تتوالى الأيام متشابهة، منذ اكتساح فيروس كورونا، الذي جعل الملايين يعيشون في العزل الصحي المنزلي. والمغرب بدوره عمل على تفعيل مرسوم رقم 2.20.293، وأعلن حالة الطوارئ الصحية يوم 19 مارس 2020 للحد من انتشار الوباء وحماية المواطنين. ورغم تداعيات هذا الفيروس القاتل الغامض، والذي أفرغ الشوارع وأوقف المصانع وأخفى الطائرات من السماء، فإن هناك إيجابيات سجلها ملاحظون وخبراء البيئة؛ منها: تراجع في مستويات التلوث، وتحسن في جودة الهواء بنسبة 12 في المائة في 337 مدينة في العالم، لأن وسائل النقل مسؤولة عن 23 في المائة من انبعاث الكاربون، وانخفضت حوادث السير ب40 في المائة، كما التأم ثقب الأوزون. والعزل الصحي المنزلي أعاد للقراءة التوهج بعد أن كانت في عزوف، وانكسار حيث هجر الناس الكتاب، وانكبوا على الخبز وحده... وإيجابيات أخرى تتجلى في الصور الإنسانية الرائعة أبدعها الناس المحاصرون في بيوتهم، فكانوا يعبرون عن احترامهم، وامتنانهم للجيش الحقيقي في زمن كورونا (الأطقم الطبية، رجال، ونساء النظافة، نساء ورجال الأمن)، وآخرون صنعوا الجمال والأمل من خلال الغناء من شرفات منازلهم، وموسيقى، وقراءات شعرية... للتخفيف من الوحدة في الحجر الصحي؛ فكانوا مطرا أنبت غلالا من الآمال، ومَرروا رسالة مفادها أن الثقافة هي التي تلتقي حولها الشعوب، وهي التي تواسينا وقت الألم والشدة، وتسمح لنا بالعيش، ومشاركة مشاعرنا مع الآخرين من أبناء البشرية. ومع كل الإيجابيات، يبقى السكون والركود، فلا حياة في كل شيء حولنا، ولا روح...ننتظر الأمل للخروج من شرنقة الحجر الصحي للقاء الأماكن التي اشتقنا إليها، واشتاقت إلينا... أماكن كثيرة اشتاقت إلينا أصبحنا عاكفين على الحلم، والأمنيات للخروج من هذا الوجع، والعبور نحو الفجر، والأمل.. العبور تجاه أماكن كثيرة اشتقنا إليها: البيوت: اشتاقت إلى الزوار.. إلى اللمة... إلى أفراد العائلة..، وتبادل الزيارات، وجلسات السمر.. هذا ما يعطي الروح للبيوت.. المسجد: اشتاق إلى الجباه الساجدة الضارعة لبارئها، اشتاق إلى المصلين الباحثين عن السكينة والطمأنينة؛ الباحثين عن صفاء الروح وإصلاح القلب.. والمنبر اشتاق إلى فرسانه أصحاب الكلمة المؤثرة، اشتاق إلى الخطيب الذي يصحح أخطاء العبادات والبدع . المدرسة: اشتاقت إلى شغب التلميذات والتلاميذ، وصوت الجرس، اشتاقت إلى المدرسين والمدرسات، والأنشطة البيداغوجية.. والحياة المدرسية.. الجامعة: تتمنى ضوضاء الطلبة في المدرج، اشتاقت إلى الحجاج والنقاش بين الطالب والأستاذ، وتشعر بأنها تصنع حياة الطالب عندما توفر له تجربة حياتية مكتملة يعيشها أثناء دراسته داخلها. دور الحضانة: لها حنين إلى براءة الطفولة.. إلى شغب الأطفال، وتسابقهم حول الألعاب، اشتاقت إلى إكسابهم مهارات اجتماعية، وتنمية شخصيتهم، اشتاقت لتدريبهم عن الانفصال عن المنزل، وإبعادهم عن الشاشات، والهواتف... المتاحف والمعارض: تستقطب قطاعات واسعة من المهتمين الذين تمثل لهم الذاكرة المادية والمعنوية، وتنتظر زيارتهم لإيصال رسالتها الثقافية... الملاعب والأندية الرياضية: أكثر المتضررين من العزل الصحي الذي فرضه وباء كورونا، واشتاقت كثيرا إلى عشاق الرياضة لتعطيهم البهجة والمتعة، والحماس والتنافس والتسلية والترويح عن النفس، وترسيخ قيم التعايش وقبول الآخر ونشر المحبة. صالونات الحلاقة والتجميل: الكثير من مرتاديها لا يعتبرونها مكانا لتصفيف الشعر والتجميل فقط، بل عيادات نفسية ومكانا للبوح بأسرار وحكايات، ومحلا لإفراغ المكبوتات، كذلك فضاء للتعايش والتآزر خصوصا بين النساء اللواتي اشتقن إلى هذا الفضاء كثيرا... الغابة :تنتظر عشاقها لإمدادهم بالراحة النفسية، والهواء النقي، ورياضة المشي، واللعب، والمرح، والتخلص من الضغوطات . الحدائق: اشتاقت إلى زوارها لتنشيط الحواس الخمس، وإنعاش الدماغ، وإعطائهم فرصة لتصفية الذهن وإراحة الأعصاب، وترك الأنترنيت، واشتاقت أيضا إلى الطلبة الذين يفضلون المراجعة والتحضير للامتحانات وسط الحدائق، لأن الجو يساعد على التركيز وإنعاش الذاكرة والتخفيف من التوتر، ولأنها متنفس يبعث الأمل في المشاعر. المكتبة: مشتاقة إلى عشاق شغب الحروف، الذين اكتووا بنار الثقافة، والذين لسعتهم نحلة البحث والطيران في بستان المعرفة من غصن لزهرة، القادرين على تحريض الورد والمطر... هذه الأماكن وغيرها ميتة ولا روح فيها إذا لم يكن فيها بشر يعطيها الحياة؛ لذا هي مهجورة الآن وكئيبة، واشتاقت إلى الناس، إلى الحركة، إلى الحياة. وحتى يندحر الفيروس، ونصل إلى تحقيق صفر حالة مصاب، ونزور الأماكن التي اشتقنا إليها، دعونا نتعلم البقاء على قيد الحياة، ونحمي أنفسنا من خلال تعزيز مناعتنا؛ فالطريقة الوحيدة للنجاة من فيروس كورونا –كما قال خبراء منظمة الصحة العالمية – هي تقوية جهاز المناعة بالنوم الكافي، والتغذية الصحية، والنشاط الروحي، والنشاط الرياضي. وخليكم في البيت.