تجنب السنة البيضاء في ظل الحجر الصحي، إنقاذ الموسم الدراسي المتوقف حضوريا والمستمر عن بعد، إجراء الامتحانات الإشهادية ضرورة وليس ترفا، تثمين مجهودات نساء ورجال التعليم المنتظمة والمستمرة، تشجيع مجهودات التلامذة وانضباطهم عن بعد، التنويه بمجهودات الأمهات والآباء وتضحياتهم اللامتناهية... هي بعض العناوين لقضايا كبرى يجب التداول حولها ونقاشها من طرف كل من يحمل هم الوطن ومستقبل الأجيال. فبعد أن تم إنجاز أكثر من ثلثي البرامج المقررة، وتقرر استكمال ما تبقى عن بعد، وتم إنجاز قسط كبير وإن بدرجات متفاوتة حسب الجهات والمناطق والأوساط والأسر، وذلك راجع لاستفحال الفقر والهشاشة والتهميش، وهذا ما يتطلب إنجاز عمل يوفر إمكانيات أخرى للدعم والتقوية، لذلك وجب الاسترشاد بما قاله الأستاذ عبد اللطيف اليوسفي "أن نبذل مجهودات كبيرة ونفكر جميعا بعقلنا الجماعي وبذكائنا الجماعي ويمكن أن نصل إلى حلول، فالأوضاع الاستثنائية تعالج بالحلول الاستثنائية". إن التعليم عن بعد كرس التفاوتات الاجتماعية والطبقية، بل إنه زاد من تعميقها، لأن عددا كبيرا من التلاميذ لم يتمكنوا من المواكبة لعدم توفرهم على الهاتف واللوحة الإلكترونية والحاسوب المحمول، غير أنه يمكن تحقيق بعض التقارب والاستدراك من خلال دروس سريعة، تقتصر على الموارد الأساسية، وتركز على المواضيع الجوهرية، مع ضرورة التوجه بالمزيد من الجهد نحو المناطق التي لم تستطع مواكبة التعليم عن بعد، وهي بالخصوص العالم القروي، والمدن والمناطق والأحياء التي تعاني من الهشاشة والتهميش. وبما أن جل الأسر اليوم حريصة أكثر من ذي قبل، على تربية وتعليم بناتها وأبنائها، وساهرة على مواكبتهم، لإيمانها القوي بدور المدرسة في التنمية، وقد قدمت ولا تزال تضحيات كبيرة لتدريسهم في مختلف المستويات، من التعليم الأولي حتى الجامعي، رغم أن الوضع والواقع عنيد، وتصعب مجاراته والتغلب عليه بالنسبة لمجموعة من الحالات التي لم تستفد من التعليم عن بعد لأسباب اجتماعية واقتصادية نعلمها جميعا، واليوم حتى بعض مسؤولي الوزارة أصبحوا يقرون الآن بأن التعليم عن بعد لم يستطع تعويض التعليم الحضوري. إن اعتماد استراتيجية التعليم عن بعد، من جملة القرارات التي أملتها التدابير الاحترازية لضمان سلامة المواطنين وأمنهم الصحي، إلا أن هذا النوع من التعليم يحتاج لمخطط استراتيجي ودراسة استباقية قبلية، وهو ما يدخل في باب مهام خلايا التفكير والبحث العلمي والدراسات المستقبلية الاستشرافية، التي نفتقدها للأسف ولم نسع لتطويرها. أما الآن فعلينا التفكير في إنقاذ الموسم الدراسي، واستئناف الدراسة الحضورية، وبذل مجهود تنخرط فيه جميع مكونات منظومة التعليم، مع التدرج وتبني الحذر من خلال تحديد عدد التلاميذ داخل كل قسم، وتوفير الكمامات ومواد التعقيم، والمرافق الصحية اللازمة، والالتزام بقواعد الوقاية والنظافة داخل المؤسسات التعليمية، على أن تستأنف الدراسة من حيث توقفت في أواسط شهر مارس، حتى لا تلحق أضرار بالتلاميذ الذين لم يتوفروا على إمكانية الاتصال بأساتذتهم، مع ضرورة إدخال تغييرات وتعديلات على كل السيناريوهات السابقة، ومركزة أهم القرارات مع إعطاء هامش كبير ومهم للأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية، لسرعة حصولها على المعطيات، ولإمكانياتها المتوفرة للتدخل عن قرب، ومحاولة تدارك جزء كبير من التوقف الدراسي لمدة شهرين عبر تمديد السنة الدراسية، وتأجيل الامتحانات من أجل استكمال ما يلزم، مع التفكير والتخطيط لإنهاء السنة الدراسية بشكل طبيعي في شهر يوليوز، والتفكير في نقل زمن الامتحانات إلى شهر شتنبر، وهذه إمكانية سيضحي فيها الجميع، وستكون هي الثمن الذي سنربح فيه تجاوز السنة البيضاء. إن ما تم طرحه حول اعتماد نقط المراقبة المستمرة، أجابت عنه الوزارة رسميا وأقصت الفكرة، على أساس أن الوضع في المغرب هو غير الوضع الموجود في دول أخرى، خاصة مع الأوضاع الموجودة لدينا في المؤسسات الخصوصية، إضافة إلى أن المراسيم والمذكرات والآليات التي نشتغل بها، والتي تتحكم في تسيير المنظومة، ستجعلنا نسقط في تناقضات، نحن في غنى عن لي عنق القوانين لتطويعها، إضافة أن الاكتفاء بنقط المراقبة المستمرة، والاستغناء عن الامتحانات الإشهادية أمر يلزم عدم التفكير فيه إطلاقا، حفاظا على المصداقية. إن عقلنا الجمعي ملزم بالتحرر من الأساليب والأدوات المعمول بها والمعتادة، وإطلاق العنان للإبداع والتفكير والتدبير العقلاني الملائم. وعليه، وبعد شهر يوليوز يمكن تخصيص شهر غشت عطلة دراسية للأساتذة والتلامذة، و فترة للإعداد والتحضير من طرف الأطقم الإدارية، للقيام بما يلزم من دعم وتثبيت خلال الأسبوعين الأولين من شهر شتنبر، وإنجاز الامتحانات خلال النصف الثاني من شهر شتنبر والنصف الأول من شهر أكتوبر. إذن علينا تيسير شروط إجراء الامتحانات في النصف الثاني من شهر شتنبر، مع ضرورة التفكير في توسيع أعداد مراكز الامتحانات وتطويرها، وإجرائها في قاعات ملائمة وواسعة، وتقليص المدد والحصص، مع التفكير الجدي في تقنيات جديدة، واعتمادها حسب طبيعة الشعب والمسالك والمواد، وعليه يمكن التفكير في إمكانية السماح للممتحن باعتماد ومصاحبة الكتب والوثائق، وكذا التفكير في نظام التقييم القائم على الأسئلة ذات الأجوبة متعددة الاختيارات، وهو ليس غريبا على الساهرات والساهرين على المنظومة. إن مجهودات كهذه تشترط توفر جيش كبير من الموارد البشرية المؤهلة والمستعدة، التي لن تطلب سوى العمل في شروط إنسانية ضامنة للكرامة، إنه الاحتياطي الكبير من المتقاعدات والمتقاعدين الذين يحملون هم الوطن ومستقبل بناته وأبنائه داخل القلوب والعيون، وحتى الذين خانتهم الصحة الجسدية، فإنهم لا يزالون يتوفرون على قدرة عقلية وذهنية محترمة ومعتبرة. *إطار تربوي