- Will the concept of distance working become applicable after the Corona period? كنت قد تطرقت لهذا الموضوع وأفردت له عنوانا يتناسب مع هذه الظرفية الصعبة وما يتطلع إليه عامة الناس بعد أن تنجلي هذه الجائحة: "هل تتغير مفاهيم التربية والعمَل عن بعد في العالم بعد فترة "كورونا" ؟!". وقد أشرت في ذلك المقال أنه قد لا نستغرب إذا ما سمعنا أن نصف عدد العمال في شركة ما يشتغلون من قلب بيوتهم وعن بعد مستقبلا وتم الاستغناء عن مكاتبهم!. وقد نسمع أيضاً بأن عددا من المدرسين والمدرسات يلتحقون بصفوف الدرس من على أريكتهم في البيت بدلا من الذهاب إلى المؤسسة!، وربما سوف نسمع عن التجول في "المول" أو "الهابر ماركت" والتبضع بالمحاكاة عن بعد، مع خدمة التوصيل من على السرير، بدلا من التزاحم بين الأشخاص على أرض الواقع وتكلف عناء الذهاب والإياب أو مشقة المواصلات!. تلك إذاً هي تخيلات بدأت تلوح بوادرها في الأفق في خضم هذه الجائحة. وحتى يستوفي هذا الموضوع حقه (ولو نسبيا)، كان لابد من الرجوع إليه ثانية. وحتى أكون منصفا أيضاً، فقد وجدت نفسي أمام الإشادة والاهتمام الفائق بهذا الموضوع من طرف العديد من الأصدقاء، وخاصة من أحد زملائي في العمل في الشرق الأوسط وبالتحديد في الرياض سابقا، حيث أعجب هذا الأخير بالموضوع وتمنى أن نعود إليه ثانية. كما تذكرت حينها كم من مرة تجاذبنا الحديث حوله ونحن هناك في أعلى طوابق مبنى الكلية نرقب ازدحام السيارات في الشوارع المجاورة وخاصة "طريق الحرج"، وكم تمنينا حينها لو تنبهت الدولة إلى إيجاد حلول ناجعة لمعالجة تلك المشكلة بما في ذلك إمكانية العمل عن بعد، وتجاوز مشكلة التأخير للوصول إلى مقر العمل في الوقت اللازم. ويمكن الجزم أن هذه التجربة الفريدة من نوعها والتي همت معظم بلدان المعمورة وأجبرتهم على الخوض في غمار فرصة وتجربة العمل عن بعد، فقد تعطينا هذه التجربة وتفرز لنا آراء ومعطيات حول مردودية المستخدمين من خلال فترة هذا الحجر الصحي العابر، ومدى قدرتهم على تأدية واجبهم في أوقات وجيزة وبكل أريحية وانشراح من داخل بيوتهم رغم الظروف القاهرة لهذه الوضعية على كل حال. ويرى بعض الباحثين أنه ربما حان الوقت لتعميم فكرة العمل عن بعد ولو بشكل جزئي ليشمل بعض الوظائف والأشغال التي في الحقيقة لا تستدعي وجود الشخص بعينه في مقر العمل ليتسنى له القيام بها أو انجازها، وخاصة تلك التي لا يكون للموظف مواجهة أو احتكاك مع الزبون. وذهب بعض الباحثين في هذا الباب إلى أن دائرة العمل عن بعد قد أصبحت تتسع شيئا فشيئا لتشمل وظائف كثيرة وخاصة تلك التي تعتمد على التكنولوجيا السمعية البصرية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي أو الحاسوب، وذلك أنه مع التطور التقني والتكنولوجي وعالم التواصل والاتصال بكل أشكاله، أصبح –كما يقولون- من اليسير "أداء الكثير من الأعمال من أي مكان دون الحاجة إلى الانتقال إلى مقر الشغل أو إلى مكتب معين وتكبد عناء قيادة السيارة أو ازدحام المواصلات، ناهيك عن التوتر (Stress) والمساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الرفع من مستوى التلوث في المدن (خاصة تلك التي تشهد ازدحاما كثافة سكانية هائلة)، وتنهك قوى الموظفين من الناحية الصحية بحيث يعتمدون على الوجبات السريعة وعدم تناول أطعمة مفيدة داخل بيوتهم، مع إمكانية أخذ قيلولة طالما نصح بها الدين الحنيف، وأكد على أهميتها