انتهت معركة بوڭافر بالكثير من الخسائر في الأرواح والأموال بعد 42 يوما من القتال والحصار. وإن انتصرت فرنسا وفرضت سيطرتها على المنطقة وجردت المقاومين من السلاح، إلا أن هؤلاء انتزعوا بعض الحقوق التي لم يتمتع بها غيرهم في المناطق المجاورة في مجال "الترتيب"، وعدم حكمهم من طرف ڭلاوة، وغير ذلك. وكان ذلك أواخر سنة 1933. وفاء كبير شغل عسو أوباسلام، البالغ من العمر حينذاك 46 سنة، منصب شيخ قبيلته إلى حدود سنة 1939، وفكرت السلطات الفرنسية في تنصيبه "أمغار عام" لكل صاغرو، وكان لا بد من تحرير تقرير مفصل عنه من قبل مكتب الشؤون الأهلية بتنغير حتى ينظر المسؤولون في مراكش وفي الإقامة العامة بالرباط إن كان يستحق هذا المنصب أم لا، ودراسة ما يمكن أن تجنيه فرنسا من ثمار من وراء ذلك. وقد جاء في تقرير يحمل تاريخ 3 أبريل 1939 وتوقيع رئيس مكتب الشؤون الأهلية بتنغير: "إن الشيخ عسو وباسلام، شيخ تاغيا نيلمشان، منذ خضوعه في مارس 1933، قد أبان عن وفاء كبير لنا، حيث يبدو لي أنه الوحيد ضمن الزعماء الذي يستحق أن يرقى إلى درجة أمغار الأعلى لأيت عطا. يبدو من المفيد أن نعرض بعجالة سِجل خدمة هذا الوجيه، وتحليل ترتيبات تعيينه الوشيك، ودراسة الفائدة من ذلك". ثم يبدأ العسكري الفرنسي في سرد تجربة عسو ليقنع رئيسه بأحقية هذا الزعيم الأمازيغي بأن يكون رئيسا لصاغرو؛ إذ كتب يقول: "هو من مواليد إلمشان، وقد كان عسو قبل استسلام قبيلته شيخ قصر تاغيا. وقت دخول ڭلاوة سنة 1920 واحة تنغير عارض بشدة، بل وقد جرح في كعبه في مواجهات بين أتباع الڭلاويين والرافضين لهم". وأردف: "بدخول قواتنا تنغير سنة 1931 حافظ عسو على التمرد نفسه، بل وقام بتنظيمه". روح المقاومة لم يفت رئيس مكتب تنغير سنة 1939 أن يذكّر السلطات العليا بمجد عسو أوباسلام في مقاومة الفرنسيين، إذ أورد أنه "أثناء إخضاع صاغرو، ومواجهات بوڭافر، كان عسو هو روح المقاومة لدى إلمشان، خيّب تطلعاتنا، ولم يقبل بشروط الخضوع إلا بعد ثلاثة أشهر عصيبة". إلا أنه استدرك متحدثا عن المرحلة التي تلت الهدنة في بوڭافر، قائلا: "أثناء خضوعه، وجد نفسه أمام سلطات مراقبة متفهمة، فعاد إلى تاغيا نيلمشان، وحافظ على منصبه كشيخ محترم من قبل القبيلة التي ينتمي إليها". نزع السلاح مباشرة بعد معركة بوڭافر، بدأ تجريد الناس من أسلحتهم، وكل من يملك بندقية مهما كان نوعها عليه أن يسلمها إلى السلطات الفرنسية، لذلك زاد صاحب التقرير قائلا: "أثناء عمليات نزع السلاح، وإعادة الأراضي المنهوبة، أبان عسو وباسلام عن الإخلاص، منفذا توجهات وإرادة رئيس المكتب. وشيئا فشيئا، بدأ يثق فينا وفي وعودنا واستمر بعد ذلك التواصل المتكرر. رجل ذكي، أدرك مبكرا قوة تنظيماتنا ومؤسساتنا، والفائدة التي سيجنيها إذا تعاون معنا بإخلاص". وزاد محرر التقرير أنه خلال سنوات الست التي تلت معركة بوڭافر، ساهم عسو أوباسلام في خضوع صاغرو، أو ما تسميه فرنسا بالتهدئة، حيث زاد ضابط الشؤون الأهلية موضحا: "كان له دور فعال بعد إخضاع صاغرو، حتى وهو يسكن في سافلة تودغى، فالهيبة التي تحيط اسمه كبيرة، ليس فقط من قبل زملائه المنشقين من قبيلته، بل من القبائل المجاورة". وتحدث التقرير كذلك على أن عسو أوباسلام كان يمارس التجارة دون أن يذكر نوع السلع التي كان يتاجر بها، موردا: "رغم ممارسته التجارة رفقة أخيه، إلا أنه يمنح أذنا صاغية لكل ما يقال في المكتب، خاصة ما فيه مصلحة كل إلمشان". رجل تقي ونوه محرر التقرير بأخلاق هذا الوجيه الشهير الذي استمد شهرته من تضحياته في معركة بوڭافر بصاغرو في فبراير ومارس 1933، حيث كتب: "باستقامة كبيرة وتقوى أكبر، يستمد هذا الرجل سلطته من سلامة أحكامه ومن فهمه للمشاكل التي تواجهه". وأضاف: "ليس من صفاته الخداع ولا اللؤم، فالرجل أخلاقيا وجسديا قوي ومتوازن، فكيف لا نفكر في ترشيحه، في الوقت الذي نتذمر من ندرة الزعماء الحقيقيين وفي الوقت الذي يفتقر فيه صاغرو لزعماء أيت عطا". وأثناء حديثه عن الوضع في صاغرو، قال المصدر نفسه: "تقطن بصاغرو عشرات التجمعات القبلية، فخذات لا يجمع بينها أي رابط سوى الموقع الجغرافي المشترك، وهذا ما يجعل قيادتها أمرا صعبا". وأضاف: "لهذا فالوضع السياسي بين لنا مرات عديدة ضرورة تعيين أمغار لكل صاغرو، وعسو وباسلام هو المختار". ورغم كل المزايا التي أغرق بها المحرر تقريره المرفوع إلى رؤسائه حول عسو أوباسلام، إلا أنه أورد أنه "مع ذلك، لا بد من استحضار المعارضة التي تواجهنا في هذا التعيين، وكذلك النتائج الإيجابية التي سنجنيها". ثم بدأ في سرد أسماء المعارضين لهذا التعيين وغير ذلك مما سنراه في حلقة يوم غد. يتبع...