى الفنّ أيضا، فكان الفنان محمد السْرايزي أول فنان هواري غنى رفقة عوده الوحيد في المنطقة أغنية "عش أنت إني مت بعدك" لفريد الأطرش، وكان سعيد فاكس أول راع للفنون في المنطقة، كان متحررا أخلاقيا وفكريا وحاضنا للفنانة الشباب ومدافعا عنهم، كما أن سينما برتقال كانت السينما الوحيدة آن ذاك، التي جعلت المشاهد الهواري ينفتح على آخر أفلام السينما الهندية والعالمية. ويذكر المؤلف احتفالات الزواج في بلدة هوارة، التي تمتد طيلة أسبوع أو أسبوعين أحيانا، احتفالات الزواج حيث يتم استدعاء جميع سكان البلدة والضواحي، وبدون استدعاء رسمي، وحيث يتم التضحية بالكثير من الحيوانات في تلك المناسبة. ويستعين الهواريون في الموسيقى الهوارية بأدوات مثل الناقوس: وهو عبارة عن إطار حديدي لعجلة سيارة، مصقول ولامع، تصدر عنه رنّات حادة تمتد كيلومترات بعيدا من مكان الحفل، فلا حاجة إلى مكبرات الصوت، والطارة، البندير الصغير: ويطلق حركة الميزان، أما الراقصون فهم يثبون كالأسود وفق تصميم يستحضر الأسطورة والتاريخ والمجد. (ص. 50-51). وتحرص النساء الهواريات على طحن حبات الأركان ليستخرجن الزيت، فيقتسمن المهام في انسجام الأوبرا، حيث نجد تلك التي تقشر حبة الأركان بضربة حادّة من حجر صغير، بغاية استخراج النواة الصغيرة البيضاء الزنينة، وتلك التي تجمع الزنينة بواسطة المضرب، وتجمع الزنينات في إناء مصنوع من قصب الوادي، وتلك التي تضعها بين فكي الرحى الثقلين، حيث يتم سحقها وعصرها، وتلك التي تعصر الزيت، وهناك المرأة التي تشرف على العملية برمّتها وتعمل على انسجام المشاركات في العمل الجماعي. وربما إجابة عن سؤال طرحه المؤلف، وهو هل هوارة تخجل من هذا الماضي؟ يتحدث الكاتب عن مجتمع العاهرات من خلال حي الزاوية، ويستغرب كيف يحيل اسم حي بائعات الهوى باسم يحيل على زاوية صوفية؟. والحقيقة أن الحي كان ملاذا لبؤس لا اسم له، حيث تتقاطر لاجئات من كل ربوع الوطن، باحثات عن شغل في هذه المنطقة الفلاحية، فيُحشرن في هذا الحي، وكنّ يكترين أجسادهن أو بعض أماكن أجسادهن لدقائق بئيسة بدرهم معدودة. يحرص المؤلف على ذكر بعض ملامح هوارة، وتاريخها المجيد؛ فهوارة تجدها في القرى والمدن، في كل الحدائق والحقول، كما ستراها في كل أمازيغية وعربية، في كل سمراء وشقراء، في كل فاتنة وحسناء، كما نقرأ في الكتاب حوارا مليئا بالمشاعر وبالذكريات: "هوارة حبيبتي، حياتي، معشوقتي، قريتي وحسنائي، شقرائي وسمرائي، أمازيغيتي وعربيتي الضائعة بين أكاديروتارودانت"، ويعبر المؤلف عن اشتياقه إلى تلك الأيام وشوقه إليها بواسطة السؤال التالي: "أين أجدك؟ أنت أيضا ضائعة هنا". (ص. 53.) لكن هوارة حبيبة الكاتب، تجيب بالقول: "أنا الآن مدينة كبيرة اسمي أولاد تايمة... انظر إلى الدكاكين والأزقة والعمارات والشوارع والأحياء: إنهم أبنائي وأحفادي، وانظر إلى الأضواء واللوحات الدعائية واللافتات المضيئة والعلامات التجارية، انظر فلا يعميك ماضيك عن كل هذا.... هوارة قريتك الحسناء ماتت، أنا أولاد تايمة"... في القسم الثالث من هذا الكتاب، نشر المؤلف قصيدتين باللغة العربية، القصيدة الثانية من تأليفه، تحمل عنوان: "توحشت نشوف". وهذه القصيدة تنشر لأول مرة، وقد حررت في 1991، وتحتفي بالمغرب، حيث كتبت القصيدة في جو المنفى بغاية طلب العلم وهي تتغنى بالحنين إلى مسقط الرأس هوارة، كما تتغنّى بالتقاليد والعادات وبالحب والسلام: "توحشت نشوف أركان والكرم وجنانات أكراني الأصيلية/ ونزور قبور المؤمنين المتواضعة ونقرا عليها آيات قرآنية/ توحشت نشوف الشراردة والكرسي والبعارير/ واحمر وواد إسن وسيدي احمر أعمر/توحشت نشوف هوارة حبيبتي/توحشت نشوف سوس أرض الشهامة الأمازيغية