الأطباء وخبراء التغذية. أما من الناحية المادية الصرفة، فلا شك أن فكرة العمل عن بعد توفر النفقات وتحد من هدر مبالغ كبيرة في تكاليف المواصلات والبنزين، وتوفر الوقت الذي هو العامل الأساسي في تلك المعادلة، يتيح لكلا الأبوين أو على الأقل لأحدهما القرب من الأبناء والسهر على حسن تربيتهم والحديث إليهم بشكل دائم ومستديم. أما من ناحية المردودية أو الإنتاج، فقد أبانت التجربة، وكذلك نتائج استطلاعات ودراسات عديدة، بأن العمل عن بعد في بعض المجالات قد أبان بأنه يحسن إنتاجية العمل ويرفع من مستواه دن ذلك العناء المعتاد. ومن المعلوم أنه قد أصبح العمل عن بعد لا يشترط فيه أن يكون عملًا حرًا أو مستقلًا (Freelance)، فقد تعمل بعض المؤسسات الحكومية وحتى الشركات بنظام الدوام الكامل أو الدوام الجزئي ولكن عن بعد، وخلص كاتب أحد المقالات في أحد مواقع الانترنيت إلى حقيقة مفادها أن "العمل عن بعد لا يعني بالضرورة أن تعمل من المنزل، بل "يمكنك تأجير مكتب في بعض المقاهي أو مساحات العمل المشتركة القريبة من منزلك بالطبع. وتقول مؤسسة والمديرة التنفيذية لموقع الوظائف المرنة FlexJobs ، سارة ساتن فل، إن العمل عن بعد مثالي للأشخاص الذين يحبون السفر ممن يُطلق عليهم "الرحالة الرقميون" أو من يضطرون إلى الانتقال كثيرًا ولا يريدون التخلي عن وظائفهم التي تدر أرباحًا عالية. ومع تحسن التكنولوجيا وانتشار الإنترنت وزيادة موثوقيته، أدركت الشركات أهمية العمل عن بعد والقدرة على الوصول إلى المواهب المطلوبة وإن كانت في بلاد أخرى. (عن الموقع التالي بتصرف https://www.for9a.com/learn/). المجالات المواتية للعمل عن بعد: قد ذكر الموقع المشار إليه أعلاه بأن هنالك (على الأقل) عشرة وظائف في الوقت الراهن من الممكن أن تكون مواتية للعمل عن بعد وبشكل إيجابي وهي على سبيل المثال لا الحصر: 1- العمل في حقل البرمجة، ويتضمن التطوير البرمجي وبرمجة المواقع أو التطبيقات أو البرامج أو واجهات المستخدم أو أنظمة الإدارة أو اختبار البرامج أو البنية التحتية التشغيلية وغير ذلك؛ 2- التسويق الإلكتروني، ويشمل التسويق الإلكتروني تحسين نتائج البحث SEO وإعلانات الدفع مقابل الضغط PPC وتوليد المرور traffic generation وبرامج المشاركة التسويقية affiliated marketing والتسويق الداخلي والخارجي؛ 3- حقل التصميم والذي يتجاوز الرسوميات "الجرافيكس" وإن كانت هي أشهرها، وقد يتضمن تصميم اللوحات الهندسية والمعمارية وتصميم المظهر الأمامي للمواقع front end وواجهات التطبيقات والبرامج والرسوم البيانية والإنفوجراف وأغلفة المجلات وصفحات الجرائد وغير ذلك؛ 4- مجال الكتابة والتحرير هذا المجال خصب ومتشعب ويشمل كتابة المحتوى باختلاف أنواعه ومنه الطبي والعلمي والرياضي، وغيرهم بالإضافة إلى الصحافة والمراسلة والمراجعة اللغوية وكتابة أدلة الاستخدام وكتيبات الشرح والمواد التعليمية للدورات التدريبية وكتابة المقالات والتقارير وغيرها؛ 5- خدمة العملاء تحتاج الشركات إلى فريق لدعم عملائها وشرح أحدث العروض وحل المشكلات والاستماع إلى مقترحاتهم، ويتم هذا بعدة وسائل سواء بالهاتف أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو على موقع الإنترنت أو حتى بالزيارة المنزلية، أي أنه لا حاجة إلى انتقال إلى مقر الشركة للعمل؛ 6- بعض جوانب التدريس ، إذ يمكن اليوم عرض بعض الخدمات التعليمية عن بعد ومن خلال