عدا حصد الأرواح، الوجه الآخر لهاته الجائحة الكاسرة للملذات أنها أوقفت مسيرة مجتمع مادي منهار القيم كان يسير بسرعة قصوى نحو الهاوية. والعجيب فيها هو سلطتها التي أوقفت الحروب وحوادث السير والسرقة والتلوث ومعها كل شرور الإنسان وعبثيته اللامتناهية. انهزم العالم المتقدم أمام فيروس مجهري عرى سوءة الدول العظمى التي أصبحت عاجزة، وبزغت ضآلتها، تاهت حيلتها وتهاوت مصالحها وتحالفاتها واتحاداتها. الحرب اليوم ليست ضد الإرهاب، بل هي ضد فيروس وليد مختبرات عسكرية. فليعد الجنود إلى بلدانهم، إلا المصابون فقد تم الاستغناء عليهم امام الخوف القاتل من المجهول حيث يتخلى بعض أبناء مدارس الحضارة عن آبائهم وبعض دول حقوق الإنسان عن شيوخها. دوليا، كورونا تحول صفقة القرن التي أفرجت عنها الإدارة الأمريكية إلى صفعة القرن. تفشي الوباء في العديد من الولاياتالأمريكية يحول ترامب من رئيس مزاجي أناني ومتعجرف إلى حمل وديع يستجدي مساعدة الصين. الوضع العام ينبئ بانهيار أسهم البورصات والسوق العالمية الاقتصادية التي ستعرف أسوأ انتكاساتها. هل نحن أمام تجديد أو مراجعة الكثير من القناعات حول ما يعيشه العالم اليوم سيجعلنا نقوم بإعادة النظر في الكثير من القناعات والتصورات للحياة ولمواضيع عامة من حولنا والتي بنيناها وفق نسق سيجعل إلزامية مراجعته مع مراجعة الأنظمة لسياساتها العامة المساهمة في زمن الأخطاء التقديرية. العالم في حالة حرب ضد وباء فتاك له كلفة مالية واجتماعية ستكون لها انعكاسات على العديد من القطاعات. من آثاره التحاق نصف مليار من سكان العالم بعتبة الفقر. بالمغرب يوجد أربعة ملايين أسرة تعيش على عائدات القطاع غير المهيكل، وهي التي توجد اليوم في واجهة الفئات المتضررة اقتصاديا وبشكل مباشر. متطلباتها اليومية من أجل القوت والعيش في كرامة تتطلب استعجالية تفعيل القرارات والإجراءات التي ركزت عليها لجنة اليقظة الاقتصادية، أي توزيع المساعدات من مالية الصندوق الذي أحدث بهاته المناسبة مع احترام الاحترازات الوقائية التي تمليها الجائحة. من بين إيجابيات ظروف الحجر الصحي لجائحة كورونا أنها ساهمت في خلق تقارب بين أفراد الأسرة الواحدة، بعد أن وصفت بالأمس القريب علاقاتها بالهشة والمتمزقة؛ لكن الملاحظ أن هناك ارتفاعا في منسوب الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي في صفوف جميع أفراد العائلة الواحدة. إن تصوير بعض مظاهر الاحتقان الاجتماعي والحوادث تحت ذريعة الإعلام البديل، إضافة إلى نشر بعض المقالب وتوزيع التسجيلات الصوتية لحوارات بين أشخاص يكشف جزء منها عن بعض فصول الحياة الخاصة لحرمة الأشخاص والعائلات تحت ذريعة محاربة الملل، أو ظاهرة البث المباشر (اللايف) أصبح يجسد عند البعض هوس يومي ورغبة في خلق البوز ورفع نسبة المتتبعين إلى جانب حب الظهور أمام الكاميرا ولو لإطلاق تصريحات تلقائية أو أخبار لا أساس لها من الصحة، هي ظواهر اجتماعية تبعث على التساؤل والقلق. في غياب العديد من التفاصيل واللبس الذي يكتنف سلوكيات الفيروس، والشح في المعلومات التي حجبتها الصين عن نتيجة الكوفيد 19 بعد مقتل 1300 شخص في ووهان، المختبرات عبر العالم في معركتها ضده توجد اليوم في سباق نحو اختراع تركيبة دواء نواجه به هذا المارد اللعين. نأمل أن لا يكون عملها مرده البحث المحموم عن السبق من أجل تثمين رصيد الرأسمالية وترسيخ عقيدة الربح بقدر ما يكون تصحيحًا لمسار النيوليبرالية المتوحشة وعودة إلى ثغور أصول الإنسانية. أصعب شيء هو أن نواجه بالوباء الفكري، وبأورام الجهل وجشع الربح وجحيم الفردانية المفرطة وخيبة الأمل في إنسانية سقطت في مستنقع الابتذال. فهل نستفيق؟ * باحثة في علم الاجتماع السياسي