والعربية الإسلامية". (ص. 94). أما القصيدة الثالثة في هذا الكتاب، فهي بعنوان "رجال هوارة"، وقد كتبها الشاب الهواري الروداني عبد اللطيف بن الشيخ، وكرّمه المؤلف بنشر قصيدته في هذا الكتاب، وقصيدته فيها مدح للهواريين والهواريات، وقد نشرت في شهر نوفمبر 2013 في الموقع الهواري بامتياز: 44 Houara: "رجال هوارة/يانا روداني نغني بهوارة/تايمة ولاد سعيد والكردان/خيرهم مذكور في القرآن/هذا عار الجار على الجارة /باب روادنة مفتوح لهوارة". يقدم القسم الرابع من هذا الكتاب تاريخا موجزا لهوارة، فيؤكد المؤلف أن لهوارة تاريخا؛ لكنه تاريخ شفاهي بالأساس، فلا يوجد إلى حدود يومنا هذا تاريخ مميز ومعترف به لهوارة 44. أولاد تايمة، تاريخ مكتوب ورسمي. ويلي هذا حديث المؤلف عن أهمية الموقع الجغرافي للمنطقة، فهوارة 44 أولاد تايمة تستفيد من وضع جغرافي طبيعي ملائم يقع في سهل سوس، جنوبأكادير على النقطة الكيلومترية 44 من الطريق الوطنية رقم 10، ويسقي سهل سوس وادي سوس الذي يتميز بخصوبته الكبيرة؛ غير أن الهدر المائي الناتج عن سوء التدبير الكارثي للفرشة المائية أساء بشكل متواتر إلى المنطقة. رغم ذلك المنطقة هي الأولى على مستوى الجهة وهي الثانية وطنيا على مستوى تصدير الحوامض، كما أنها محاطة بطوق مكثف من غابات الأركان ومزارع كبيرة تزود المملكة بالخضر والفواكه والحوامض، وفي التصدير إلى دول أوروبية وإلى روسيا انطلاقا من ميناء أكادير. وفيما مضى، كانت هوارة منطقة عبور ضرورية بين أكاديروتارودانت، حتى حدود 2004، حين بدأ العمل بالطريق السيار الثاني الذي يربط بين المدينتين. وبعد أن أصبحت هوارة بلدية في 1992، توسع محيطها العمراني ليضم قرى صغيرة/ دواوير كالشراردة والكليتة والكرسي، وأصبحت تحدّها من الشمال قبائل إذاو زيكي وإذاوزال ومن الشرق أولاد يحيى ومن الجنوب سندالا وإداومنو ومن الغرب مسكينة وكسيمة. (ص. 100). ويؤكد المؤلف ما قاله مؤرخون وباحثون قبله. لقد تحدث فعلا عن المنطقة مؤرخون معروفون مثل ابن خلدون في مقدمته المشهورة لكتابه العبر، ومحمد المختار السوسي في كتابه المعسول 1963، وعبد الله العروي في كتابه ثقافتنا في ضوء التاريخ، 1988. وأنّ تاريخ هوارة لا يمكن فصله حقيقةً عن تاريخ جهة سوس ماسة درعة. وكان ابن خلدون قد ذكر أنّ القبائل الهوارية الأولى تعود إلى أصول طرابلسية. فعند الفتح الإسلامي، كل القبائل التي تحمل اسم هوارة، سواء تلك التي تعود أصولها إلى البتر أو التي تعود إلى البرانِس، كانت تسكن منطقة طرابلس، وقسما من منطقة برقة المجاورة، وهذا الأمر رواه أيضا المسعودي والبكري. وبعض هذه القبائل كانت تملك مساكن ثابتة بينما تعيش الأخرى على الترحال، هكذا رفع ابن خلدون نسب الهواريين إلى هوار ابن أوريغ بن برنس، والهواريون كانوا وثنيين وعلى الديانة اليهودية والمسيحية قبل مجيء الإسلام. يقول ابن خلدون: "وهوارة من بطون البرانس باتفاق من نسّابة العرب والبربر، ولد هوّار بن أوريغ بن برانس. إلا ما يزعم بعضهم أنهم من عرب اليمن..".. وعند هؤلاء أن هوارة وصنهاجة ولمطة وكزولة وهسكورة يعرف جميعهم ببني ينهل.. منه المثنى أبا هوارة ... وكانت مواطن الجمهور من هوارة هؤلاء، ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والصمعر لأول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري...وكان هم في الردة وحروبها آثار ومقامات ثم كان لهم في الخارجية والقيام بها ذكر، خصوصا الأباضية منها".