الإنترنت باستخدام تطبيقات مثل Skype أو WizIQ أو Zoom أو Google Classroom وغيرها؛ 7- مجال المحاسبة قد تبدو المحاسبة وظيفة مكتبية مملة، لكنها في الحقيقة من أكثر المهنة طلبًا لأن أي منظومة عمل تحتاج إلى المحاسب لحساب الفواتير والضرائب والرواتب والعوائد والمصروفات وغيرها، بل إن بعض مقدمي الخدمات المستقلين freelancers قد يحتاجون إلى من يدير حساباتهم مع العملاء؛ 8- مجال الترجمة، ولعل أشهر أنواع الترجمة ترجمة الكتب، لكنها ليست الأكثر شيوعًا، فتعريب البرمجيات وأدلة الاستخدام تستحوذ تقريبًا على 75% من سوق الترجمة العالمية. كما أن الترجمة لا تقتصر على ترجمة النصوص فحسب، وإنما تشمل الترجمة الفورية أو التتابعية في المؤتمرات وترجمة المحادثات الهاتفية بين شخصين عبر الهاتف؛ 9- مجال إدخال البيانات قد لا تحتاج وظيفة إدخال البيانات إلى مهارات عالية سوى سرعة الكتابة بدقة على الكمبيوتر، لكنها مهمة جدًا وتجدها في كثير من الوظائف مثل دور النشر والطباعة والصحف والجامعات، كما يمكن العمل بالقطعة مع الباحثين ممن لا يستطيعون كتابة أبحاثهم بسرعة على الكمبيوتر أو حتى لا يجدون الوقت لذلك؛ 10- إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، سواء لأغراض شخصية أو مهنية، وقد تحتاج الشركات والشخصيات العامة إلى مديرين لحسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بها لرفع مواد الوسائط المتعددة وإدارة المنشورات ووضع خطة تسويقية للاستفادة من ملايين العملاء والمتابعين على تلك المواقع.(عن https://www.for9a.com/learn/ بتصرف). بعض مزايا العمل عن بعد: عند الحديث عن قضية العمل عن بعد وعن المزايا التي تترتب عنه، لا يسع المرء إلا الإشادة ببعض تلك المزايا إن لم يكن بمجملها، وذلك لما تتركه من فوائد جمة تخص بالدرجة الأولى الموظف وراحته النفسية والروحية والجسدية، كذلك صاحب الشركة أو العمل فيما يخص المردودية أو الإنتاج ومستوى الرضا لدى الطرفين وكذلك الزبناء. في الفقرة التالية سوف نحاول، ولو بعجالة، عرض بعض تلك المزايا علماً أن أغلبية من قاموا بممارسة العمل عن بعد قد لمسوا تلك الجوانب العديدة من المزايا وخاصة تلك المتعلقة بتربية الأبناء والتحدث إليهم وتناول الوجبات الصحية، وفيما يلي بعضاً من تلك المزايا: مزايا العمل عن بعد للموظف: من أهم مزايا العمل عن بعد التخفيف من حدة الازدحام في الطرقات والشارع، والحد من ضغوط العمل الاحتكاك بالموظفين الآخرين؛ توفير المال والوقت وهما عنصران في غاية الأهمية؛ توفير المرونة في القيام بالعديد من الوظائف التي يستطيع الموظف أداءها؛ إمكانية التحكم في جدول العمل طبقاً لظروف ورغبات الموظف الشخصي؛ - جنب أحوال الطقس الصعبة ساء أكان الجو حرا أم باردا؛ - توفير الوقت لممارسة الرياضة أو الهواية المفضلة بكل أريحية وفي أي وقت يختاره الموظف؛ - الحرص على ممارسة الشعائر والطقوس الدينية، وأداء كل الصلوات في وقتها. مزايا العمل عن بعد للأسرة والأبناء: إتاحة الفرصة لتجمع الأسرة وتناول الوجبات مع بعض، وتجنب الوجبات السريعة؛ التحدث إلى الأبناء وتتبع مسارهم الدراسي والوقف على تربيتهم عن كتب؛ توفير الوقت والاهتمام بالمطالعة وإثراء المعرفة؛ الاهتمام بالرضيع وإعطائه حقه الكافي من الرضاعة بالنسبة للأم الموظفة؛ توفير الوقت للاعتناء بالأبناء فيما يخص اللباس والرياضة العبادة. مزايا العمل عن بعد بالنسبة