ينشغل الرأي العام الوطني ويتابع بانزعاج وغضب التفاعلات التي يثيرها مشروع القانون 22.20 الرامي إلى تكميم الأفواه وتقديس السلع ومصادرة حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي. وتعود أسباب الانزعاج والغضب إلى عاملين رئيسيين هما: 1 استغلال أزمة كورونا والظرفية الدقيقة التي تمر بها بلادنا بسبب تداعيات الجائحة والتعبئة العامة التي اقتضتها المواجهة حتى تتمكن بلادنا من التحكم في الوباء والتخفيف من آثاره الاقتصادية والاجتماعية. فالحكومة أبانت عن عجزها الفظيع في تدبير الأزمة منذ بداية الاجتياح لولا حكمة الملك وإشرافه المباشر على كل التدابير المتعلقة بمواجهة الجائحة وتداعياتها بدءا بقرار الحجر الصحي وإغلاق الحدود ثم إحداث صندوق التضامن وتأهيل البنيات التحتية لاستقبال والتكفل بالمصابين، في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يغرِّر بالمواطنين ويوهمهم بأن وباء كورونا مثله مثل الزكام لا يشكل خطرا على حياتهم. لم يكن لدى الحكومة، في المراحل الأولى للوباء، أية إستراتيجية لمواجهته بدليل أن مجموع الأسرّة التي أعدتها لاستقبال المصابين والتكفل بهم لم يتجاوز 250 سريرا. هكذا استغل رئيس الحكومة ظروف الحجر الصحي ليواصل تنفيذ إستراتيجية حزبه في الإجهاز على الحقوق والحريات وتكميم الأفواه ؛ فعقيدة الحزب تتأسس على مصادرة الحريات. لقد سبق وضغط لحذف حرية الاعتقاد من الدستور، وها هو يهيئ لوضع قانون يجرّم حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت المتنفس الوحيد للتعبيرات الحرة للمواطنين. ففي الوقت الذي ينتظر فيه الشعب المغربي من الحكومة أن تعبئ كل موارد الدولة وإمكاناتها لدعم كل الفئات المتضررة، يسابق رئيس الحكومة الزمن لإصدار القوانين ومشاريعها في جنح الظلام بغية الزج بأكبر عدد من المواطنين في السجون (وضع قانون حمل الكمامة دون توفيرها في السوق، مما يعرض كل من يعثر عليها لعقوبة "الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر، وغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين". الأمر الذي حذا بثمانية محامين بهيئة القنيطرة إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس النيابة العامة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ينبهونه إلى أن تطبيق هذا القانون دون توفير الكمامات "يجعلنا في وضعية شاذة واستثنائية ستشهدها المنظومة القانونية في بلادنا يتعين أخذها بعين الاعتبار". وها هو العثماني يجعل حكومته تصادق على مشروع قانون تجريم حرية التعبير تحت جنح الظلام ليثبت أن التهريب خطة معتمدة من حزبه (تهريب عقائد التطرف ومذاهب الغلو، تهريب القوانين ). 2 إن مشروع القانون أعدّه وزير ينتمي لحزب تقدمي يشهد رصيده التاريخي على حجم التضحيات التي قدمها مناضلوه من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية. فالوزير أقر أنه هو من أعدّ المشروع انطلاقا من اقتراحات الوزراء حسب القطاعات التي يشرفون عليها. وهنا يكمن الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الوزير الذي لا يمثل ذاته وإنما حزبه بكل رصيده التاريخي، ثم قطاع العدل الذي يسعى المغرب جادا لتجويد التقاضي وعصرنة الترسانة القانونية. إلا أن سيادته تنصّل من الخلفية النضالية للحزب وتحرر من الوثيقة الدستورية التي تشكلت الحكومة على أساسها وتشتغل في إطارها، ثم المرجعية الكونية لحقوق الإنسان التي تبناها الدستور وأقر بسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. كل هذه المرجعيات المهمة استبعدها سيادته وهو يلملم شتات الاقتراحات التي أثبت مشروع القانون/الفضيحة أن واضعيه يعيشون خارج السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يعرفه المغرب وكرّسته جائحة كورونا. فالوزير أحيى قوانين الاستبداد وهي رميم ومتشبث بالدفاع عنها ضدا على إرادة الشعب وقواعد حزبه التي استنكرت المشروع، في أكثر من موقع، وطالبت بسحبه. وكان أحرى به، أمام اتساع موجة الرفض والتنديد، من الأحزاب والمنظمات الحقوقية والهيئات المدنية، أن يعتذر ويسحب مشروع القانون بكل شجاعة، لكنه لم يفعل، وسيحمّل الحزب تبعات تعنته. فحين يكون المنصب والمكسب غاية السياسي فستحل الكارثة لا محالة. إن التركيز على مشكلة تسريب مشروع القانون إياه رغم أهميتها دون الجهة التي صاغته والحكومة التي صادقت عليه، هو تمويه ومحاولة التستر على "جريمة" قانونية وسياسية في حق الوطن والشعب والدستور. إذ كيف تسمح الحكومة لنفسها أن تكافئ الشعب المغربي الذي عبّر بشكل راقي عن وعيه بدقة المرحلة وجسّدت كل فئاته بتلقائية قيم التضامن والتكافل، بمشروع قانون يكمّم أفواه أبنائه ويصادر حريتهم في التعبير والإبداع والنشر التي ناضل من أجلها وأقرها الفصل 25 من الدستور " حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة"؟. وليس من غاية لهذه الخطوة البئيسة إلا ضرب الإجماع الوطني وثقة الشعب التي استرجعها في مؤسسات الدولة والتأسيس لمرحلة النكوص والإفلاس السياسي الشامل ورفع المنتجات إلى مقام المقدسات تُجرّم أفعال تبخيسها ودعوات مقاطعتها. أمام هذا الفشل الذريع للحكومة والانقلاب على الدستور والمكتسبات، فإن تغييرها وتشكيل حكومة وحدة وطنية تسجد لحظة الإجماع والتلاحم الشعبي بات أمرا ملحّا حتى تستطيع بلادنا تجاوز أزمة الوباء وتداعياتها بأقل الخسائر.