أكدت لنا الأزمة التي نمر منها الآن - "تفشي فيروس الكورونا" - أن الأنظمة المختلفة الحالية هشة، وغير قادرة على مواجهة حالات الطوارئ، فسرعان ما فرض انتشار المرض نفسه سواء على البشرية، أو على كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بل إن مكاسب التنمية كذلك تأثر بشكل غير مباشر، حيث أنه لم يفرق بين الدول المتقدمة ولا الفقيرة كذلك. ورغم أن جميع التكهنات تقول إن أزمة كورونا "مؤقتة"، ومن المتوقع أن تكون تداعياتها ذات تأثير مؤقت كذلك ولو بشكل متفاوت، فالدول المتقدمة ستستطيع تفادي النتائج الاقتصادية المستقبلية للوباء، بالمقابل لن يكون هناك متسع للبلدان الفقيرة التي تتصف اقتصاداتها بالهشاشة أن تتجنب تبعاته، وهذا يجعلنا نطرح سؤال حول "ما مدى قدرة العالم الذي دق مؤخرا ناقوس الطوارئ المناخية في مواجهة تبعات ظاهرة الاحتباس الحراري، الموجودة منذ سنوات، والتي تزداد حدتها بوثيرة متسارعة؟!. فعلى العالم اليوم أن يستفيد من هذه اللحظات الحرجة، ويعيد حساباته في بناء قدرته على التصدي والصمود في مواجهة السناريوهات الكارثية، التي قد تنتج عن المشاكل القائمة منذ سنوات جراء "تغير المناخ"، و"تدهور البيئة الطبيعية"، فالتمادي في "اللامبالاة،" وعدم توقف "انبعاثات غازات الدفيئة" على الصعيد العالمي ثم الإسراع بتخفيضها، والحد من الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، ستجعل عملية التكيف مع تغير المناخ تحديا لا نهاية له، وربما ضربا من المحال. فسيناريوهات تداعيات "الأزمة المناخية"، قد تقضي على المكاسب التي جرى تحقيقها بشق الأنفس، على مدى العقود الماضية لتلبية احتياجات التنمية المستدامة في العالم. فلا أحد اليوم يمكنه التنبؤ بالظواهر المناخية القصوى، وانتكاساتها، وسبل تأقلم المجتمعات معها، فالأبحاث والدراسات العلمية المنجزة في هذا المجال، والتقارير الدولية، جلها تتحدث عن توقعات بتهديدات حقيقية للإنسان، والمنظومات البيئية، وكذلك بازدياد معدلات الجفاف، وندرة المياه، واتساع رقعة التصحر، واشتداد حدة العواصف، وتكرار مشهد الفيضانات، وذوبان الجليد، فضلا عن تمدد مياه البحار والمحيطات وارتفاع مستواها، وغرق الجزر، والشواطئ، والأراضي المنخفضة ذات الكثافة السكانية العالية، والدول الجزرية الصغيرة. وهذا لا محال سينعكس بشكل مباشر على جودة المياه ونقص الأغدية، وظهور أزمات صحية، وتفاقم الفقر والهجرة، وإثقال كاهل المجتمعات المهمشة والضعيفة بمصاعب إضافية، وتقويض سبل معيشتهم، وستعرض حياة البشرية للخطر، وتعرضهم للموت أو للإصابة بالأمراض المختلفة الناتجة عن الارتفاع الشديد في الحرارة، أو حالات البرودة الحادة، وسوء التغذية. فهل المجتمع الدولي سيتعلم من الدرس القاسي لتفشي جائحة كورونا، ويسارع الزمن باتخاذ إجراءات مستعجلة، والرفع من سقف التأهب لآثار التغير المناخي لمواجهة هذا الواقع الملموس؟ *رئيس شبكة العمل المناخي في العالم العربي.