للمؤسسات والشركات: - القدرة على زيادة معدلات مردودية وإنتاجية العاملين عن بعد، نظراً لتمتعهم بالحرية التامة في اختيار الوقت المناسب للقيام بالعمل المطلوب؛ - الزيادة الملحوظة في نشاط الموظفين أو العاملين نتيجة صفاء الذهن والراحة النفسية وعدم تعرضهم لضغوط العمل في المكاتب؛ - توفير الأماكن بالنسبة للشركة، إذ أن العمل عن بعد يخفض من عدد الموظفين المتواجدين بالمؤسسة أو الشركة، مما يقلل أيضاً من المشاكل الداخلي؛ - تقليل التكاليف غير المباشرة نتيجة تقليص عدد الرحلات الخاصة بالموظفين يومياً لمسافات بعيدة، أو حتى من وإلى مقر عملهم؛ - إمكانية توفير خدمات العملاء في غير أوقات العمل الرسمية، ومضاعفة أرباح الشركات مع حصل رضا كل الأطراف. - الحد من النفقات المترتبة عن حوادث السير وكذلك حوادث الشغل. مزايا العمل عن بعد لدى الدوائر الحكومية: المساهمة في تقريب الإدارة من المواطنين وخاصة فيما يتعلق بخدمات المراسلات أو الوثائق، بحيث يتم انجاز العديد من المعاملات والملفات عن بعد؛ يعطي العمل عن بعد فرصاً كبيرة لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين الذين تمنعهم ظروف إعاقتهم الجسدية من التنقل من وإلى المقر الرئيسي للعم؛. يعطي مجال العمل عن بعد فرصاً جديرة بالاهتمام لتشغيل أكبر عدد ممكن من النساء وإدماج الجمعيات النسوية والقيام ببعض الأعمال بشكل تعاوني في ما بينهن. وذلك لأن قضية تشغيل المرأة مع الاحتفاظ بدورها ألطلائعي والأساسي في تربية الأبناء والسهر على دورها ومسؤوليتها الاجتماعية تجاه المنزل ورعاية الأطفال لازالت تنال الاهتمام؛ يضمن مجال العمل عن بعد إمكانية استمرارية الأعمال والمهام ولو في الحد الأدنى في حالات الطوارئ والأزمات والكوارث الطبيعية، وهو ما ألزم العديد من الدول لخوض غمار تلك التجربة والصراع من أجل البقاء ودفع البلاء. خلاصة: في ختام هذا الموضوع الشيق والمستحدث، يمكن القول أن الظروف الحالية ألزمت العديد من الدول والمؤسسات الحكومية والخاصة لخوض غمار هذه التجربة التي أقل ما يمكن أن ننعتها بها أنها أنقذت العديد من البشر وأيضاً الشركات من الإفلاس أو الهلاك أو الضياع. فلولا هذه التجربة، لما وصل الدواء ولا التجهيزات الطبية إلى المرضى، ولا وصل المال ولا البضائع إلى من هم في أمس الحاجة إلى ذلك. ويبقى العمل عن بعد، والمعروف كذلك بالعمل عبر المنزل أو العمل عبر الإنترنت، خيارا استراتيجيا جديراً بالدراسة والتأمل والتخطيط، وأن يكون حاضراً وبقوة في النماذج التنموية المقترحة. وللإشارة فقط، يبقى هذا الميدان كباقي الميادين الأحرى مليئاً بالمخاطر والمطبات، ولذلك يستوجب على القطاعات المعنية بذلك الحرص على توفير التكوين والتدريب اللازمين، والإلمام المعرفي بعالم التكنولوجيا والتواصل، وتوفير طاقم متخصص في صيانة الأجهزة الالكترونية والتصوير وهندسة الصوت، بغية تحقيق مردودية ونتائج عالية وضمان استمرارية العمل أو الخدمة. ومن المعلوم أن إنجاح مشروع ضخم كهذا يحتاج إلى سن قوانين كفيلة بضمان حق الموظفين والعمال الذين يعملون عن بعد، دون إجحاف في حقهم، وإتاحة فرصة الحصول على راتب شهري يضمن للموظف أو العامل حقه في نظام التقاعد وفي صندوق الضمان الاجتماعي وحقه في العلاج المجاني كباقي الموظفين. "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،، *خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]