(ص. 104). استنادا إلى تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، (عبد الرحمان ابن خلدون، ضبط المتن خليل شحادة، ج 6. دار الفكر العربي للطباعة والنشر لبنان، ط1، 1401-1981، ص 185-182.) ويذكر المؤلف أن الهجرة أثرت على مصير القبيلة الهوارية الأم، فانقسمت إلى مجموعة من القبائل، وبقيت واحدة تحمل الاسم الأصلي هي قبيلة هوارة، وقد وجد المؤرخون المستشهد بهم آثار هذه القبيلة في أماكن كثيرة من المغرب، خصوصا في منطقة سوس، أي في مجال قبيلة جزولة. ويؤكد ابن خلدون أن هوارة اندمجوا فيما بعد مع بني سليم، يقول: "ظواعن صاروا في عداد الناجعة عرب بني سليم في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل، وكسب الإبل وممارسة الحروب. وقد نسُوا رطانة البربر واستبدلوا منها بفصاحة العرب، فلا يكاد يفرق بينهم". (ابن خلدون ص. 186). أمّا في فترة الاستعمار، فقد انسجم سكان هوارة بدورهم مع تاريخهم المجيد، فثاروا؛ غير أن ثورتهم سرعان ما تمّ اختراقها من قبل قطاع الطرق والمجرمين الذين استفادوا من اللاعقاب الناتج عن الفراغ الأمني، والوضع المنفلت الشامل على المستوى الوطني، أو ما يسمى بالسيبة، لهذا عمد المغفور له الملك محمد الخامس إلى تعيين الضابط هلال بوشعيب بلقرشي الملقب بالزموري، سنة 1921، قائدا على أولاد تايمة، ثم على هوارة سوس سنة 1927 وباشا الدارالبيضاء سنة 1954. ومنذ 1927 أصبح تاريخ هوارة والمنطقة مرتبطا بالقائد بوشعيب. على سبل الختم، نخلص إلى أن هذا الكتاب يوضح أهمية هذه المناطق في الثقافة المحلية والجهوية والوطنية وإشعاعها العالمي؛ فهوارة 44 أولاد تايمة، البلدة الصغيرة التي تنتمي إلى سنوات الستين، تتموقع في مكان رائع وتاريخ نفيس يجب تثمينه ونفض غبار النسيان عنه. وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يعرف القارئ الذي لا يعرف المنطقة على بعض معالم تاريخية وجغرافية للمنطقة، وطرحها استنادا إلى كتابات وأرشيفات وشهادات. ويؤكد المؤلف أنه لكي نحب هذه القطعة الصغيرة من الأرض: هوارة 44 أولاد تايمة، يلزم أن نهتم بما هو جوهري: الحكامة الجيدة. (ص. 122). وكان الشاعر والكاتب الألماني راينهارد كيفر قد كتب، في كتابه حكايات مغربية في بداية الألفية الثالثة، أن في "أولاد تايمة توجد على جنبي الشارع الرئيسي بنايات في طور التشييد. ويبدو أن هذه البنايات ستتكون من خمسة أو ستة طوابق، ضمنها طابق أرضي مخصص للمحلات التجارية. وتقود الطرق والشوارع الفرعية المنبثقة عن هذا الشارع إلى اللاشيء. إن الصورة التي تعطيها أولاد تايمة للزائر هي أنها مجموعة من المنازل المنتظمة على جنبي الشارع الرئيسي".(Reihnhard Kiefer, Marokkanische Geschichten, Marsam, Rabat, 2011, S. 12.). ويدعو المؤلف الهواريين القدامى والجدد والسلطات المحلية إلى أخذ مسافة للتأمل، بغاية إدراك غنى ومؤهلات بلدتهم التي أعطت للتاريخ المعاصر أسماء كبيرة كعمر السيد على سبيل المثال لا الحصر. لقد ورثت هذه البلدة تاريخاً مجيدا يلزم تعريف الأجيال الحالية والمقبلة به. سكانها شباب، معظمهم موهوبون ومثقفون ومتلهفون للمعرفة. ولديها مركز ثقافي ومجتمع مدني نشيط ومناضل يملك وعيا سياسيا متيقظا. لديها فريق رياضي أثبت جدارته ويتطلب تأطيرا جديا. خزانتها البلدية محتاجة إلى مزيد من الدعم، كما أنها تشتمل على موارد فلاحية ووضعية جيوستراتيجية مهمة بالنسبة للاقتصاد والسياحة. (ص. 122-123.)، فقد آن الأوان كي يعيد الأمازيغ والعرب تسجيل هوارة 44 أولاد تايمة في سجل تاريخها المجيد. ويختم المؤلف كتابه بالتذكير بأنّ الكفاح ضد نسيان الذاكرة ضروري ومهم؛ ذلك أنّ أمة بدون ذاكرة هي أمة بدون مستقبل. *هوارة حبيبتي، عبد اللطيف شمس الدين، ترجمة الدكتور أحمد شايب، تقديم الأستاذ دانييل هول، منشورات ألف أبرار، باريسفرنسا، 2019. النسخة الأصلية باللغة الفرنسية 2014. *باحث في الدراسات الثقافية المقارنة/ الرباط/ المغرب.